"اليهود والمسلمون بحاجة للمزيد من اللقاءات"

فهيمة أُلْفَت وآشِر ماتيرن ممن مركز الأبحاث اليهودية الإسلامية بجامعة توبينغِن الألمانية. Foto: privat - Fahima Ulfat, Professorin für Islamische Religionspädagogik und Asher Mattern, Dozent für Jüdische Theologie, Rechtslehre und Hermeneutik haben die Jüdisch-Islamische Forschungsstelle in Tübingen Anfang Juni gegründet
فهيمة أُلْفَت أستاذة جامعية للتربية الدينية الإسلامية، وآشِر ماتيرن محاضر في اللاهوت والتشريع والتأويل اليهودي، قاما معًا في بداية شهر حزيران/يونيو 2023 بتأسيس مركز الأبحاث اليهودية الإسلامية بجامعة توبينغِن الألمانية. صورة من privat

ازداد ابتعاد يهود ومسلمين عديدين بألمانيا عن بعضهم إثر حرب إسرائيل وحماس. باحثة وباحث من مركز ألماني للأبحاث اليهودية الإسلامية يشرحان كيف يساعد التعليم واللقاءات في تغيير الآراء المنحازة. حاورتهما يوديت كوبيتشك.

الكاتب، الكاتبة : Judith Kubitscheck

مركز الأبحاث اليهودية الإسلامية موجود منذ أقل من نصف عام في جامعة توبينغِن. وهدفه هو بناء الجسور بين المسلمين واليهود. ومع ذلك هل ما يزال هذا الهدف ممكنًا بعد هجوم حماس الإرهابي على إسرائيل والحرب التي أعقبته في غزة؟

فهيمة ألفت: أوَّلًا وقبل كلِّ شيء أود التأكيد على أنَّني أشعر بصدمة عميقة من هجمات حماس الإرهابية على إسرائيل. وأتعاطف مع جميع الضحايا وعائلاتهم وأقف بثبات مع جميع الذين يكافحون من أجل السلام والعدالة.

وهجوم حماس الإرهابي لم يتسبَّب في معاناة إنسانية داخل إسرائيل وغزة وحدهما ولا يؤثِّر على المنطقة وحدها بل إنَّ له آثارًا عالمية أيضًا. وهذا الوضع الحالي يبيِّن أنَّ مركزنا للأبحاث اليهودية الإسلامية قد أصبح -بعمله وأهدافه- ضروريًا أكثر من ذي قبل.

آشر ماتيرن: مع ذلك فإنَّ السؤال الذي يطرح نفسه هو كيف يمكن على الإطلاق بناء جسور بعد رعب هجمات حماس والهجمات الإسرائيلية على غزة والتي أوقعت آلاف القتلى. ونتيجة هذه الأحداث هي - مع بعض الاستثناءات وخاصةً في الأوساط الأكاديمية- أنَّ اليهود وكذلك المسلمين يواصلون انعزالهم أكثر في معاناتهم الخاصة ولم تعد معاناة المجموعة الأخرى تؤثِّر بهم على الإطلاق.

توجد أوساط هنا لم تعد تظهر إلَّا في وسائل الإعلام الخاصة بها وفي خطابات تدور حول نفسها وتؤدِّي في أشكالها المتطرِّفة حتى إلى تجريد المجموعة الأخرى من إنسانيَّتها.

شموع للتعبير عن التضامن أمام مبنى فيه جمعية يهودية وكنيس يهودي في وسط برلين – ألمانيا. Zeichen der Solidarität nach dem versuchten Brandanschlag Mitte Oktober auf die Synagoge in der Brunnenstraße in Berlin-Mitte Foto: Sascha Meyer/dpa/picture alliance
"العالَم اليهودي بشكل عام مضطرب بشدة ويشعر في الحقيقة بأنَّه مُهدَّد للغاية"، كما يقول آشِر ماتيرن من مركز الأبحاث اليهودية الإسلامية في مدينة توبينغِن الألمانية. في الصورة: شموع للتعبير عن التضامن أمام مبنى فيه جمعية يهودية وكنيس يهودي ويقع في شارع برونِنشتراسه في وسط برلين وتعرَّض في منتصف تشرين الأوَّل/أكتوبر 2023 لمحاولة إحراقه بزجاجات حارقة. صورة من: Sascha Meyer/dpa/picture alliance

