"عِداء السامية ومعاداة الإسلام - على الغرب مكافحتهما معاً"
السيِّدة إسراء أوزيوريك، وجَّه الرئيس الألماني الاتحادي فرانك فالتر شتاينماير قبل عدة أيَّام نداءً إلى المهاجرين ذوي الجذور الفلسطينية والعربية دعاهم فيه للنأي بأنفسهم عن "ميليشيا حماس الإرهابية". وقال: "تكلموا عن أنفسكم. ارفضوا الإرهاب بوضوح". فكيف تُصنِّفين هذا النداء؟
إسراء أوزيوريك: يجب النظر إلى هذا النداء مع فكرة أنَّ الفلسطينيين أو العرب أو المسلمين يختلفون عن مجتمع الأغلبية الألماني وأنَّ قيمهم مختلفة عن قيم مجتمع الأغلبية الألماني. ومعاداة السامية تشكِّل جوهر هذا الاختلاف. ونحن نتعامل منذ سنين مع فكرة معاداة السامية الجديدة المرتبطة بشعوب الشرق الأوسط.
وتوجد أيضًا منذ فترة طويلة فكرة مفادها أنَّ المهاجرين مُتحيِّزون جنسيًا ويكرهون المثليين، ولكن مسألة معاداة السامية تشكِّل جانبًا رئيسيًا بالنسبة للهوية الألمانية وكيفية التعامل مع هذا الموضوع هي ما يحدِّد شكل ألمانيا كما نعرفها بعد عام 1945. لقد ظهرت فكرة أنَّ معاداة السامية مختلفة لدى المسلمين عن معاداة السامية في مجتمع الأغلبية الألماني في عام 2000 تقريبًا، ولكن هذه الفكرة اتخذت في السنين الأخيرة أبعادًا مختلفة تمامًا.
ويجب عليّ القول إنَّني لم أكن أتوقَّع من الرئيس الاتحادي فرانك فالتر شتاينماير (من أعلى ممثِّلي السياسة في ألمانيا) تصريحًا كهذا حين قال: "يجب على المسلمين أن ينأوا بأنفسهم عن حماس". ومن المثير للقلق أيضًا أنَّ البرلمان ناقش بصراحة إنْ كان من الممكن سحب الجنسية الألمانية من المهاجرين الذين تبدو عليهم معاداتهم للسامية أو الذين يعبِّروا عن رفضهم حقِّ دولة إسرائيل في الوجود.
"هذا ضدّ قيمنا المشتركة"
طالب في النقاش أحد سياسيي حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي "بمنح الجنسية الألمانية فقط للذين يُقرِّون صراحةً بحقِّ دولة إسرائيل في الوجود وإذا لوحظت أفعالٌ معادية للسامية على شخص يحمل جنسية مزدوجة فيجب أن تُسحب منه جنسيته الألمانية".
إسراء أوزيوريك: هذه مطالب بعيدة المدى تُهدِّد القيم التي كرّسناها بعد الحرب العالمية الثانية، وهي: عدم تصنيف مجموعة من الناس على أنَّهم مختلفون جوهريًا وعدم تهديدهم بسحب جنسيَّتهم. لقد كان الإجماع بعد عام 1945 على عدم وجود شيء كهذا في الدولة الديمقراطية. ولهذا السبب فإنَّني أجد أنَّه من المقلق للغاية أن يتم تقديم مثل هذه المطالب، حتى ولو كانت باسم النوايا الحسنة.
من المستبعد جدًا أن أن تتحوَّل في يوم ما مقترحات مثل سحب الجنسية بسبب تصريحات معادية للسامية إلى قانون. وذلك لأنَّ العقبات القانونية كبيرة للغاية والسياسيون يعرفون ذلك. ولكن ما الهدف إذًا من مثل هذه المطالب؟
إسراء أوزيوريك: هذه المطالب هدفها هو إحداث "تأثير مُروِّع"، كما يسمى باللغة الإنگليزية. ومثل هذه المطالب تخلق وضعًا مخيفًا بالنسبة للمهاجرين الذين لا يعرف الكثيرون منهم بالضبط كيف تتم العمليات التشريعية في البرلمان. ولكنهم يدركون جيدًا أنَّ مثل هذه المسائل تتم مناقشتها علنًا ولهذا السبب يتم استخدام هذه المطالب لتخويف الناس.
وحتى إن لم يتم بتاتًا إقرار قوانين مماثلة فإنَّ هذه المطالب تنتشر في الفضاء السياسي وتؤثِّر على المجتمع. كثيرًا ما يقترح السياسيون اقتراحًا ما ليعرفوا إلى أي مدى يمكنهم الذهاب وأين تكمن الحدود.
