كتالوغ ثوري للتفاهم وقهر الصراع المستمر بين الأجيال
استعرضت وسائل الإعلام الغربية في شباط/فبراير 2011، مجموعة من الكتب التي قالت إنها "ألهمت" الشباب المصري ليخرج للشوارع ثائرا على النظام الحاكم. وربما كان أحد الأعمال المصورة عن الناشط الأمريكي في مجال الحقوق المدنية، مارتن لوتر كينغ جونيور، والتي تعود لعام 1958، حيث زعم البعض أنها كانت ذات تأثير حاسم. في الوقت نفسه ركزت وسائل إعلام أخرى على الترجمات المصورة لأعمال مهندس ثورات اللاعنف، جين شارب والتي رأت أنها قدمت مساعدة تكتيكية للثورة. وبالرغم من أن كلمات شارب ربما كانت حاضرة في ميدان التحرير، إلا أن العديد من الأعمال الأخرى نجحت أيضا في تحريك المتظاهرين.
ولم تتطرق أي من وسائل الإعلام العالمية إلى احتمالية أن تكون أعمال توفيق الحكيم قد لعبت دورا في الثورة. وفي مقدمتها لكتاب "ثورة الشباب"، أشارت المترجمة منى رضوان إلى أن أعضاء من حركة 6 أبريل قالوا في مقابلة تليفزيونية عام 2011 إن كتاب "ثورة الشباب" للحكيم، كان ملهما لهم. وكان أحد أعضاء الحركة يحمل الكتاب معه أثناء المقابلة وتحدث عن الكتاب عدة مرات.
الحكيم والجيل الجديد
مما لا شك فيه أن الأحداث التي وقعت مطلع عام 2011 كان لها تأثير على الحالة المصرية ولاسيما نجاح الثورة التونسية، لكن ماذا كان الحكيم ليقول إن تم سؤاله عما إذا كان كتابه قد لعب دورا في الثورة؟ بناء على مجموعة مقالات الحكيم، فإنه كان على الأرجح سيبعد النظر عن كتاباته ويوجه الأنظار بدلا من ذلك لأعمال أدباء شباب. ويظهر الحكيم في إحدى مقالات كتاب "ثورة الشباب" تحت عنوان "بين جيلين"، كشخص لا يرد على أسئلة محاوره وبدلا من ذلك يترك فرصة الكلام لكاتب شاب.
لكن الحقيقة هي أنه كان هناك جمهور مستهدف لمجموعة مقالات الحكيم الصادرة عام 1984، فهو بالتأكيد ليس الجيل الشاب الذي يحاول الثورة على السياسة وثقافة الفن، فالكتاب موجه في الأصل للأجيال القديمة لحثهم على فهم وتقبل أهداف أبنائهم وأحفادهم. وعلى الرغم من أن هذه المقالات العشرين، كتبت قبل عدة عقود إلا أنها مازالت تقدم نقطة مهمة ومثيرة للاهتمام للثورة غير الناتجة عن الاحتكاك بين الطبقات الاجتماعية ولكن بين الأجيال المختلفة.
ويحتل توفيق الحكيم مكانا مميزا في الأدب المصري فقد كان الأديب المولود أواخر القرن التاسع عشر، مبدعا في مجالات المسرح والقصة القصيرة والرواية والصحافة وعالم الثقافة. ورغم ولعه بالكتابة الأدبية، إلا أن الحكيم كان مهتما أيضا بالسياسة وبمصير وطنه مصر.
وانطلاقا من هذه الاهتمامات المتعددة، كانت أعمال الحكيم رائدة وتستشرف المستقبل بشكل كبير كما كان الحال في رواية "رحلة إلى الغد" في عام 1957 و "تحديات سنة 2000" في عام 1980 وأيضا كتابه "ثورة الشباب" الذي نشر عام 1984، بعد وفاته بسنوات قليلة. وبالرغم من مرور ما يقرب على الثلاثة عقود على وفاة الحكيم، إلا أن شخصيته مازالت بارزة في الأدب المصري. وخلص الباحث الفرنسي ريتشارد جاكموند، بعد جمع لمعلومات عن أكثر الكتب تنزيلا من الإنترنت، إلى أن الحكيم هو رابع أكثر الكتاب المصريين الذين يتم تحميل أعمالهم من الإنترنت، ليأتي في مكانة متقدمة حتى على الأديب العالمي وصاحب جائزة نوبل، نجيب محفوظ.
بين جيلين
ربما لا يشكل كتاب "ثورة الشباب"الذروة الفنية لأعمال الحكيم، لكنه بالرغم من ذلك يقدم طريقة كتابة لا تخشى خوض المعارك وتجاوز الخطوط النمطية وتقدم البيئة الشخصية للكاتب. وتتنوع المقالات في الكتاب بين القصير الذي يتحدث عن الفجوة بين الأجيال، وبين مقالات طويلة تحكي عن محاكمة متخيلة تجسد الفجوة بين الأجيال في الولايات المتحدة.
ومن أكثر الأجزاء الشيقة في الكتاب هي تلك التي يتحدث فيها الحكيم عن علاقته بوالده أو ابنه. فبالرغم من أن الكثيرين يتوقعون من كاتب منفتح مثل الحكيم، أن يحترم اختيارات ابنه المهنية، إلا أنه يصور نفسه كشخص ضيق الأفق ملتزم بنظام معين اضطر لتقدير حب ابنه لموسيقى الجاز. وفي مقاله الذي يحمل عنوان "بين جيلين"، يضع الحكيم بالتوازي علاقته بوالده وبولده الوحيد. ويقر الحكيم الذي تحدث بإسهاب عن والده في كتابه "سجن العمر"، بأنه لم يجرؤ على نطق كلمة "فن" في حضور والده وبأن أصدقاء والده الذين كان يقابلهم كانوا دائما ما يكررون شكوى الوالد الذي يقول بأن هوس الفن خطف منه ابنه.
وعندما عبر نجل الحكيم عن اهتمامه بموسيقى الجاز، فإن الكاتب الأب رفض ذلك راجياً ابنه دراسة الهندسة، بل ووصف موسيقى الجاز بـ"الضوضاء". وبعد تردد شديد وتحفيز من كتاب أصدقاء كيوسف إدريس، وافق الحكيم أخيرا على حضور حفل لابنه حيث وصف نفسه بـ"ريفي يذهب للمولد لأول مرة".
وفي النهاية لم يذهب شعور الحكيم بعدم الارتياح والاستغراب من عالم ابنه الجديد، لكن مع نهاية القصة والتي تبدو ملائمة كنهاية لهذا الكتاب، يؤكد الحكيم أن هذه المناوشات مع الجيل الجديد جعلته يشعر بأن إزالة الحواجز بين الأجيال مسألة غير مستحيلة.
مارسيا لينكس كوالي
ترجمة: ابتسام فوزي