حرب اليمن تحرم أطفال النازحين من التعليم

 عدم توفر مدارس في الكثير من مخيمات النازحين أو بالقرب منها في اليمن حرم أطفالهم من التعليم
عدم توفر مدارس في الكثير من مخيمات النازحين أو بالقرب منها في اليمن حرم أطفالهم من التعليم

يعيش ملايين النازحين اليمنيين بمخيمات ليس في أغلبها مدارس وهذا يحرم أطفالهم من التعليم. الفقر وظروف الحياة الصعبة يدفعان أطفالاً كثيرين إلى سوق العمل بدل الالتحاق بالمدارس. استعلام صفية مهدي.

الكاتبة ، الكاتب: صفية مهدي

بعد أن أجبرتها الحرب -والظروف الأمنية غير المستقرة- على النزوح مع أسرتها لم تعد بركة -الطفلة اليمنية البالغة من العمر عشر سنوات- قادرة على الذهاب إلى المدرسة مع بدء العام الدراسي الجديد، لعدم وجود مدرسة قريبة من المخيم الذي تعيش فيه مع أسرتها، حالها حال نسبة كبيرة من أطفال الأسر النازحة.

ويستمر ملايين اليمنيين في النزوح إلى مخيمات وإلى مدن متعددة، رغم الهدنة التي دخلت حيز التنفيذ منذ ما يقرب من عام ونصف، ونزحت بركة مع أسرتها المؤلفة من سبعة أفراد من محافظة البيضاء وسط البلاد، لتستقر في أحد المخيمات الواقعة بمنطقة بيحان في محافظة شبوة المحاذية للبيضاء، وهي غير قادرة على الالتحاق بالمدرسة، رغم أنها لا تزال في المرحلة الابتدائية.

وكشف عاملون في المخيم لِـ دي دبليو عربية، أن مبادرة خيرية سعت إلى سد الاحتياج من خلال بناء ثلاثة فصول دراسية قرب المخيم، لكن المشروع تعثر، وبسبب ذلك فإن بركة غير قادرة على مواصلة التعليم، مع بداية العام الجديد.

 

بسبب الفقر وظروف المعيشة الصعبة لا يستطيع الكثير من الآباء والأمهات النازحين في اليمن إرسال أطفالهم للمدرسة.  Jemen Vertriebene im schulpflichtigen Alter Bild DW.jpg
بسبب الفقر وظروف المعيشة الصعبة لا يستطيع الكثير من الآباء والأمهات النازحين في اليمن إرسال أطفالهم للمدرسة: ومن الأسباب عدم وجود مدارس تتمتع بقدرة استيعابية كافية، إلى جانب الوضع المعيشي للنازحين، كما أن العديد من الآباء النازحين يفضلون أن يذهب أبناؤهم إلى العمل، لمساعدة الأسرة على توفير متطلبات الحياة، وكذلك عدم قدرة كثير من الآباء على توفير مستلزمات الأطفال للدراسة، وصولاً إلى صعوبات تتعلق بعدم قدرة الأسر على توفير الوثائق اللازمة لتسجيل الأطفال في المدارس، التي تعاني بعضها من نقص في وجود المعلمين، كما يقول المعنيون.

 

وفي المخيم المعروف بـ"ضبا"، والذي يضم 59 أسرة نازحة، يقول لِـ دويتشه فيله عربية معمر القيضي المتطوع العامل في المخيم: إن نحو 80 بالمائة من الأطفال في المخيم خارج المدارس، وأغلبهم من الفتيات، إذ "تم بناء المرحلة الأولى والثانية من مشروع الفصول الدراسية، إلى أن وصل البناء إلى السقف وبسبب الحرب والظروف المعيشية الصعبة توقف العمل بمشروع بناء المدرسة، ليشكل خيبة أمل، للأطفال الذين كانوا يتوقون للالتحاق بالمدرسة". ويشدد على أن الوقت ما يزال متاحاً للعمل على تدارك المشكلة، بإصلاح هذه الفصول.

وعلى الرغم من جهود بناء مدارس في المخيمات أو بالقرب منها فإن العام الجديد حمل تحديات جديدة، كما هو حال النازحين في مخيم "العبر" بمحافظة حضرموت وهو المخيم القريب من الحدود السعودية، إذ جرى إغلاق المدرسة الوحيدة لأسباب غير واضحة، لكنها في المجمل تدفع بالمزيد من الأطفال إلى خارج المدارس.