"العالَم اليهودي يشعر بأنَّه مُهدَّد للغاية"

السيِّد آشر ماتيرن، أود سؤالك كيف أصبحت تشعر أنت وأصدقاؤك ومعارفك اليهود منذ السابع من تشرين الأوَّل/أكتوبر 2023؟ وكيف يبدو المزاج العام داخل المجتمع اليهودي؟

آشر ماتيرن: العالم اليهودي بشكل عام مضطرب بشدة ويشعر في الحقيقة بأنَّه مُهدَّد للغاية. فمن ناحية لا أحد كان يتوقَّع أنَّ هجومًا مثل الهجوم الذي شنَّته حماس كان ممكنًا. وحاليًا بات الافتراض بأنَّ دولة إسرائيل قادرة على حماية مواطنيها افتراضًا هشًا ومشكوكًا فيه للغاية - تمامًا مثل الشعور بالأمان الذي يمنحه وجود مثل هذه الدولة لجميع أتباع الديانة اليهودية.

ولهذا السبب فإنَّ رد الفعل الإسرائيلي العسكري العنيف لا يُفسَّر فقط بحاجة إسرائيل على وجه التحديد إلى تفكيك البنية التحتية لحماس بل يُفسَّر أيضًا بحاجتها إلى استعادة صورة قدرتها الدفاعية التي يمكن من خلالها لدولة إسرائيل أن تجسِّد بمصداقية تعُّهدَها بأنَّ هذا "لن يحدث مرة أخرى": أي أنَّ اليهود لن يسمحوا مرة أخرى بأن يتم ذبحهم.

وهذا التعهُّد بأنَّ هذا "لن يحدث مرة أخرى" اهتز بشدة من خلال مذبحة حماس التي كانت مجزرة حقيقية وبمعنى الكلمة لمواطنين -من أطفال رُضَّع وحتى شيوخ ومسنين- تمت مباغتتهم أثناء نومهم أو بينما كانوا يرقصون.

ومن هذا المنظور ينظر اليهود أيضًا إلى الأحداث في ألمانيا - مثل الاحتفال في منطقة نويكولن البرلينية بجرائم القتل في السابع من تشرين الأوَّل/أكتوبر 2023 وكذلك الهجوم على مركز طائفتي KAJ في برلين. يجب علينا أَلَّا ننسى أبدًا أنَّ هذه الهجمات تؤثِّر على مجموعة اجتماعية عانت من صدمة دائمة. أنا ألاحظ شعورًا عميقًا بعدم الأمان نظرًا إلى ما يمكن أن يحدث في المستقبل.

يجب توفير مساحات آمنة لنقاش مفتوح

السيِّدة فهيمة ألفت، ما هي تأثيرات هذه الأحداث على الشباب المسلم في ألمانيا؟ بنظرك ما الذي يمكن فعله من أجل عدم فقدان السيطرة على الصراع في ألمانيا أيضًا؟

فهيمة ألفت: خوفي الأكبر هو في الواقع التطرُّف المحتمل لدى الشباب. فوسائل التواصل الاجتماعي وخوارزمياتها يمكن أن تساهم في انجرار الشباب إلى شبكة من نظرَّيات المؤامرة وخطاب الكراهية الذي يمكن أن يؤدِّي إلى تفاقم الوضع أكثر.

وهنا من المهم من وجهة نظر تربوية أَلَّا تذهب الجهود التعليمية أدراج الرياح، وذلك من خلال منحنا الشباب شعورًا بأنَّهم لا يُسمح لهم بالتعبير عن آرائهم حول الأزمة الحالية. بل يجب علينا بدلًا من ذلك توفير مساحات آمنة يمكنهم فيها النقاش حول هذه القضية.

أنا تناقشتُ أيضًا مع طلابي حول الوضع الحالي. وتحدَّثنا بصراحة حول اضطرابهم الداخلي ويأسهم وكانوا قادرين على تمييز وجهات نظرهم من خلال المعلومات والسياقات المختلفة. وقد تلقَّيت تعليقات واضحة حول مدى أهمية هذه المساحات الآمنة للنقاش.

