لا ديمقراطية في ظل حكم جماعة دينية أو عسكرية
يعتبر عبد المنعم أبو الفتوح، مؤسس حزب مصر القوية والمرشح السابق للانتخابات الرئاسية 2012، من أبرز الشخصيات التي انتقدت الرئيس السابق محمد مرسي وطريقة إدارته للبلاد. بيد أنه رفض في الوقت ذاته ما وصفه "الانقلاب العسكري الدموي" الذي أعقب مظاهرات 30 يونيو، محملا العسكر مسؤولية المجازر التي وقعت أثناء فض الاعتصامات المؤيدة للرئيس المعزول مرسي. في الحوار التالي يقدم عبد المنعم أبو الفتوح قراءة للمشهد المصري قبل وبعد 30 يونيو، متحدثا عن دور العسكر ومستقبل حزبه "مصر القوية" في ظل فشل الإسلام السياسي مجسدا في جماعة الإخوان المسلمين.
نص الحوار:
لنبدأ من 30 يونيو، كيف ترى المشهد بتداعياته منذ الإطاحة بالرئيس السابق محمد مرسي وحتى الآن؟
عبد المنعم أبو الفتوح: كان 30 يونيو بالنسبة لنا يوما للتعبير عن حالة غضب لدى جزء غير قليل من الشعب المصري، جراء ممارسات وأسلوب إدارة الرئيس مرسي وتنظيمه. وهذا الغضب بدأ منذ الإعلان الدستوري وتصاعد بعد ذلك عند شرائح كثيرة من الشعب، أهمها الشرائح الفقيرة التي كانت لديها آمال كبيرة بعد زوال نظام حسني مبارك ومخلفاته. هؤلاء حرموا من الديمقراطية لمدة ستين عاماً، وكان أملنا جميعا أن تتحقق شعارات ثورة يناير من حرية وكرامة، لكننا فوجئنا بتخلي الرئيس مرسي عن تعهداته، وبإدارته للبلاد بأسلوب الإخوان المسلمين الذي يحتوي على قدر من الغموض والانحياز الحزبي وتقديم أهل الثقة على أهل الكفاءة.
وجد حزبنا منذ البداية، أن معالجة الوضع يجب أن تتم عن طريق الضغط على مرسي بوسائل العمل الديمقراطي لإجراء انتخابات مبكرة. أقمنا 16 مؤتمرا في أنحاء مصر ندعو فيها لانتخابات رئاسية مبكرة، باعتبار أن الرئيس المنتخب بالصندوق لا يسقط إلا بالصندوق. وقلنا إن استمراره في مدته سينتج عنه كارثتان، إما الفوضى وثورة الجياع نتيجة للأوضاع الاجتماعية السيئة مع غياب الأفق لتحسينها، أو انقلاب عسكري يتخذ أداء الرئيس السيئ ذريعة للتدخل.
وكيف تنظر إلى عزل الرئيس مرسي؟
لم نقبل الانقلاب العسكري لسببين، أنه لا يمكن وجود ديمقراطية في ظل نظام عسكري، والسبب الثاني أننا حريصون على ألا يتم استدراج المؤسسة العسكرية لمستنقع السياسة لأن هذا خطر على الوطن بأكمله. وهنا كان رأينا مخالفا لجبهة الإنقاذ التي استدعت الجيش، وهذه واحدة من الكوارث التي ارتكبتها الجبهة بكل رموزها بلا استثناء.
