هل فشل إردوغان ونجح السيسي في ردع مشجعي كرة القدم؟
سنوات من المواجهة في ملاعب كرة القدم انتقلت إلى الشوارع عام 2011، عندما أطاحت مسيرات شعبية مصيرية مناوئة للحكومة بالرئيس المصري آنذاك حسني مبارك. وفي عام 2013 هزت تركيا أيضاً مظاهرات، ولكنها هذه المرة لم تقم سوى بتعزيز الغريزة السلطوية للرئيس التركي الحالي رجب طيب إردوغان.
في مصر، قام الجنرال – الذي أصبح رئيساً – عبد الفتاح السيسي بتدشين مكتب جديد لوزارة الداخلية في مقر أكاديمية الشرطة بالقاهرة الجديدة، شرق العاصمة المصرية، كجزء من جهود نقل الوزارة بعيداً عن وسط القاهرة، حيث كان المبنى لفترة طويلة هدفاً للاحتجاجات. وكانت أكاديمية الشرطة قد انضمت إلى مكتب المدعي العام وأمن الدولة وعدة مؤسسات عدلية في جهد يهدف إلى حرمان المحتجين من رموز للتظاهر أمامها إذا ما تصاعدت حدة الاحتجاجات.
ويقول اللواء أحمد البدري، الرئيس السابق لأكاديمية الشرطة، لموقع المونيتور الإلكتروني: "الوضع الأمني مرتبط باستهداف هذه المؤسسات من قبل عدد من المحتجين المتمركزين في وسط القاهرة. إنهم يسعون لنشر الفوضى في أرجاء البلاد".
وتابع البدري بالقول: "خاصة بعد أن أصبحت المظاهرات للأسف فوضوية للغاية. كما أنهم يحاولون كسر هالة السلطة المحيطة بمؤسسات الدولة عن طريق فرض حصار عليها وتغطية جدرانها بالرسومات (الغرافيتي) المحتوية على صور مسيئة ولغة مهينة للعاملين في تلك المؤسسات. التحديات الأمنية التي تواجهها البلاد دفعت الوزارة إلى تسريع خطط البناء".
قوة يعتدّ بها
اعتراف اللواء البدري بقوة مشجعي الكرة في الشارع تبعت مسعى غير مسبوق في فبراير/ شباط 2016 من قبل السيسي، الذي يترأس أكثر الحكومات قمعية في تاريخ مصر المعاصر، لمد يده إلى خصومه.
فقد اتصل الرئيس هاتفياً بأحد البرامج التلفزيونية في الذكرى الرابعة لأحداث استاد بورسعيد، التي راح ضحيتها 72 شخصاً ينتمون إلى ما يسمى بـ"ألتراس" نادي الأهلي، وذلك كي يدعو هؤلاء المشجعين إلى تشكيل لجنة من عشرة أفراد يختارونهم من بينهم للتحقيق في تلك الأحداث.
لقد كانت هذه المرة الأولى التي يمد فيها السيسي يده إلى خصومه، الذي إما قُتل منهم كثيرون على يد قوات الأمن التابعة لوزارة الداخلية أو اضطروا إلى الاختباء أو مغادرة البلاد أو ما يزالون في السجون والمعتقلات، حيث يواجهون خطر التعذيب والإساءة.
"ألتراس أهلاوي" -وهي مجموعة من المشجعين ذوي الحماسة الزائدة لعبت دوراً محورياً في الإطاحة بمبارك عام 2011 والكثير من الاحتجاجات المناوئة للحكومة منذ ذلك الوقت- رفضت دعوة السيسي وعللت ذلك بأنها لا يمكن أن تكون المدعي والقاضي في نفس الوقت، إلا أنها أبقت على خيار الحوار مفتوحاً.
الساسة يستخدمون الأبواب الجانبية
رغم أن ملاعب كرة القدم كانت مغلقة أمام الجمهور في معظم الوقت خلال السنوات الخمس الماضية، وأن لفتة السيسي المبدئية فشلت في استمالة المشجعين، إلا أن جهوده ناقضت تماماً رفض أردوغان المتكبر للقيام حتى بأبسط لفتات التواصل الاجتماعي مع حركة مجتمعية ذات تأثير كبير في الشارع وقد أظهرت قدرتها على استغلال هذا التأثير.
