بعد اغتيال كاشف الاغتيالات ....لبنان أسير لدى النظام السوري
كان انفجار سيَّارة مفخخة هزَّت موجة ضغطها السياسي جميع أنحاء لبنان والدول المجاورة. وعندما انفجرت هذه السيَّارة المفخخة في يوم الجمعة ومزَّقت رئيس المخابرات اللبنانية وسام الحسن أشلاءً، اتَّضح بسرعة أنَّ عواقب هذا الاعتداء قادرة على جعل الوضع المتوتِّر أصلاً في المنطقة يخرج تمامًا عن السيطرة. لن تكون هذه هي المرَّة الأولى التي تبقى فيها عملية اغتيال كهذه في لبنان من دون أن يتم الكشف عن مرتكبيها. ولكن هنا لا تكمن المادة المتفجِّرة في الوقائع المحيطة بالهجوم وغير المعروفة حتى الآن، بل في الإدراك. وحتى الآن لم تعلن أية جهة مسؤوليتها عن هذا الهجوم ولا تتوفَّر كذلك أية أدلة على مَنْ يقف وراء هذا الاغتيال، ولكن في الكشف عن الدوافع تشير الكثير من أصابع الاتِّهام إلى النظام السوري.
بدأ رئيس المخابرات اللبنانية وسام الحسن في فصل الصيف تحقيقًا أدَّى إلى اعتقال وزير الإعلام اللبناني السابق الموالي لسوريا ميشال سماحة المتَّهم بتهريب متفجِّرات إلى لبنان بتكليف من النظام في دمشق. ويعتقد الكثيرون أنَّ عملية اغتيال وسام الحسن يمكن أن تكون عملاً انتقاميًا. ولكن هذه مجرَّد تخمينات سطحية. ومن المحتمل أيضًا أنَّ هذا الاعتداء هو رسالة من دمشق مفادها أنَّ "النظام السوري يستطيع في أي وقت إشعال لبنان بين ليلة وضحاها، إذا شعر أنَّ الخناق قد ضاق عليه كثيرًا". وهذا نوع من التحذير مفاده إذا سقط النظام السوري فعندها سيسقط معه لبنان.
الدوافع
وأمَّا الدافع الثالث لبشار الأسد من الممكن أن يكون حركة كلاسيكية تكتيكية. إذ تسود منذ عدة أشهر بين النظام والثوَّار في سوريا حالة أزمة. والنظام في دمشق لم يعد قادرًا على إعادة الوقت إلى الوراء كما أنَّ الثوَّار غير قادرين على إسقاط النظام دمشق المستبد. وهنا من الممكن أن يرى الأسد مخرجًا في التصعيد. وربما يعتقد أنَّه من خلال زيادته التصعيد وهذه المرّة في لبنان، سيجعل الأزمة السورية أكثر إلحاحًا على المستويين الإقليمي والدولي، وسيحل كلّ شيء بسرعة وليس من دون النظام، بل مع النظام. ومثلما ذكرنا فإنَّ هذه محاولة للوصول إلى الجاني من خلال البحث عن الدوافع، إذ لا توجد أية أدلة، تمامًا مثلما لا يستطيع النظام السوري إثبات عدم علاقته بهذا الاغتيال.
من الممكن أن يكون لكلِّ ذلك عواقب وخيمة بالنسبة للبنان بالذات. فكلما ازداد هذا الصراع دموية في سوريا المجاورة، كلما زادت احتمالات وقوع حرب أهلية في لبنان. وذلك لأنَّ الأوضاع السياسية وكذلك الطائفية متشابهة في كلا البلدين. حيث أنَّ النظام السوري وكذلك الحكومة الائتلافية اللبنانية المنتخبة ديمقراطيًا والتي يهيمن عليها حزب الله لديهم هدف واحد، تمامًا مثلما يشترك الثوَّار في سوريا مع المعارضة اللبنانية في الهدف نفسه. وإذا كانت سوريا تشهد منذ عدة أشهر أزمة عسكرية بين الطرفين، فإنَّ لبنان يعاني من حالة شلل منذ عدة أعوام بسبب الأزمة السياسية السائدة بين التيارين. تزيد حالة الاستقطاب هذه في كلا البلدين أيضًا من خلال رعاة إقليميين ودوليين.
وفي حين أنَّ النظام في دمشق وحزب الله في لبنان يحصلان على الدعم من إيران، فإنَّ الثوَّار السوريين والمعارضة اللبنانية يدورون في مدار المملكة العربية السعودية والولايات المتَّحدة الأمريكية السياسي. وهذا التشابك يجعل الأزمة أكثر إلحاحًا، وكذلك يجعل الحلّ أكثر صعوبة ويؤدِّي إلى جعل لبنان أسيرًا لدى النظام السوري. ولكن القوة المضادة الوحيدة المطمئنة تكمن في تجارب قسم كبير من اللبنانيين وذكرياتهم من الحرب الأهلية الدموية التي استمرت خمسة عشر عامًا - هذه التجربة التي لا يريد الكثيرون تكرارها، كما أنَّ الأمل الوحيد حاليًا هو ألا يسمح اللبنانيون هذه المرِّة بجرِّهم إلى الدوامة.
كريم الجوهري
ترجمة: رائد الباش
مراجعة: هشام العدم
حقوق النشر: قنطرة 2012