لم نكن نتوقع حتى يوم الثاني من يوليو/ تموز تدخل الجيش، وقبل يوم واحد من الإطاحة بالرئيس مرسي واختطافه بهذا الشكل المهين، كنت مع أحد القيادات الكبيرة التي استبعدت إمكانية حدوث انقلاب عسكري. لكن ما حدث هو انقلاب عسكري مدعوم بمؤسسات دينية، وهذه إحدى نقاط خلافاتنا مع النظام السابق، وهي إدخال العمل الديني في العمل السياسي، فإذا بالنظام الجديد يمارس نفس الهواية وهي الاستعانة بشيخ الأزهر وبابا الأقباط الأنبا تواضروس. في الحقيقة لم يحدث انقلاب عسكري فحسب، بل وبالنظر إلى المجازر التي ارتكبت، تحول إلى انقلاب عسكري دموي أيضاً، بغض النظر عمّن هو المتسبب في هذه المجازر، والمهم أن هناك سلطة سياسية تتحمل المسؤولية.
وهل كنتم تتوقعون أن يتنحى الرئيس مرسي من تلقاء ذاته ردا على المظاهرات؟
كانت لنا تجربة في يناير 2011 لم يكن هناك أحد أكثر عناداً واستبداداً وسيطرة على مؤسسات الدولة مثل مبارك، ومع ذلك عندما خرجنا ضده تمت الاستجابة لنا. انهارت الشرطة وبقي الجيش على الحياد، وأي ادعاء أن الجيش انحاز للثورة هو غير صحيح. لم يقف الجيش لا معنا ولا ضدنا، وإنما كان يشاهدنا والشرطة تقتلنا. كان يستطيع حمايتنا على الأقل، لكنه تركنا نضغط على مبارك، في حين كان يقدم له النصيحة له، ولم يقبض عليه مثلا بعد ثلاثة أيام، ووقتها كنا متوحدين كشعب. في 30 يونيو كان هناك انقسام شعبي بين مؤيدين لمرسي ومعارضين له.
هل تعتقد أن لأجهزة الدولة دورا في التخطيط لـ 30 يونيو؟
كان لبعض أجهزة النظام العميق دور في المسألة. تمّ استغلال حالة الغضب لدى الشباب، وكان هناك تخطيط. كما كانت هناك أيضاً حالة غضب شعبية ضد مرسي كنا نشعر بها جميعا. ليس هناك جهاز في الدولة يمكنه دفع كل هذه الجموع. بعض الناس يسألون إن كان ما حدث في 30 يونيو حالة شعبية حقيقية أم مؤامرة. هي الاثنان سوياً، وفي تقديري لا تتعدى نسبة المؤامرة عشرين أو ثلاثين في المائة.
قبل 30 يونيو كنا نراهن على حالة الغضب الشعبي ضد مرسي في الضغط عليه. وقد نُصح كثيرا بالاستعانة بأهل الكفاءة بدلا من أهل الثقة، لكن الغرور والعناد اللذان ميزا تنظيمه كانا من أسباب القضاء عليه. وما أجزم به حتى الآن هو أن مرسي سيء الإدارة وضعيف وعاجز. لم يستطع حماية نفسه، فكيف سيستطيع حماية وطن كامل. لم يستطع السيطرة على مؤسسات القوة التي لا يمكن لأي رئيس أن يحكم بدونها، وكان من واجبه الاستقالة والاعتراف بفشله.
يطرح حزب مصر القوية الذي ترأسه نفسه كحزب إسلامي تقدمي. كيف يمكنك الرهان على الحفاظ على هذه الصيغة في ظل ظهور التيار الإسلامي أمام الجماهير وكأنه وفي أعماقه معادٍ للديمقراطية؟
نحن لا نعتبر أنفسنا جزءا من تيار الإسلام السياسي. وأحد أسباب خلافاتنا مع الإخوان، هي قيامهم بخلط العمل الديني والدعوي بالعمل السياسي. نحن نفخر أننا وعموم الشعب المصري منتسبون لتيار الحضارة الإسلامية، التي بناها مسلمون ومسيحيون في العالم العربي كله. من قال إن المصريين من أيام الفراعنة لا يستلهمون قيم العقائد، سواء الديانات المصرية القديمة أو المسيحية أو الإسلام؟ أما تنظيم الإخوان المسلمين فهو ليس تنظيما ديمقراطيا أصلاً، ولم يتربّ على الديمقراطية بل قضى حياته كلها في الاضطهاد والمطاردة.