الطرق المتناقضة لكل من السيدين السيسي وإردوغان، واللذين على نزاع بسبب الانقلاب الذي نفذه الجيش في مصر عام 2013 وأطاح بمحمد مرسي، الرئيس الأول والوحيد للبلاد المنتخب بشكل ديمقراطي، والقمع الوحشي ضد جماعة الإخوان المسلمين، تبعت محاولات فاشلة في كلا البلدين للجوء إلى المحاكم من أجل منع مجموعات مشجعي الكرة ذوي الحماسة الزائدة وتصنيفها كتنظيمات إرهابية.
ففيما حاول السيسي إبقاء ملاعب الكرة مغلقة أمام الجمهور، في مسعى منه للسيطرة على المساحة العامة ومنع الملاعب الرياضية من التحول إلى أحد أهم أماكن التظاهر، فقد سعى إردوغان، الذي كان في السابق لاعب كرة قدم شبه محترف، إلى السيطرة الكاملة عن طريق منع رفع الشعارات والهتافات السياسية خلال المباريات، وهو ما كان ناجحاً بشكل محدود، بالإضافة إلى إطلاق نظام إلكتروني يُنظر إليه على أنه يهدف إلى التعرف على المشجعين ذوي الآراء السياسية المعارضة. هذا النظام أدى إلى مقاطعة واسعة النطاق وتراجعاً كبيراً في أعداد رواد الملاعب. كما حاول إردوغان أيضاً مواجهة المشجعين عن طريق إنشاء أندية مشجعين مؤيدة للحكومة.
فشل إردوغان في ردع المشجعين يتناقض مع نجاحه في تكميم أفواه الصحافة في تركيا وتقييد حرية الأكاديميين وحرية التعبير.
"رشونا بالغاز المسيل للدموع"
محاولة إردوغان الشهر تعبئة حفل افتتاح استاد "فودافون أرينا" لنادي بشيكطاش العريق -والذي تم ترميمه- برموز سياسية مؤيدة للحكومة كان يهدف إلى مداعبة أحاسيس الكبرياء لدى الرئيس المصاب بجنون العظمة. لكن المشجعين قاطعوا هذا الحفل واشتبكوا مع الشرطة بعد أن مُنعوا من حضور مراسم الافتتاح.
افتتاح استاد بشيكطاش يشبه إغلاق الاستاد عام 2013، عندما كان يطلق عليه استاد إينونو. ورغم أن سبب إغلاقه الرسمي هو أعمال الترميم، إلا أن الحدث كان سياسياً بالدرجة الأولى، ذلك أن تشارشي –وهو اسم شبكة مشجعي نادي بشيكطاش المعارضة للحكم السلطوي– لعبت دوراً محورياً في المظاهرات المناوئة للحكومة في متنزه غيزي في نفس العام.
لكن خلال العام الحالي، استخدمت الشرطة الغاز المسيل للدموع ومَدافع المياه لتفريق آلاف المشجعين لنادي بشيكطاش، الذين تجمعوا لمشاهدة أول مباراة لفريقهم في الاستاد الجديد. المشجعون الذين نجحوا في الوصول إلى الاستاد تحدوا المنع المفروض على ترديد الهتافات السياسية من خلال إعادة إحياء الهتافات التي كانت تطلق في متنزه غيزي، مثل "هيا، رشونا بالغاز المسيل للدموع" و"نحن جنود مصطفى كمال"، في إشارة إلى مصطفى كمال أتاتورك، الذي أقام تركيا المعاصرة من على أنقاض الإمبراطورية العثمانية ويعتبر مؤسس العلمانية التركية المتطرفة.
معارك في الملاعب وخارجها
جهود أردوغان للتلاعب بكرة القدم من أجل خدمة مصالحه ساعدتها المشاعر القومية التي ألهبها إلغاء سلسلة من الأحداث الرياضية الدولية والمحلية في أعقاب موجة من الهجمات لانفصاليين أكراد وجهاديين على مدن تركية كبرى.
هذه الهجمات أقنعت الاتحاد الأوروبي لتنس الطاولة بنقل مباريات التأهل الأوروبية للألعاب الأولمبية للأفراد خارج تركيا، إضافة إلى تأجيل عدد من المباريات والبطولات التركية الهامة لكرة القدم. كما دفعت هذه الهجمات الألماني لوكاس بودولسكي، نجم نادي غلطة سراي التركي ومهاجمه، للإعلان عن مغادرته تركيا.
إردوغان، الذي يؤمن بنظريات المؤامرة التي تحيك فيها قوى الظلام، بما فيها الصهاينة وألمانيا وبريطانيا، وبإشراف الولايات المتحدة، مؤامرات باستمرار ضد تركيا، أوحى نتيجة لذلك إلى وسائل الإعلام المؤيدة للحكومة بتوسيع هذه النظرية لتشمل كرة القدم أيضاً.