ربع الأطفال في سن التعليم خارج المدارس

منذ أكثر من ثماني سنوات ألحقت الحرب وما تبعها من كارثة إنسانية أضراراً بالغة بالعديد من القطاعات بما في ذلك التعليم الذي يعاني جراء عوامل متعددة، أبرزها الوضع المعيشي لما يصل إلى 80 بالمائة من اليمنيين وفق تقديرات الأمم المتحدة، إلى جانب تأثر التعليم بالانقسام العسكري والسياسي، وصولاً إلى عدم دفع مرتبات المعلمين في صنعاء ومحيطها من المحافظات منذ سنوات. وحتى بالنسبة للمحافظات التي يتسلم فيها المعلمون مرتباتهم، فإنهم يشتكون من كونها مستحقات متدنية أصلاً، لا تضمن للمعلم تغطية احتياجاته الأساسية مع ارتفاع الأسعار وتراجع قيمة العملة المحلية في السنوات الأخيرة.

ووفقاً لبيانات كتلة التعليم، يوجد أكثر من مليونين و661 ألف طفل يمني في سن التعليم خارج المدارس، بينهم مليون و410 آلاف فتاة ومليون و251 ألف من الذكور، هذه النسبة تشكل ما يقرب ربع عدد الأطفال اليمنيين في سن التعليم والمقدر بـ 10,8 ملايين طفل. أي أن طفلا من كل أربعة أطفال في اليمن خارج المدرسة.

أكثر من نصف مخيمات النزوح بلا خدمات تعليم

يشكل النازحون إلى المخيمات نسبة غير قليلة من إجمالي النازحين المقدر عددهم بالملايين، والذين تعيش غالبيتهم في مواقع نزوح غير رسمية بالمدن وغيرها، ويبلغ عدد النازحين بالمخيمات، وفقاً لأحدث إحصائية توفرها كتلة التعليم الإغاثية (المؤلفة من مجموعة من الجهات المحلية والمنظمات بما فيها الأمم المتحدة)، أكثر من مليون و336 ألف نازح في جميع المحافظات.

 

 

وبحسب بيانات كتلة التعليم فإن خدمات التعليم التي تتوفر بصورة فعالة تغطي نحو 8 بالمائة فقط من مواقع النزوح في المخيمات، في حين أن ما نسبته 38,87 بالمائة يحصلون على خدمات تعليم غير كافية، أما النسبة الأكبر من مواقع النزوح والتي تزيد عن 53 بالمائة لا تتوفر فيها خدمات التعليم من الأساس.

وبحسب البيانات الرسمية لكتلة التعليم في اليمن يبلغ عدد الأطفال النازحين في سن التعليم أكثر من مليون و492 ألف طفل، بينهم ما يزيد عن 791 ألف فتاة و701 ألف من الذكور. وفي الوقت الذي لم تكشف فيه الكتلة عن العدد الفعلي للنازحين خارج المدارس أظهرت أحدث إحصائية للوحدة التنفيذية لإدارة مخيمات النازحين -حصلت عليها دي دبليو عربية- أن عدد الأطفال النازحين في سن التعليم -بالمحافظات الواقعة تحت سيطرة الحكومة المعترف بها دولياً فقط- بلغ أكثر من 549 ألف طفل، بينهم 388 ألفاً و765 نازحاً في مواقع النزوح غير الرسمية (المدن وغيرها)، و160 ألفاً و320 نازحاً في المخيمات أغلبهم من الفتيات، ويبلغ عدد من هم خارج المدارس من بين هؤلاء أكثر من 109 آلاف نازح أي حوالي 20 بالمائة.

المعاناة لا تستثني النازحين بالمدن

لا تقتصر الصعوبات -المتصلة بتعليم النازحين- على أولئك الذين يقطنون المخيمات أو المناطق النائية، فحتى الذين يعيشون في لدى أقرباء أو بالإيجار في مدن مختلفة كثيرون منهم -كغيرهم من السكان- يعانون من الصعوبات المتعلقة بإلحاق أطفالهم بالمدارس، نتيجة الفقر الذي تعاني منه غالبية الأسر، فضلاً عن الصعوبات المتعلقة بالتعليم.