 

السيِّد آشر ماتيرن: المظاهرات المؤيِّدة للفلسطينيين يتم منعها بشكل متكرِّر في ألمانيا. برأيك هل يعتبر هذا تقييدًا لحرِّية التعبير عن الرأي والحقِّ في التظاهر أم أنَّه أمر مقبول؟

آشر ماتيرن: هذه المسألة تبدو من النظرة الأولى بسيطة لأنَّ الدولة الدستورية الليبرالية يجب أن يكون فيها بطبيعة الحال حقّ في حرِّية التعبير عن الرأي وتحديدًا في شكل مظاهرات تُعبِّر عن التضامن مع الشعب الفلسطيني أيضًا.

ولكن من ناحية أخرى فإنَّ أي شكل من أشكال العنف أو حتى الدعوة إلى العنف أمر ممنوع ويجب إيقافه أيضًا. غير أنَّ هذا من الناحية العملية أمر أكثر تعقيدًا بكثير لأنَّ أية مظاهرة يُقصد بها أن تكون سلمية يمكن أن يتسلل إليها مشاركون لديهم توجُّهات مختلفة.

متظاهرون يحملون العلم الفلسطيني في مظاهرة بمدينة دويسبورغ الألمانية. Erlaubt: palästinensische Fahne auf einer Kundgebung in Duisburg Foto: Christoph Reichwein/dpa/picture alliance
تقول فهيمة أُلْفَتْ من مركز الأبحاث اليهودية الإسلامية في توبينغِن: "يجب علينا توفير مساحات آمنة يستطيع فيها الشباب الفلسطينيون النقاش حول هذه القضية". في الصورة: متظاهرون يحملون العلم الفلسطيني في مظاهرة بمدينة دويسبورغ الألمانية. صورة من: Christoph Reichwein/dpa/picture alliance

المظاهرات مُتنفَّس للتعبير عن الغضب والخوف

وهنا يجب أن يؤخذ في الاعتبار أيضًا -بالإضافة إلى التهديد المحدَّد- شعورُ المواطنين اليهود بعدم الأمان والذي يتفاقم ويزداد بسبب السياق التاريخي.

ولكن مع ذلك فإنَّ ما أره في هذه اللحظة هو أنَّ التضامن الضروري مع الشعب اليهودي على خلفية التاريخ الألماني يمكن أن يؤدِّي إلى وضع التصريحات المؤيِّدة للفلسطينيين تحت اشتباه عام.

ومن الطبيعي أن يتم النظر من وجهة نظر إسلامية إلى عمليات الحظر الحالية ضمن سياق الخطاب المناهض بشدة للإسلام والمهاجرين في ألمانيا. فكيف يمكن يا ترى للمواطنين من أصل فلسطيني أن يُعبِّروا عن خوفهم على أصدقائهم وعائلاتهم الذين يتم قصفهم حاليًا في غزة؟ وهنا أيضًا يمكن للمظاهرات -طالما ظلت خالية من العنف- أن تكون وسيلة مهمة للتعبير بشكل موجَّه عن الغضب من الاحتلال وسقوط آلاف القتلى في الوقت الراهن ويمكنها بالتالي "التنفيس عن الغضب".

فعلى المدى الطويل سيكون الوضع خطيرًا عندما يصبح لدى الأعضاء المسلمين في مجتمعنا الألماني المُتَعدِّد الثقافات انطباعٌ بأنَّ معاناتهم أقل أهمية من معاناة اليهود وأنَّ التصريحات الداعية إلى تحرير الشعب الفلسطيني وإنهاء الاحتلال مشتبه بها بشكل عام.

ومن الممكن أن يؤدِّي هذا في الواقع إلى التطرِّف ونتيجة لذلك إلى زيادة الهجمات على المواطنين اليهود بدلًا من الخروج في مظاهرات قانونية.