"نحن نحتاج إلى مجال لانتقاد إسرائيل"
أين تحدِّدين الخط الفاصل بين انتقاد الحكومة الإسرائيلية المشروع ومعاداة السامية؟
إسراء أوزيوريك: أحيانًا يكون الأمر أسهل عندما نناقش هذا السؤال بالاستناد إلى بلدان أخرى. مثلًا رئيس الوزرء الهندي ناريندرا مودي يُدين الانتقادات الموجَّهة إلى الهند معتبرها معادية للهند ويجب أن يُعاقِب عليها القانون. وإردوغان يصف أي انتقاد موجَّه لتركيا بأنَّه معادٍ للإسلام. وأنا ضد مثل هذه التفسيرات.
ووجهة نظري حول تركيا مختلفة عن وجهات نظر جميع الحكومات هناك وأريد أن يُسمح لي بالتعبير عن رأيي. ويبدو لي في الهند أنَّ سياسة ناريندرا مودي لا تسير في الاتجاه الصحيح. فلماذا يجب أن يكون هذا النقد معاديًا للهند؟ اليهود في إسرائيل ينتقدون حكومتهم بشدة بينما يعتبر في ألمانيا هذا النقد نفسه معاديًا للسامية، وهذا صعب. يجب أن يكون من الممكن الحديث حول مثل هذه الموضوعات. نحن بحاجة إلى هذا المجال.
ولكن توجد معاداة للسامية بين المهاجرين. فكيف يمكننا مكافحتها بشكل فعَّال؟
إسراء أوزيوريك: من المنطقي بالنسبة لي مكافحة مختلف أشكال العنصرية معًا في كلِّ المجتمع. وبرأيي من الخطر أن يتم استخدام مكافحة أحد أشكال العنصرية -معاداة السامية- من أجل تهميش أقليات أخرى وتحريض مختلف الأقليات بعضها ضد بعض. توجد معاداة سامية وتوجد إسلاموفوبيا.
أنا لا أقول إنَّ الظاهرتين متماثلتان بل إنَّ لهما تاريخًا مختلفًا ولا يمكن مقارنة ما حدث لليهود بما حدث للمسلمين. وعلى الرغم من ذلك لا يمكن مكافحة معاداة السامية بشكل منعزل ومن دون العمل ضدَّ الإسلاموفوبيا.
لا يمكننا أن نقول لمجموعة من الناس في المجتمع ابتعدوا أو تعاملوا مع هذه المشكلة بمفردكم؛ أو أن نقول لهم دائمًا أنتم سيِّئون ومختلفون، هل أنتم أصلًا من البشر؟
إسراء أوزيوريك: أعتقد أنَّه من غير الواقعي أن نتوقَّع من الناس الاندماج وتبنِّي قيمنا المشتركة من خلال استبعادهم ومعاقبتهم. والأكثر واقعيةً أن نقول: هذه هي قيمنا التي تحترم الجميع ونحن نُقَدِّر التنوُّع ونعارض التمييز وجرائم الكراهية من جميع الأطراف. وهذا لا ينجح عندما نبدأ في معاقبة التمييز في بعض الحالات فقط.
وماذا عن الهجوم اليميني المتطرِّف في مدينة هاناو الألمانية؟
أنت تقصدين أنَّه من غير المفيد في ألمانيا الاستمرار في إبراز المهاجرين المسلمين كمعادين للسامية؟
إسراء أوزيوريك: ماذا يعني هذا عندما يُطلب في ألمانيا من ذوي الأصول العربية -كما فعل الرئيس شتاينماير- بأن ينأوا بأنفسهم عن حماس؟ وإلى أي جيل تعود هذه الأصول؟ الخلفية العربية أو التركية لا تختفي أبدًا بصرف النظر منذ أي جيل يعيش المرء في ألمانيا. وبالإضافة إلى ذلك يُنتظر دائمًا من المسلمين أن ينأوا بأنفسهم [عن الهجمات الإرهابية]، وهذا لا ينتهي أبدًا. ولكن ماذا عن الألمان البيض المصابين بالإسلاموفوبيا؟ لا أحد يطلب من الألمان البيض أن ينأوا بأنفسهم عن الهجوم اليميني المتطرِّف في مدينة هاناو.