ففي عدن -ورغم مرور أسابيع على بدء العام الدراسي الجديد- لا تزال مرام البالغة من العمر 11 عاماً -وشقيقاها الأصغر سناً (محمد ومازن 9 و7 سنوات)- خارج المدرسة، لكنهم كما يقول لِـ دي دبليو عربية والدُهم بشير أحمد -الذي يعمل في أحد المتاجر الخاصة بالمدينة- تلقوا وعداً من المدرسة الحكومية القريبة بالعمل على استيعابهم في الأسابيع المقبلة، بعد أن اكتملت القدرة الاستيعابية للمدرسة بالنسبة لفصول المرحلة الابتدائية والإعدادية. ويضيف أحمد أن دخله الشهري -الذي يغطي بشق الأنفُس نفقات الأسرة الأساسية- لا يكفي لإلحاق أطفاله بإحدى المدارس الخاصة، التي تنتشر بالعشرات في المدينة.

حاجة لمدارس جديدة وتحسين وضع النازحين

ويقول لِـ دويتشه فيله عربية، نجيبُ السعدي -رئيسُ الوحدة التنفيذية للنازحين (وهي هيئة حكومية)- إن وجود هذه النسبة يعود لأسباب متعددة، تشمل "عدم وجود مدارس تتمتع بقدرة استيعابية كافية، إلى جانب الوضع المعيشي للنازحين. إذ أن هناك العديد من الآباء النازحين يفضلون أن يذهب أبناؤهم إلى العمل، لمساعدة الأسرة على توفير متطلبات الحياة، وكذلك لعدم قدرة كثير من الآباء على توفير مستلزمات الأطفال للدراسة، وصولاً إلى صعوبات تتعلق بعدم قدرة الأسر على توفير الوثائق اللازمة لتسجيل الأطفال في المدارس، التي تعاني بعضها من نقص في وجود المعلمين".

 

في اليمن ليس فقط أطفال النازحين في المخيمات وإنما الكثير من الأطفال خارج المخيمات محرمون من التعليم Jemen Vertriebene im schulpflichtigen Alter Bild DW.jpg
في اليمن ليس فقط أطفال النازحين في المخيمات وإنما الكثير من الأطفال خارج المخيمات محرمون من التعليم: ووفقاً لبيانات كتلة التعليم، يوجد أكثر من مليونين و661 ألف طفل يمني في سن التعليم خارج المدارس، بينهم مليون و410 آلاف فتاة ومليون و251 ألف من الذكور، هذه النسبة تشكل ما يقرب ربع عدد الأطفال اليمنيين في سن التعليم والمقدر بـ 10,8 ملايين طفل. أي أن طفلا من كل أربعة أطفال في اليمن خارج المدرسة.

 

ويشير السعدي إلى أنه في العديد من المناطق لم يتم بناء أي مدرسة جديدة منذ عام 2014، في المقابل تضاعف عدد السكان كما هو الحال في محافظة مأرب التي ارتفعت فيها الكثافة السكانية نحو ثمانية أضعاف بسبب النزوح. ويشدد على أهمية أن يعمل كافة شركاء العمل الإنساني على بناء مدارس جديدة وبناء فصول جديدة في المدارس القائمة، وكذلك الاهتمام بتحسين الأوضاع المعيشية للنازحين، وهو ما لن يتأتى -وفق المتحدث- إلا بمشاريع مُدِرَّة لدخل النازح.

الجدير بالذكر أن هذه التحديات تأتي في ظل الجهود الإغاثية، حيث تعمل أكثر من 20 منظمة إغاثية في اليمن، بما فيها المنظمة الدولية للهجرة واليونيسف، على الاستجابة في قضايا تعليم النازحين، وتقدم خدمات في 13 نشاطاً رئيسياً، تشمل إنشاء وتوسيع وإعادة تأهيل بعض الفصول المدرسية، وأخرى تتعلق بمرافق المياه والصرف الصحي والنظافة والأثاث المدرسي، إلى جانب تزويد الطلاب بالمواد التعليمية في البيئات الرسمية وغير الرسمية.

وتواصلَ موقع دي دبليو عربية مع منظمة اليونيسف للحصول على إجابات بشأن أزمات التعليم للأطفال النازحين، إلا أنه لم يتلقَّ رداً حتى لحظة كتابة التقرير.

 

 

 

صفية مهدي - اليمن

حقوق النشر: دويتشه فيله 2023

 

 

ar.Qantara.de