يوم أسود على مشجعي نادي الزمالك (الوايت نايتس)

بعد مرور ثلاثة أعوام على كارثة بورسعيد - التي شهدتها مصر عام 2012، أصيبت كرة القدم المصرية مرة أخرى مساء يوم الأحد (08 / 02 / 2015) بمأساة جديدة راح ضحيتها عشرات القتلى والجرحى. الكاتب والصحفي كريم الجوهري يسلط الضوء من القاهرة على خلفيات أعمال الشغب في الملاعب المصرية، لموقع قنطرة.

الكاتبة ، الكاتب: كريم الجوهري

"مفيش سبب منطقي ليتعمَّدوا قتلهم، بس كمان، مفيش عقاب لو قتلوهم. هو موت مجاني سواء في شارع أو ميدان أو استاد أو جامعة" - مثلما كتب الحقوقي المصري ورئيس الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان جمال عيد، وقد عكس بذلك استياء الكثيرين من المصريين، وذلك بعد أن سقط في مساء اليوم السابق ما لا يقل عن اثنين وعشرين قتيلاً شابًا من مشجِّعي نادي الزمالك المصري في الاشتباكات وبعد حالة الذعر والهلع التي أصابت الجماهير أمام ملعب لكرة القدم في شرق العاصمة. في كلِّ مكان يتساءل المصريون: "من يتحمَّل المسؤولية عن ذلك؟".

أدَّت أشرطة الفيديو التي انتشرت مثل النار في الهشيم مساء اليوم السابق على شبكة الإنترنت إلى صدمة لدى جميع المشاهدين. وفي هذه الأفلام نشاهد مشجِّعين مرتبكين يتعثَّرون فوق عشرات من الجثث ويبدأون أمام ملعب الدفاع الجوي بتجميع القتلى وبمعالجة الجرحى. وفي كلِّ مكان قمصان مشجِّعي نادي الزمالك - المعروفين أيضًا باسم "وايت نايتس" الفرسان البيض - ملقاة ومطخة بالدماء رغم أنَّ لونها في العادة ناصع البياض، ومرمية بجوار أكوام من الأحذية.

وفي الواقع كان مشجِّعو نادي الزمالك يريدون مشاهدة مباراة لكرة القدم بين ناديهم الزمالك ونادي إنبي. ولكن بعد ذلك سار كلُّ شيء بشكل خاطئ. ولكن ما هو الخطأ الذي حدث بالضبط؟ حول ذلك  تنتشر آراء وتفسيرات مختلفة.

Sicherheitskräfte am Stadion in Kairo während der Ausschreitungen; Mohamed El-Shahed/AFP/Getty Images
Unter Verdacht: Fans und Augenzeugen werfen der Polizei vor, dass die gewalttätigen Auseinandersetzungen begannen, als die Sicherheitskräfte versuchten, die Fans durch ein enges mit Stacheldraht bewehrtes Tor zu schleusen. Die Krawalle erinnern an die schweren Ausschreitungen nach einem Spiel vor zwei Jahren, bei denen 74 Menschen starben - und Behörden den ägyptischen Fußball daraufhin in ein Spiel ohne Fans verwandelten.

فقد صرَّح متحدِّث رسمي باسم الحكومة المصرية عشية الإثنين 09 / 02 / 2015، بأنَّ المشجِّعين حاولوا دخول الملعب من دون تذاكر وقد تم إيقافهم من قبل قوَّات الأمن. وخلق ذلك حالة من الذعر والهلع بين الجماهير، سقط فيها معظم الضحايا بسبب التدافع والاختناق. وفي هذه الأثناء اعترفت الشرطة باستخدامها الغاز المسيل للدموع.

عنف من دون قيود

ربما لم يكن هذا على الأرجح الوسيلة الوحيدة من أجل إيقاف المشجِّعين عند حدهم. حيث تثبت أشرطة الفيديو كيف كان رجال الشرطة الملثَّمون يطلقون النار من بنادق الخرطوش من أجل إبعاد الجمهور الغاضب عن مدخل الملعب. ولكن مع ذلك فقد سارع التلفزيون المصري الرسمي إلى تحميل المشجِّعين وجماهير كرة القدم المسؤولية عن هذا الحادث - وذكر أنَّهم حاولوا دخول الملعب من دون تذاكر.

