نتنياهو في مأزق دبلوماسي
عادةً ما تكون أيَّام عيد الفصح اليهودي السبعة أيَّامًا هادئة في الحياة السياسية الإسرائيلية - تمامًا مثلما هي الحال مع أيَّام عيد الفصح في السياسة الألمانية. غير أنَّ أيَّام عيد الفصح لم تسِر في هذا العام على هذا النحو في إسرائيل. إذ إنَّ رئيس الوزراء الإسرائيلي لم يرتَح أيضًا أثناء أيَّام العطلة. فهو يشعر بقلق عميق على أمن بلاده، وذلك بسبب خشيته من أنَّ الصفقة النووية التي تبلورت مع إيران تهدِّد - بحسب تعبيره - وجود إسرائيل بشكل مباشر تمامًا.
ولذلك فهو يبذل قصارى جهده من أجل إفشال هذا الاتِّفاق الإطاري. ويحاول "قتل" هذه الاتِّفاقية السيئة، مثلما صرَّح بنيامين نتنياهو في العديد من المقابلات التي أجراها في نهاية ذلك الأسبوع مع عدد من القنوات التلفزيونية الأمريكية. وفي ذلك يبدو متوتِّرًا وغاضبًا وعدوانيًا. قال نتنياهو متنبئًا عندما سيتم رفع العقوبات عن طهران وسيتم السماح لإيران بالاحتفاظ ببعض قدراتها النووية، فعندئذ سوف يؤدِّي ذلك إلى سباق تسلح نووي في المنطقة. وأضاف أنَّ الشرق الأوسط، المليء بالحيل النووية، يشكِّل كابوسِا بالنسبة للعالم برمَّته.
سباق تسلح نووي في الشرق الأوسط
وفي الحقيقة من الممكن للشرق الأوسط المسلَّح بسلاح نووي أن يكون بمثابة سيناريو يشكِّل تهديدًا مخيفًا جدًا، ليس فقط بالنسبة لإسرائيل بل للعالم برمَّته. لا أحد يريد تصوُّر ما يمكن أن يرتكبه بمثل هذه الأسلحة الطغاة الذين لا يمكنهم البقاء في السلطة إلاَّ من خلال استخدامهم العنف والقمع. وأقل من ذلك ألاّ أحد يريد تخيُّل ما يمكن أن يحدث عندما يحصل أحد التنظيمات الإرهابية القاتلة على مواد قابلة للانشطار أو حتى على مفتاح ترسانات نووية محتملة لدى حاكم تم إسقاطه.
وبالنسبة لإسرائيل الصغيرة، التي تنظر إلى نفسها على أنَّها بؤرة الديمقراطية الغربية داخل بيئة معادية وقاسية - وأنَّها بمثابة فيلا في غابة، مثلما وصفها ذات مرة رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق إيهود باراك، يمثِّل هذا في الحقيقة كابوسًا من الممكن له أن يحرم الإسرائيليين من النوم.
ولكن في الواقع إنَّ الاتِّفاق الإطاري مع إيران يسعى بالذات إلى الحيلولة دون حدوث مثل هذا السيناريو. وبحسب هذا الاتِّفاق من المفترض السماح لإيران باستخدام الطاقة النووية لأغراض سلمية فقط. لكن مع ذلك فإنَّ هذا ليس كافيًا بالنسبة للحكومة الإسرائيلية، التي تطالب بضرورة اعتراف طهران بحقِّ إسرائيل في الوجود، وهذا طلب رفضه بالفعل الرئيس الأمريكي باراك أوباما. ولذلك فإنَّ نتنياهو يقف، بموقفه الداعي إلى المواجهة، على أساس هشّ.
وعلى أية حال تُعدُّ إسرائيل الدولة الوحيدة في الشرق الأوسط التي تمتلك أسلحة نووية - ومن المفترض أنَّ عدد الرؤوس النووية المخزونة في ترسانتها يصل إلى ثلاثمائة رأس نووي تقريبًا. لا يُعرف على وجه الدقة عدد رؤوسها النووية، لأنَّ تل أبيب لم تنضم إلى معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية، ولا تسمح بإجراء عمليات تفتيش مفاجئة في منشآتها النووية. ولكن بذلك فإنَّ إسرائيل خلقت إذًا الأساس لسباق التسلح النووي، الذي تحاول الآن إيقافه.
ضرورة التغيير السياسي
ولذلك فإنَّ الوقت يكون قد حان من أجل السير في مسار سياسي آخر والمراهنة على التعاون والتفاهم مع الدول المجاورة. فعلى أية حال هناك دول أخرى في المنطقة قلقة من تحوُّل إيران إلى قوة نووية. ومع هذه الدول يجب على تل أبيب أن تتفاهم وتتحالف. وذلك لأنَّ إسرائيل لا تملك أية فرصة للبقاء في الشرق الأوسط وهي وحيدة تعارض الجميع - باعتبارها منزلاً أنيقًا "فيلاّ" في غابة. ولن تكون لديها أية فرصة إطلاقًا خاصة عندما يتم في قبو هذه الفيلا حشر الجيران المظلومين واليائسين، الذين يتمرَّدون على مالكها.
ولهذا السبب يتعيَّن على الحكومة الإسرائيلية أن تُغيِّر مسارها وأن تقوم أولاَّ - وبأسرع ما يمكن - بحلِّ الصراع مع الفلسطينيين. وهذا هو الأساس من أجل إنهاء العزلة الدبلوماسية المتصاعدة التي تواجهها إسرائيل. ولكن بالإضافة إلى ذلك يجب على نتنياهو أن يوقف نهج المواجهة الذي يتَّبعه مع الولايات المتَّحدة الأمريكية وأن يعيد التعاون الجيد والوثيق مع واشنطن - والذي حافظت عليه الحكومات الإسرائيلية السابقة. وفي هذا الصدد سوف تكون الصفقة النووية مع إيران مناسَبةً جيِّدةً من أجل ذلك.
وبدلاً من وضع العراقيل في طريقهم، يجب على إسرائيل أن تُرحِّب بالجهود المكثَّفة التي تبذلها الدول الخمس التي تملك حقّ الفيتو في مجلس الأمن زائد ألمانيا من أجل إبطال مفعول التهديد الإيراني - أيضًا وليس أخيرًا من أجل أمن إسرائيل. فمحاولات إسرائيل المرتبكة الرامية إلى إحباط هذا الاتِّفاق، تمثِّل إهانة لكلّ من الولايات المتَّحدة الأمريكية ولشركاء إسرائيل الآخرين في المفاوضات مع إيران. كما أنَّ هذه المحاولات تعدُّ قبل كلِّ شيء ضارة لإسرائيل بالذات.
بيتينا ماركس
ترجمة: رائد الباش