آخر معاقل الأدب في اليمن

ثلاث نساء ورجل في فعالية قراءة.
جانب من مناقشة كتاب "الأدب اليمني الحديث" لآمنة يوسف في نادي القصة بصنعاء، 26 نوفمبر/تشرين الثاني 2025. (Photo: Mohammed Taha)

كيف تصمد الثقافة رغم سنوات الحرب الطويلة والدمار؟ في اليمن، يواصل الكتّاب والشعراء مقاومتهم الثقافية عبر ورشٍ ومنتديات افتراضية داخل الوطن والمهجر. يقدم نادي القصة "إل مقه"، مثالًا على صمود الإبداع.

تقرير: رحاب الدين الهواري

رغم الحرب الممتدة منذ أكثر من عقد، لا تزال الحياة الثقافية في اليمن تنبض على نحوٍ متقطع، فبينما انهارت مؤسسات الدولة وغابت الفعاليات الثقافية الرسمية ومغادرة العديد من الكتاب والأدباء البلاد بسبب الحرب، صمدت مبادرات فردية تحوّلت إلى مساحات رمزية للمقاومة الثقافية. 

يبرز نادي القصة اليمن"إل مقه" من بين هذه المبادرات، إذ يجمع أدباء وشعراء وصحافيين وفنانين يمنيين داخل البلاد وفي المنفى، عبر ورش عمل ومنتديات افتراضية، يلتقون فيها بجيل شاب تشكّلت هويته الإبداعية في ظلّ الحرب، ولم يعرف سوى ملامح الخراب والدمار.

"الكتابة تخليد للحياة ومقاومة للموت"، بهذه العبارة يلخص الناقد والكاتب اليمني، الدكتور إبراهيم أبوطالب، أستاذ الأدب والنقد بجامعة الملك عبدالله بالرياض، والمقيم بالسعودية منذ سنوات، حال المشهد الأدبي اليمني، في حديثه لـ"قنطرة"، إذ يواصل كتّاب يمنيون نشر أعمالهم للحفاظ على الذاكرة والهوية رغم ظروف الحرب.

أربعاء الأدب

تأسس النادي عام 1990 في كلية الآداب بجامعة صنعاء على يد مجموعة من كتّاب القصة اليمنيين، الذين اختاروا له اسم "إل مقه"، وهو اسم الإله الرئيسي لمملكة سبأ في اليمن قبل الإسلام، ويُقال إنه إله القمر، ولذلك اتخذ النادي شعار "نصف قمر ملوّن"، كما يشرح رئيس النادي، الروائي محمد الغربي عمران لـ"قنطرة".

سرعان ما أصبح النادي ملتقى أسبوعيًا للأدباء، في المقاهي والمكتبات، ونظّم فعاليات عدّة، أبرزها مهرجان القصة والرواية بدعم من وزارة الثقافة اليمنية وقتئذ، الذي لطالما استقطب نقّادًا وكتّابًا من مختلف المحافظات ومن العالم العربي. 

رئيس نادي القصة، الروائي اليمني محمد الغربي عمران. (Photo: private)
استوحى النادي شعاره واسمه من إله القمر في مملكة سبأ القديمة. (Photo: private)

ورغم توقّف الفعاليات الثقافية والأدبية الكبرى منذ سيطرة جماعة الحوثي على صنعاء عام 2014، وما تلا ذلك من حربٍ أهلية بين القوات الحكومية المدعومة من تحالف السعودية والإمارات، والحوثيين المدعومين من إيران، واصل "إل مقه" نشاطه من قاعته الصغيرة في مقرّ اتحاد البرلمانيين السابقين بصنعاء، ولو بوتيرة أقل انتظامًا. 

يقول الغربي عمران، إن النادي يعقد جلساته كل يوم أربعاء، يحتفي ويناقش كل إصدار جديد، كما يخصص بعضها لمناقشة نصوص الكتّاب الجدد، ويكرّم من لهم دور في إثراء وخدمة الحياة الأدبية في اليمن. 