كما أننا لم نعش الديمقراطية منذ ستين عاما، وكان من الممكن التماس العذر لهم قبل الثورة ولكن بعدها لم يعيدوا ترتيب أوراقهم. هم مثلاً لم يسجلوا جمعية الإخوان المسلمين بشكل قانوني، واتخذوا الديمقراطية وسيلة لتحقيق أهدافهم. وعمليا، لم يكونوا يستوعبون المخالفين لهم ويغتالونهم معنوياً. أعتقد أنه لن تحدث ديمقراطية في مصر طالما تحكم مصر جماعة دينية أو جماعة عسكرية. لذلك لم نكن نسعى للإطاحة بجماعة دينية حتى تحكمنا جماعة عسكرية.
ولكن الجماعة العسكرية ستستمر في حكم مصر حتى وإن أتى رئيس مدني منتخب؟ كيف يمكن حل هذه المشكلة؟
أتصور أن الأمر كان يحتاج إلى نوع خاص من التعامل القانوني والتشريعي في الدستور، والمؤسف أن دستور مرسي تمت صياغته بالتواطؤ بين الإخوان المسلمين والجيش، واحتوى على قدر من الوصاية العسكرية لم تكن موجودة حتى أيام مبارك. وهذا ما يحدث في دستور عمرو موسى الآن أيضاً، وهو أحد رموز النظام القديم، أي مزيد من الوصاية العسكرية. ولذلك دعَونا الشعب ليقول لا لدستور مرسي، وإذا استمر الموضوع كما هو الآن سوف ندعو الناس لرفض الدستور الذي تتم صياغته الآن.
ربما لا تبدو المعضلة معضلة دستور فقط، الجيش في مصر قوي في الواقع وليس في الدستور؟
هذه مشكلة مصر منذ عام 1952، وتحتاج إلى حلٍّ على المستوى الشعبي. لو كان مرسي استمد قوته من الشعب المصري لكانت هذه المعضلة قابلة للحل. في بداية حكمه، صفق له الشعب بمن فيهم الليبراليون واليساريون وكانوا على استعداد لدعم الرئيس المنتخب. بيد أن مرسي، وللأسف سرعان ما فقد أهم مصدر قوته (الشعب) واكتفى بالتنظيم.
لو كان هناك رئيس يقف خلفه الشعب المصري، لتمكن من إجبار المؤسسة العسكرية على ألاّ تخرج عن حدود واجباتها الوظيفية. إن ما مكن الجيش المصري من الانتصار في 73 أنه أدرك أنه وقع في مستنقع السياسة، من خلال أشخاص مثل عبد الحكيم عامر الذي انشغل بالسياسة. بعدها بدأت القيادات العظيمة مثل الفريق محمد فوزي والمشير عبد الغني الجمسي في القيام بواجبها. المشير أحمد إسماعيل كانت له مقولة رائعة وهي "نحن كجيش مصر ليس لنا أي وظيفة سوى أن نؤمر بالقتال فنقاتل".
تصنفون أنفسكم حزباً محافظاً على المستوى الثقافي، وفي الوقت ذاته يسارياً منحازاً للفقراء على المستوى الاقتصادي، ألا ترون تناقضاً في هذا؟
لا أرى تناقضاً بين أن نكون حزباً محافظاً نحترم قيم الشعب المصري وأن ننحاز لمصالح عموم الشعب وفقرائه. أرى أن على أي شخص يريد أن يحكم إدراك أن قضية احترام القيم الدينية شيء أساسي ليس فقط من أجل إرضاء الشعب، وإنما كي يكون حاكماً طبيعياً لمصر. ليس أن يكون داعية وإنما أن يكون لديه قدر من احترام القيم الدينية واستلهامها لأنه يريد حكم شعب مصر وليس شعبا آخر.