الحقائق التاريخية لا تلعب دورًا يذكر

لم يعد منذ السابع من تشرين الأوَّل/أكتوبر 2023 أيُ شيء كما كان: برأيكما كمركز أبحاث أين تكمن الآن مهمتكما الأكثر إلحاحًا؟

شر ماتيرن: التحدِّي الأكثر إلحاحًا يكمن في تفكيك الاستقطاب وتكوين الجبهات بين المجموعتين: كلا طرفي الصراع الإقليمي في الشرق الأوسط يستخدمان مراجعَ دينية وسرديات إيديولوجية لإضفاء الشرعية من خلالها على آرائهما. وهذه المراجع الدينية والسرديات الإيديولوجية تُحدِّد دائمًا الخطابات الإسلامية واليهودية في ألمانيا. أمَّا الحقائق التاريخية فلا تلعب أي دور يذكر في تكوين الآراء لدى كلا الطرفين. ومهمتنا الأولى كمركز أبحاث هي اختراق هذا الواقع.

وكثيرًا ما أقوم أنا برفقة إمام مسلم ضمن سياق مشروع "لقاء للاحترام" meet2respect بزيارات إلى فصول دراسية في برلين، طلَّابُها المسلمون غالبًا ما يثيرون الانتباه من خلال تصريحاتهم المعادية للسامية. وكثيرًا ما أُلاحظ في تلك الفصول الدراسية أنَّ رفضهم لي يختفي على الفور عندما يشاهدونني بصفتي مجرَّد إنسان - شخص.

وعندما أُخبرهم بعد ذلك عن المعاناة التي تكبَّدناها نحن اليهود على مرِّ التاريخ وكذلك أيضًا -على سبيل المثال- في سياق هجمات يقوم بها مسلمون، ولكن عندما يعرفون أيضًا أنَّني أفهم معاناتهم التي عاشوها ويمكنني التفكير بشكل نقدي في السياسات الإسرائيلية - عندئذٍ لا أعود فجأة ذلك العدو اليهودي بل الإنسان آشِر ماتيرن.

ولكن وجهات النظر هذه تكون أكثر ثباتًا ورسوخًا لدى الطلاب البالغين وتتطلب عملًا مكثَّفًا أكثر بكثير من أجل تغيير انحياز وجهات النظر. وبهذا المعنى فإنَّ التحدِّي الحقيقي الذي يواجهنا على المدى الطويل يكمن في استخدام عملنا الأكاديمي من أجل التأثير في المجتمع.

Here you can access external content. Click to view.

"لا يوجد طرف جيِّد بشكل تام"

فهيمة ألفت: نحن نريد أن نعمل بمسؤولية تربوية في هذا العالم المُستقطَب والمنقسِم بشدة بسبب هذا الصراع. ورسالتي التربوية تُركِّز على كيفية التعامل مع مواقف لا يوجد فيها طرف "جيِّد" بشكل تام، وفيها معضِّلات أخلاقية غالبًا ما تجعل الحكم النهائي مستحيلًا.

يتصوَّر الكثير من المتديِّنين أنَّهم يستطيعون دائمًا البقاء "أنقياء" أخلاقيًا من خلال تطبيقهم وصايا دينهم "بالشكل الصحيح" وهذا التصوُّر ساذج. كما أنَّ النظر إلى "عدم طهارة" العالم التي لا يمكن إنهاؤها يُعتبر جزءًا من موقف ديني ناضج.

والمبادرات مثل مشروع "لقاء للاحترام" Meet2Respect تُشكِّل خطوات حاسمة في الاتجاه الصحيح. ولكن من الواضح أنَّنا لا نزال بحاجة إلى المزيد من الموارد من أجل الاستمرار في تطوير مثل هذه الحملات التثقيفية واللقاءات وتأسيسها بشكل مستدام.

 

 

حاورتهما: يوديت كوبيتشك

ترجمة: رائد الباش

حقوق النشر: وكالة الأنباء الإنجيلية / موقع قنطرة 2023

Qantara.de/ar

 

فهيمة أُلْفَت أستاذة جامعية للتربية الدينية الإسلامية، وآشر ماتيرن محاضر في اللاهوت والتشريع والتأويل اليهودي، قاما معًا في بداية شهر حزيران/يونيو 2023 بتأسيس مركز الأبحاث اليهودية الإسلامية بجامعة توبينغِن الألمانية.