ويتيح النادي إقامة جلساته عبر "زووم" أيضًا، كما حدث، في 26 نوفمبر/تشرين الثاني، حيث تم مناقشة أعمال مثل "الأدب اليمني الحديث" (2025) للأديبة اليمنية آمنة يوسف، التي تُقدم فيه قراءة تحليلية ونقدية لخمس روايات يمنية صدرت في زمن الحرب، وتعكس معاناة الاغتراب والتغيرات النفسية والاجتماعية للشخصية اليمينة في زمن الحرب.

يوثق أعضاء النادي، أنشطتهم عبر مجموعتهم الخاصة على فيسبوك، وسط تفاعل لافت من محبّي الأدب باليمن، حيث شكلوا تجمعًا افتراضيًا أدبيًا لتبادل الخبرات يعطي الكتّاب الجدد مساحة للظهور، كما نظم النادي، في 19 نوفمبر/تشرين الثاني، ضمن دورة هذا العام لتكريم الأديب اليمني البارز أحمد قاسم العريقي، فعالية إلقاء نصوص قصصية لمجموعة من الشباب الذين لم يصدر لهم أيّ أعمال بعد.

مقاومة ثقافية

يصف إبراهيم أبو طالب، نادي القصة "إل مقه"، بـ"آخر معاقل الجمال في اليمن"، إذ يعطي الكتّاب منبرًا لمناقشة أعمالهم والتعبير عن آلامهم، في ظلّ غياب دعم مؤسسات الدولة والمجتمع المدني.

فيما يشير الشاعر اليمني زين العابدين الضبيبي، والمقيم بالقاهرة منذ أربع سنوات هربًا من الحرب، إلى أن المشهد الثقافي يعكس بوضوح الوضع السياسي المتردي للغاية باليمن، ويقول لموقع قنطرة إن "مساحة الحرية تكاد تكون معدومة، خصوصًا في مناطق سيطرة الحوثيين، حيث تحتاج أي فعالية إلى موافقات أمنية متعددة وتخضع لرقابة صارمة".

ولفت إلى أن حراك المقاومة الثقافية يقتصر غالبًا على مبادرات محدودة مثل نادي القصة، لكن "إقامة فعالية واحدة كل أسبوع أو أسبوعين أو شهر لا يمثل اليمن أو الثقافة اليمنية التي كنا نعرفها قبل الحرب".

وأضاف لـ"قنطرة": "لا أخفيك أن عشرات الأسماء الأدبية الموجودة في الساحة اليمنية تعاني من حياة ضنك، ولا يمتلكون أيّ مصادر دخل، مما دفع كثير منهم بالتوقف عن النشاط أو الكتابة في الصحف والمجلات الأدبية التي تراجعت بشكل حاد أيضًا". 

اختار آخرون النزوح إلى بلاد أخرى بحثًا عن الأمان بسبب الظروف القاسية التي فرضتها الحرب ببلادهم، وواصلوا نشر أعمالهم في دور نشر مصرية ولبنانية، ونال بعضهم جوائز أدبية بارزة؛ من بينهم الصحافي والروائي حميد الرقيمي، الذي فازت روايته "عمى الذاكرة" بجائزة كتارا للرواية العربية في أكتوبر/تشرين الأول الماضي.

يقول الغربي عمران، إن "الكاتب اليمني ظلّ مرتبطًا بالمشهد الأدبي خارج اليمن، رغم تعطلّ الحياة الأدبية، على أمل أن تتجاوز البلاد عزلتها". 

ولا تقتصر أنشطة النادي على الكتاب اليمنيين فقط، إذ يستضيف النادي أدباء من دول عربية أخرى لمناقشة أعمالهم، مثل الشاعرة المصرية فاطمة وهيدي، وهي أول عضو غير يمني بالنادي، وتواظب على المشاركة عبر الزووم من القاهرة، تقول وهيدي صاحبة ديوان "قبل مشرق الحب بنبضة": "تغمرني سعادة كبيرة، فالمناقشات تعطيني شعورًا بقيمة كتابتي، رغم كل ما يعيق وجودي بينهم". 

وتضيف: "الكتابة هي فعل مقاومة، فرغم الصعاب، ما يزال المبدعون في اليمن يتمسكون بالأدب، ويصرّون على استمرار حبل الإبداع رغم الحصار".

قنطرة ©