هل لا تزال هذه الصيغة ملهمة؟ هناك من يقول إن الشعب بات يتحفظ على أي دور للدين في السياسة؟
هذه حالة عابرة نتيجة لعملية غسيل الدماغ التي قام بها الإعلام. هناك فاشية إعلامية ضد كل ما هو ديني. ولكن ليس هناك عقيدة ولا دين يمكنك تغييرها بضغطة زر لدى شعب كامل. ما أريد قوله هو أنك حينما تهتم باقتصاد بلدك والتعليم والصحة فيه فهذا من ضمن قواعد الشريعة. أينما تكون المصلحة فثمّ شرع الله. كارثة التيارات الإسلامية، بما فيها الأكثر اعتدالا، أنها لم تفهم الدين بشكل جيد. وأعتبر أن المجموعة التي قادت الإخوان في الفترة الأخيرة هي أسوا قيادات الإخوان، لأنها تتبنى الفكر القطبي الإقصائي. قلت ذلك في الكثير من المناسبات، لكنني اليوم أجد بعض الحرج في قوله، لأنه ليس من المروءة قوله في ظل الوضع الحالي.
لنعد إلى قضية إشكالية، أثناء ترشحك للرئاسة في 2012 قام السلفيون المتشددون بدعمك وقرروا انتخابك. كان هذا مقلقاً للكثيرين من الليبراليين واليساريين الذين ادعوا أن ثمة صفقة حدثت بينك وبينهم وقتها؟ كيف تفسر هذا التحالف؟
تجمع التيار السلفي كان يبحث عمن يؤيده من المرشحين وبالتالي طلب الجلوس معنا وأعلن وقوفه بجانبنا. أنا أختلف معهم وأعلنت هذا أمامهم، ولكن كيف يمكن أن نرفض تأييدهم لنا!؟ الخطأ هو أننا لم نعمل حساباً لكيفية تلقي المجتمع للمسألة. المجتمع تشكك في اعتدالنا بعد تحالفنا مع التيارات السلفية. والسلفيون أنفسهم قالوا إنهم يختلفون معي ولكنهم يرونني أفضل المرشحين. كانوا يريدون النكاية في الإخوان، فلم يجدوا غيري لدعمه. الحل الآخر كان اللجوء لمحمد سليم العوا الذي ادعوا من قبل أن له علاقة بالشيعة.
هل تنوي الترشح لانتخابات الرئاسة القادمة؟
حينما نادينا بانتخابات رئاسية مبكرة، قلت إنني لن أترشح. وكان هذا رداً على الإخوان الذين قالوا إنني أدعو إلى انتخابات مبكرة كي أترشح. ولكن المستجدات التي حدثت بعد 3 يوليو/ تموز قد تدفع الحزب لمراجعة هذه المسألة. لا تزال قناعتي الشخصية أن الأفضل لهذه المرحلة هو أحد الشخصيات العامة من جيل الشباب في الحزب، ولكننا لم نتخذ قرارا حاسما حتى الآن.
وبالنسبة لحزب مصر القوية؛ قلت سابقاً أنك تنوي التنحي عن رئاسته، هل مازلت متمسكا بقرارك؟
بالفعل، على أن يتم في أول مؤتمر عام للحزب، لكن تم تأجيل النظر في الأمر قليلا بسبب المستجدات. لن أترشح لرئاسة الحزب، وهذا محسوم منذ إنشاء الحزب. ومن السهل تحقيق ذلك لأن الحزب يتوفر على عدد من الكوادر الشباب الأكفاء وسهل أن يتولى أحدهم مسئولية رئاسته.
أجرى الحوار: نائل الطوخي ـ القاهرة
عبد المنعم أبو الفتوح: أحد المرشحين لانتخابات رئاسة الجمهورية 2012، حصل على المركز الرابع في الجولة الانتخابية الأولى. كما أنه كان عضوا سابقا في مكتب إرشاد جماعة الإخوان المسلمين قبل أن ينشق عنهم عام 2011