أُجريت في الأعوام الأخيرة العديد من البرامج ضد معاداة السامية خصيصًا من أجل المهاجرين الشباب. فهل حقَّقت هذه البرامج أي شيء على الإطلاق؟
إسراء أوزيوريك: لقد التقيت في هذه البرامج بمهاجرين شباب وجدوا أكثر من خلال المحادثات واللقاءات العديدة مكانًا لهم في المجتمع. وبهذا المعنى حقَّقت هذه البرامج شيئًا بالتأكيد. فقد حصل الشباب على فرصة لتعلم شيء ما عن المجتمع الألماني وقاموا بزيارة إلى أوشفيتز [أكبر معسكرات الاعتقال والإبادة النازية] والتأمل فيه.
ولكني أجد بعض المحتويات مثيرة للمشاكل. فقد تم على سبيل المثال منح قصة مفتي القدس الحاج أمين الحسيني قدرًا كبيرًا من الاهتمام. من المؤكَّد أنَّه لعب دورًا غير جيِّد ولكن مفتي القدس ليس هتلر، فهو شخصيًا لم يقتل أحدًا، بالإضافة إلى أنَّ العرب لم يكونوا جميعهم من أنصار النازية بل يوجد منهم مَنْ وقفوا إلى جانب الحلفاء. وبهذه الطريقة يتم خلق رواية مناسبة لذوي الأصول العربية الذين يجب عليهم بعد ذلك إظهار الندم ليثبتوا أنَّهم مواطنون صالحون. ولكن بهذه الطريقة لا يتم دمجهم بل استبعادهم.
المجتمع الألماني أصبح أكثر تنوُّعًا خلال العقود الأخيرة وهناك جدل حول كيفية دمج هذا التنوُّع في التذكير بالمحرقة وإحياء ذكراها…
إسراء أوزيوريك: من المعروف أنَّ التذكير بالمحرقة وإحياء ذكراها كان يتعلق تقليديًا إلى حد كبير بالمسؤولية الألمانية الشخصية. وهكذا فقد تحدَّث أبناء جيل عام 1968 عما فعله آباؤهم خلال الحقبة النازية. والآن لدينا تقريبًا ربع السكَّان في ألمانيا لم يكن أسلافهم موجودين في ألمانيا في ذلك الوقت ولا يمكن لهذا الشكل من التذكير بالمحرقة أن ينصفهم.
ولكن هذا لا يعني بالضرورة أنَّنا بحاجة إلى أشكال مختلفة من إحياء الذكرى والتذكير لمختلف مجموعات المجتمع. ومن الناحية المثالية فإنَّ النهج المتبع في التعامل مع جريمة المحرقة يجب أن يجمع المجتمع معًا، لأنَّ ذلك يتعلق بالقيم المشتركة التي اكتسبناها من خلال التغلب على الماضي والتي تنطبق علينا جميعًا.
لقد كانت ألمانيا لفترة طويلة قدوة في طريقة تغلبها على ماضيها يقتدي بها الليبراليون من أمثالي في جميع أنحاء العالم. أمَّا الآن فيبدو لي أنَّ هذا ينهار وأنَّ هذه الطريقة في التغلب على الماضي باتت تُستخدم من أجل استبعاد فئة من المجتمع. وأنا أجد ذلك مُخيِّبًا جدًا للآمال.
وأنا لا أقول ذلك لأنَّني أريد على أية حال انتقاد ألمانيا بل لأنَّ لذلك صدىً عالميًا. إذ لم يعد بإمكاننا أن نذهب مثلًا إلى حكوماتنا في تركيا -حيث لا يزال يتم التكتُّم على إبادة الأرمن الجماعية- وأن نقول لها يجب عليها أن تكشف عن الأمور كما فعلت ألمانيا. لا يمكن أن يكون الهدف استخدام التغلب على الماضي كأداة لمعاقبة الأشخاص الذين نريد تهميشهم أو التخلص منهم.
حاورتها: كلاوديا مينده
ترجمة: رائد الباش
حقوق النشر: موقع قنطرة 2023
إسراء أوزيوريك حاصلة على كرسي أستاذية السلطان قابوس للديانات الإبراهيمية والقيم المشتركة في كلية اللاهوت بجامعة كامبريدج. درَست في البداية علم الاجتماع بجامعة بوغازجي في إسطنبول ثم الأنثروبولوجيا في جامعة ميشيغان آن أربور، حيث حصلت أيضًا على درجة الدكتوراه. ونشرت كتب من بينها: "كونك ألمانيًا تصبح مسلمًا - العِرق والدين واعتناق الإسلام في أوروبا الجديدة" (2014)، وكتاب "مقاولو الذنب: ذاكرة المحرقة وانتماء المسلمين في ألمانيا ما بعد الحرب" (2023).