حاتم بن عرفة- الفتى المشاغب في منتخب الديوك
غالبا ما ينطلق مسرعا كالصاروخ في مركز الجناح الأيسر أو خلف رأس الحربة، ليرهق المدافعين بمراوغاته ويدك حصون الخصوم بسلسلة من التمريرات العرضية، أو يدخل منطقة الجزاء ويبحث عن تسديدة مباشرة على المرمى. وبغض النظر عن النادي الذي يلعب له والمركز الذي يشغله: حاتم بن عرفة يتصدر دائما عناوين الصحف. منذ كان في الخامسة عشرة من عمره التزم مع فريق الشباب في نادي أولمبيك ليون. وبعدها بثلاث سنوات وقع هناك أول عقد احترافي له. لقد كان وقتا ناجحا للغاية بالنسبة للرجل ذي الجذور التونسية: فلقد توج من أولمبيك ليون ببطولة الدوري الفرنسي لأربع مرات متتالية، وفاز مرة واحدة بالكأس، وكثيرا ما لعب في دوري أبطال أوروبا.
ولكنه أراد خوض تجربة جديدة، وهكذا انتقل في عام 2008 إلى أولمبيك مرسيليا، مقابل 15 مليون يورو. وبدا أن هذا التغيير كان مثمرا. لأن الفريق أحرز في موسم 2009/2010 ثنائية الدوري والكأس. ولكن حاتم بن عرفة هو من النوع الذي يصعب التعامل معه قليلا، وهذا ما أظهره خلال فترة وجوده مع مرسيليا. فلقد عاد من إجازته الصيفية مع زيادة أربعة كيلوغرامات في وزنه، فتم استبعاده من المعسكر التدريبي للفريق. ولم يكن ذلك كل شيء، إذ أن بن عرفة قام بعدة تصرفات مستغربة، منها دخوله في شجار مع زميله في الفريق جبريل سيسي، كما كانت لديه مشكلة مع المدرب إيريك غيريتس، لأنه رفض أن يقوم بعمليات الإحماء، عندما كان لاعبا احتياطيا. وحتى مع المدرب اللاحق، ديدييه ديشان، حصلت عدة خلافات أثناء التدريب. أراد حاتم بن عرفة ترك النادي، وقال إنه لن يتدرب أو يلعب مرة أخرى لصالح مرسيليا. أراد أن ينتقل، ولكن النادي طلب مقابلا كبيرا نظير انتقاله. "انتهى كل شيء. أنا لدي كبريائي وكرامتي. وأنا لست مجرد بديل مؤقت. والزمن سوف يظهر بأني على حق. نحن نحصل على المال، ولكن هذا لا يعني أننا عبيد"، هذا ماصرح به بن عرفة في إحدى المرات.
المأساة الأكبر في حياته
ومن أجل إغلاق هذا الفصل المخزي لكلا الطرفين، تمت إعارته في أغسطس/ آب 2010 إلى نادي نيوكاسل يونايتد، الذي يلعب في الدوري الإنجليزي الممتاز. ولكن، وفي مباراته الرابعة في الدوري وبالتحديد في شهر أكتوبر/ تشرين الأول 2010، حدثت أكبر مأساة تعرض لها حتى الآن في حياته المهنية: فبعد بضع دقائق فقط من بدء مباراتهم ضد مانشستر سيتي تعرض لعرقلة وحشية ارتكبها ضده الدولي الهولندي نايجل دي يونج – وحشية العرقلة كانت كبيرة جدا لدرجة أن كلا عظمي الساق (الشظية والظنبوب) انكسرا. واضطر المسعفون أن يضعوا له على الفور قناع أوكسجين، قبل أن ينقلوه على النقالة إلى خارج الملعب. حيث كانت بانتظاره فترة طويلة من المعاناة.
وفي ذلك الوقت تحديدا كان آخر شيء يحتاجه حاتم بن عرفة، هو أن يتصدر عناوين الصحف مرة أخرى، ولكن هذه المرة بشكل سلبي جدا: فبالإشتراك مع زملائه في المنتخب الوطني الفرنسي، فرانك ريبيري وسيدني غوفو وكريم بنزيمة، اتهم أنه كان على اتصال ببائعة هوى قاصر في ملهى ليلي في باريس. توقفت ملاحقة اللاعبين، ولكن الحادثة تركت أصداء سلبية استمرت فيما بعد. وخلال بطولة الأمم الأوروبية غير الناحجة بالنسبة للفرنسيين تم استبدال حاتم بن عرفة في المباراة الثالثة من دور المجموعات، تلك المباراة التي عرفت فيها فرنسا مرارة الهزيمة أمام السويد بنتيجة هدفين مقابل لاشيء. اخراج بن عرفة جاء في الدقيقة 56. فأبدى تذمره من ذلك على مقاعد البدلاء وأعطى للمدرب لوران بلان فرصة استبعاده نهائيا من تشكيلة المنتخب. وقال للصحافيين الفرنسيين المتجمعين بأن لاعبين آخرين في المنتخب كان أداؤهم أسوأ من أدائه.