لذلك، كان العنوان الرئيسي لصحيفة "فوتوماك" في فبراير/ شباط "فوضى على كرة القدم: عصابة الخيانة تريد زعزعة استقرار تركيا"، بعد يوم من سرقة أحد المتظاهرين بطاقة حمراء من حكم في مدينة طرابزون الواقعة على البحر الأسود، وذلك للاحتجاج على ما اعتبره قرارات متحيزة للحكم.
وكتبت الصحيفة، في إشارة إلى نادي طرابزونسبور، أكبر أندية المدينة: "بحسب أحد الاتهامات، فإن هناك عصابة سرية تعمل وراء كواليس الكرة التركية. وقيل إن هذه العصابة ضغطت زر نشر الفوضى في البلاد من خلال سحب الجماهير إلى الشارع باستخدام كرة القدم. كما عُلم أن هذه العصابة السرية، التي فشلت في جرّ تركيا إلى الفوضى أثناء احتجاجات متنزه غيزي، اختارت نادي طرابزونسبور كهدف وهي تعمل على استفزاز جماهير الفريق عن طريق استغلال أخطاء الحكم".
وبالرغم من الاختلافات الكبيرة بين المناخين السياسيين في مصر وتركيا، إلا أن المشجعين في كلا البلدين يرفضون تخويفهم ويستغلون كل فرصة لإسماع مطالبهم، خاصة تلك المتعلقة بالوصول إلى الملاعب والسيطرة عليها.
لقد مهّد المشجعون في مصر الطريق أمام احتجاجات متقطعة ولكنها متنامية ضد الحكومة، عندما شقوا طريقهم بالقوة إلى الاستاد من أجل الاحتجاج على منعهم من حضور مباريات كرة القدم.
"عيش، حرية، الجزر مصرية"
على أرض استاد برج العرب في مدينة الإسكندرية الساحلية، اقتحم مشجعو "ألتراس أهلاوي" أرض الملعب خلال مباراة لبطولة كأس الأمم الأفريقية، وهي أول حادثة هامة مرتبطة بكرة القدم منذ مقتل 20 شخصاً في القاهرة العام الماضي أثناء مواجهات مع قوات الأمن. الشرطة أطلقت الغاز المسيل للدموع خلال حادثة الإسكندرية، ما أدى إلى إصابة 29 شخصاً.
هذه الحادثة أتت في خضم انتقادات متزايدة للسيسي واحتجاجات على تنازله عن جزيرتين في البحر الأحمر للسعودية، وذلك أثناء زيارة للعاهل السعودي الملك سلمان إلى القاهرة. ورغم أن المحتجين كانوا أقل بكثير من أولئك الذين أطاحوا بمبارك، إلا أنهم غيروا شعارات ثورة 2011 "عيش حرية عدالة اجتماعية" إلى "عيش حرية الجزر مصرية".
هذه الحادثة والاحتجاجات المتزايدة في الأحياء على قمع أجهزة الأمن أقنعت السيسي بالإبقاء على ملاعب الكرة في البلاد مغلقة أمام الجمهور، بسبب الخوف من أنها قد تصبح نقاط تجمع للمعارضين.
الإغلاق المستمر للملاعب، مثل محاولات إردوغان الفاشلة في ممارسة سيطرة سياسية على كرة القدم ومساحاتها العامة، قد يفضي إلى المزيد من المواجهات، ذلك أنه يحفز المشجعين على لعب دورهم في الاحتجاجات الأوسع ضد الحكومة ولصالح قضايا يتعاطفون معها.
أحد أعضاء مجموعة بشيكطاش تشارشي كتب على موقع "تويتر" تغريدة قال فيها: "بعدما بدأت رائحة الغاز المسيل للدموع بالوصول إلى داخل الاستاد هتف المشجعون الشعار الأسطوري: انزعوا خوذكم وألقوا عصيكم"، وذلك بعد مواجهات مع الشرطة على هامش حفل افتتاح الاستاد الجديد. هذا الشعار كان دعوة ساخرة من المشجعين للشرطة كي تواجهها بشكل متكافئ.
هذا تحدٍّ لن تواجهه قوات الأمن في تركيا ومصر. لكن القوة المفرطة والوحشية أثبتت عدم فعاليتها في خدمة جهود الحكومة لقمع المشجعين ورفضهم لتسليم السيطرة على هذه المساحة العامة.
جيمس دورسي
ترجمة: ياسر أبو معيلق
حقوق النشر: إم بي سي جورنال / موقع قنطرة