منح الجائزة الألمانية بوعلام صنصال....ظاهرها شجاعة وباطنها جبن
المقالات المادحة تنهمر كالسيل: ياله من قرار شجاع وجرئ وحكيم، قرار رابطة الناشرين الألمان بمنح جائزة السلام الألمانية للكاتب الجزائري بوعلام صنصال. إنه كاتب نقدي، هكذا نقرأ، غاضب، يفتح أعيننا على معاناة العرب، تلك المعاناة التي قادت إلى الثورة. ألم يتنبأ بها؟ لقد هاجم الأوضاع في وطنه بلا مهادنة، بل وتجرأ على مخالفة أحد مبادئ الإيديولوجية في العالم الثالث، أي إلقاء كل الذنب على الاستعمار.
كل ما قيل عن بوعلام صنصال صحيح. على السطح. بسهولة يمكننا أن نتخيل كيف أرادت لجنة منح جائزة السلام الألمانية - هذه اللجنة التي على ما يبدو تنظر إلى الأدب العالمي نظرة أوروبية مركزية بحتة – أن تتخلص من تلك السمعة أخيراً. ألن يكون جميلاً منح الجائزة إلى كاتب عربي في هذا الربيع العربي الذي سيتحول إلى خريف عربي؟ ولكن إلى مَن؟ صحيح أن الأدب العربي شق طريقه منذ أكثر من عشر سنوات إلى دور النشر الألمانية المنفتحة على الآداب الأخرى التي قامت منذئذ بنشر عديد من الأعمال العربية، وإنْ في طبعات محدودة دائماً، غير أن أسماء قليلة فحسب هي التي فرضت نفسها لدى الجمهور العريض ولدى المكتبات.
شجاعة....تناقض
ليس بو علام صنصال – الذي نشر أعماله دائماً في دار ميرلين الصغيرة - بالضرورة واحداً من تلك الأسماء المعروفة. ولهذا كان قرار اللجنة شجاعاً حقاً، وإن كان متناقضاً على نحو مضاعف. لو كانت اللجنة اختارت الطاهر بن جلون أو رفيق شامي أو – وهو الأفضل من بين كل هؤلاء – أمين معلوف، ما كانت ستعرّف القراء بكاتب جديد، ولكنها كانت– وكما يحدث في معظم الأحيان في مثل هذه الحالات - ستتوج بلا شك أعمال كاتب معترف به، مثلما فعلت اللجنة سابقاً مع آسيا جبار. غير أن المشكلة في كل هؤلاء الكتاب هي أنهم أنصاف عرب، أي أنهم لا يكتبون بلغة الضاد، وبالتالي فليس سوق الكتاب العربي الصعب هو السبب في شهرتهم ككتاب.
حتى اليوم لم تنجح لجنة جائزة السلام الألمانية في تكريم كاتب يكتب باللغة العربية، أو في تكريم أي كاتب آخر يكتب بلغة غير اللغات الكبرى المنتشرة في دائرة الثقافة اليهودية المسيحية. ولهذا فإن سمعة اللجنة في التشبث العنيد بالمركزية الأوروبية ستبقى حتى بعد هذا الاختيار، وخصوصاً وأن هناك العديد من الكتاب العرب المتوفرة أعمالهم في السنوات الأخيرة في سوق الكتاب الألماني مثل صنصال، كالكاتب المصري علاء الأسواني والروائية الفلسطينية سحر خليفة والأديب اللبناني إلياس خوري والروائي الليبي إبراهيم الكوني والشاعر السوري أدونيس.
تناقضات الثورة والقرار
ولكن إذا دققنا النظر، لوجدنا أن لجنة منح الجائزة لم تتسم بالشجاعة، بل بالجبن، إذ أنها تجنبت المخاطرة. لا بد أن أعضاء اللجنة سألوا أنفسهم والخوف يستولي عليهم: مَن سنحضر إلى حفل التكريم في كنيسة القديس بولس (باولسكيرشه) في فرانكفورت، إذا منحناها إلى أدونيس أو إبراهيم الكوني أو سحر خليفة أو إلياس خوري أو علاء الأسواني؟ ألا يواجه أدونيس والكوني الاتهامات في الوقت الحالي بأنهم كانوا يساندون على نحو ما النظام القامع في وطنيهما، بل ربما يكونان على تحالف معه؟ ولكن ما هو موقف الكاتبين بالفعل من الثورة؟
هذا شيء لم يعد يثير اهتمام أحد بعد أن قامت الصحف الواشية بنشر تلك الظنون دون تمحيص أو تفكير. وسحر خليفة؟ اختيار شائك للغاية، لأنها تنتقد إسرائيل انتقاداً عنيفاً. أما أنها تنتقد أيضاً انتقاداً عنيفاً الإسلاموية والعقلية الذكورية الفلسطينية الإسلامية فهذا شيء لا يهم بالفعل أحداً. الأمر نفسه ينطبق على إلياس خوري وعلاء الأسواني: رغم انتقادهما الشديد للأوضاع السائدة في بلديهما فإنها لا يترفقان في نقدهما بالغرب أيضاً، أي لا يترفقان بنا.
أما اختيار بو علام صنصال فهو اختيار يضمن ألا يحدث كل هذا، إذ لا شيء يشير في عمله حتى الآن إلى مثل هذه المواقف. صنصال واحد من منتقدي الأوضاع العربية الإسلامية، ومن السهل علينا أن نتبعه لأنه يبرئنا دائماً من أي ذنب. وهو يفعل ذلك ربما في أوضح صورة عندما يشير إلى الاستمرارية في الأفكار النازية وفي الموقف العربي الإسلامي المعادي للكولونيالية، مثلما فعل في أحدث رواياته "قرية الألماني". ولكن، حتى إذا كنا نفكر تفكيراً مركزياً أوروبياً، فإننا بالفعل لم نعد نازيين!
شتيفان فايدنر
ترجمة: صفية مسعود
مراجعة: هشام العدم
حقوق النشر: قنطرة 2011