على الرغم من كل الخلافات حول شخصه، ورغم الإصابة طويلة الأمد، فقد آمن ناديه بقدراته ووقع معه في يناير/ كانون الثاني 2011 عقدا بقيمة ستة ملايين يورو. ولمدة عام تقريبا بقي حاتم بن عرفة بعيدا عن ناديه نيوكاسل. فهو لم يستطع العودة للتدريب مع الفريق إلا في سبتمبر/ أيلول 2011، وفي أكتوبر/ تشرين الأول عاد ليشارك مجددا في مباريات الدوري.
عودة غاضبة
ولكن الثقة وفترة الانتظار الطويلة لم تذهب سدى بالنسبة لناديه. لأنه منذ ذلك الحين صار يلعب بشكل أفضل من أي وقت مضى. صار مليئا بالحيوية ونشطا جدا، وصار يتصرف بشكل مفيد للفريق وأصبح خطرا على مرمى الخصم. وتوج مستواه المتصاعد هذا في المباراة ضد بلاكبيرن روفرز، في يناير/ كانون الثاني 2012، التي جمعت الفريقين في كأس الاتحاد الإنجليزي. ولأنه في تلك المباراة تمكن من إحراز هدف بمجهود فردي خارق، ذكّرنا بذلك الهدف الذي أحرزه مارادونا ضد انكلترا في نهائيات كأس العالم 1986: حاتم بن عرفة تلقى الكرة قبل منتصف الملعب، وراوغ ستة من منافسيه وفي النهاية ومن مسافة قصيرة زرع الكرة في سقف المرمى بأسلوب جميل.
وبهذا عاد ليظهر مرة أخرى تلك الموهبة التي جعلت الكثيرين يتنبأون له في وقت سابق بمسيرة كبيرة. ففي عام 2004 كان بن عرفة قد أحرز مع منتخب فرنسا، تحت 17 سنة، لقب البطولة الأوروبية، إلى جانب نجوم آخرين من بينهم سمير نصري وكريم بنزيمة. وفي أكتوبر 2007 كانت مشاركته الأولى مع المنتخب الأول. ولكن لم يتم ضمه للتشكيلة الفرنسية التي شاركت في بطولة الأمم الأوروبية 2008، ولا حتى للتشكيلة التي لعبت في كأس العالم 2010. المدرب السابق ريمون دومينيك لم يعول على خدماته. أما المدرب الحالي للمنتخب الفرنسي لوران بلان فيرى الأمور بشكل مختلف: "إنه يمتلك، بدون شك، موهبة كبيرة. لا يمكن لأحد أن ينكر ذلك. لقد طور نفسه ويبدو الآن أكثر نضجا"، هذا ما صرح به لوران بلان قبل فترة وجيزة.
صافرات استهجان من مواطنيه
في المباراة الأولى من بطولة الأمم الأوروبية 2012، والتي جمعت منتخب الديوك مع نظيره الانجليزي والتي انتهت بالتعادل بهدف لمثله، لم يدخل حاتم بن عرفة إلا في الدقيقة 84 من عمر المباراة. وفي المباراة الثانية لم يشارك قط، حين فازت فيها فرنسا على أوكرانيا المضيفة بهدفين نظيفين. وحتى الآن لم يشارك مع المنتخب الفرنسي سوى في 12 مباراة، أحرز خلالها هدفين فقط. ولو أنه اختار اللعب للمنتخب التونسي، بلد أبيه، فإن عدد المباريات الدولية ربما كان سيكون أكثر من ذلك بكثير.
ولكنه حذا حذو الكثيرين من زملائه وفضل اللعب لذلك البلد الذي يمكن أن يشارك معه في كبرى البطولات مثل كأس العالم وكأس أمم أوروبا وهذا ينطبق على فرنسا. ولكن قراره لم يحظ برضا الجميع، وهذا ما رأيناه في أكتوبر/ تشرين الأول 2008، في المباراة الودية التي لعبتها فرنسا ضد تونس في باريس، حيث تعرض حاتم بن عرفة لسيل من صافرات الاستهجان مع كل لمسة للكرة.
أندريه توشيتش
ترجمة: فلاح آل ياس
مراجعة: هشام العدم
حقوق النشر: قنطرة 2012