وفي المقابل اتَّهم المشجِّعون وشهودُ العيان الشرطة ببدئها المواجهات العنيفة، عندما حاولت قوَّات الأمن إدخال المشجِّعين من خلال بوابة ضيِّقة مدعومة بالأسلاك الشائكة. وذكروا أنَّ البوابة انهارت في آخر المطاف أثناء هذا الازدحام والتدافع، ومن ثم بدأت الشرطة وعلى نحو منتظم في دفع الجمهور. والنتيجة: حالة من الذعر والهلع بين الجماهير تصاعدت أكثر من خلال استخدام الشرطة الغاز المسيل للدموع من أجل السيطرة على الجمهور الغاضب.

وعلى الرغم من مشاهد الفوضى خارج الملعب فقد انطلقت صافرة المباراة، التي امتنع عن اللعب فيها لاعب واحد فقط من نادي الزمالك، هو اللاعب عمر جابر، بعد أن علم بهذا الحادث. ولذلك تم الآن إيقافه عن اللعب في نادي الزمالك حتى إشعار آخر.

"لن ننساكم" - إحياء لذكرى "شهداء" الثورة من مشجِّعي النادي الأهلي الذين قُتلوا في الثورة الشعبية المصرية ضدَّ حسني مبارك، والتي كان فيها مشجِّعو النادي الأهلي المعروفون باسم "ألتراس" جزءًا مهمًا من المتظاهرين الذين أسقطوا في مطلع عام 2011 الديكتاتور الذي حكم البلاد لفترة طويلة. Foto: Arian Fariborz
"لن ننساكم" - إحياء لذكرى "شهداء" الثورة من مشجِّعي النادي الأهلي الذين قُتلوا في الثورة الشعبية المصرية ضدَّ حسني مبارك، والتي كان فيها مشجعو النادي الأهلي المعروفون باسم "ألتراس" جزءًا مهمًا من المتظاهرين الذين أسقطوا في مطلع عام 2011 الديكتاتور الذي حكم البلاد لفترة طويلة.

أندية مُسيَّسة وناقدة للنظام

وكذلك حمَّل عضو مجلس إدارة نادي الزمالك لكرة القدم، أحمد مرتضى منصور، المسؤولية عن هذه المأساة للمشجِّعين. حيث كتب في صفحته على الفيسبوك: "الرجاء أن تدرك أنك لن تدخل أي مباراة للزمالك إلا لو كنت تحمل تذكرة… لا للبلطجة… الكرة للجمهور المحترم… الزمالك بريء منهم". وردًا على ذلك انتشرت أيضًا على موقع الفيسبوك صورة لجثة أصغر ضحية: وهو صبي يبلغ عمره سبعة أعوام ويمسك بيده قطعة كرواسون بالشوكولاته.

منذ الثورة المصرية ضدَّ الديكتاتور حسني مبارك الذي حكم البلاد لفترة طويلة، باتت علاقة مشجِّعي نادي الأهلي ونادي الزمالك القاهريَّيْن لكرة القدم بقوَّات الأمن والحكومة متوترة. فقد شارك مشجِّعو هذين الفريقين بنشاط في الاحتجاجات ضدَّ النظام في عام 2011. وقُتل الكثيرون منهم أثناء ثورة يناير في اشتباكات عنيفة مع قوَّات الأمن والشرطة.

وبعد ذلك بعام وقعت في ملعب لكرة القدم في مدينة بورسعيد اشتباكات بين مجموعتين من المشجِّعين، قُتل فيها أربعة وسبعون من مشجِّعي النادي الأهلي المصري. وحينها اتَّهم المشجِّعون قوَّات الشرطة بالتعمُّد في إشعال هذه الاشتباكات - انتقامًا من نشاط هؤلاء المشجِّعين المعروفين باسم "ألتراس" ومشاركتهم في ميدان التحرير في القاهرة ضدّ قوَّات الأمن ونظام مبارك.

وفي الأعوام القليلة الماضية كانت كرة القدم في مصر مشحونة دائمًا وإلى حدّ بعيد سياسيًا، وكذلك يعتبر الكثيرون من المشجِّعين من معارضي النظام. وبعد هذا الحادث الدموى الذي وقع يوم الأحد قرَّر الاتِّحاد المصري لكرة القدم في القاهرة إيقاف مباريات الدوري المصري الممتاز لأجل غير مسمى.

 

 

كريم الجوهري

ترجمة: رائد الباش

حقوق النشر: موقع قنطرة 2015 ar.qantara.de