"استغلال العاملات الوافدات في لبنان أصبح طبيعيا"
يعيش لبنان حاليًا أسوأ أزمة اقتصادية في تاريخه، جعلت الكثيرين مهدَّدين بالفقر وأوضاع التموين فيه كارثية. فكيف يؤثِّر هذا الوضع الصعب على النساء؟
غنى العنداري: هذا وضع كارثي بالنسبة للنساء، لأنَّهن يصبحن في أوقات الأزمات أكثر عرضة لخطر إساءة معاملتهن واستغلالهن، خاصة في بلد مثل لبنان الذي تعتبر فيه البنى الذكورية متجذِّرة بعمق. لقد أصبح استغلال النساء أمرًا طبيعيًا.
مَنْ المتضرِّرات بشكل خاص؟
غنى العنداري: نلاحظ أنَّ العنف الأسري ضد النساء اللبنانيات صار يزداد. ولكن عاملات المنازل المهاجرات يتضرَّرن أكثر لأنَّهن من دون حماية.
نظام الكفالة منتشر بشكل واسع في لبنان. والكفالة كلمة عربية وتعني التعهُّد والضمان. يتعاقد اللبنانيون مع العمال في بلدانهم الأفريقية والآسيوية ويكفلونهم للعمل لديهم في لبنان. ماذا يعني هذا بالنسبة للعمال المكفولين؟
غنى العنداري: هذا يعني أنَّ وضعهم القانوني ودخلهم يعتمدان فقط على كفيلهم. وتصريح إقامتهم مرتبط بعملهم لدى الكفيل. وعندما يتركون العمل فيجب عليهم مغادرة لبنان أو البحث عن صاحب عمل آخر من أجل البقاء بشكل قانوني في لبنان.
ويتحمَّل الكفلاء تكاليف سفر عمالهم وتأمينهم الصحي وإقامتهم. وعاملات المنازل المهاجرات ينحدرن من أوساط فقيرة ويصبحن تحت رحمة كفلائهن، الذين يستغلون هذه التبعية والسلطة التي يمنحها لهم نظام الكفالة.
استغلال كبير
كيف؟
غنى العنداري: هم يستغلون عاملات المنازل اللواتي يعملن لديهم. يأخذون منهن جوازات سفرهن وكثيرًا ما يجبرونهن على العمل سبعة أيَّام في الأسبوع من دون فترات استراحة. وهم يكادون لا يعطونهن شيئًا ليأكلنه أو يشربنه ويريدون منهن النوم على الأرض. وكثيرًا ما يقوم أفراد الأسرة بضرب العاملات أو الإساءة إليهن لفظيًا.
كم يبلغ حاليًا عدد عاملات المنازل المهاجرات في لبنان؟
غنى العنداري: قبل بدء الأزمة في عام 2019، كان يوجد نحو مائتين وخمسين ألف عامل منزلي مهاجر في لبنان، أمَّا الآن فقد انخفض عددهم إلى أقل من مائة ألف عامل. هذه مجرَّد تقديرات ولا توجد أرقام رسمية.
لقد عاد الكثير من عمال المنازل إلى بلدانهم الأصلية في إفريقيا أو آسيا بعد انفجار مرفأ بيروت، ومع ذلك لا يزال يتم التعاقد مع أشخاص جدد. وعمال المنازل جميعهم من النساء، بينما يتم تشغيل الرجال في وظائف أخرى، مثلًا للعمل في محطات الوقود.
في السنين التي تلت الحرب الأهلية (1975-1990)، كان وضع الكثير من اللبنانيين جيدًا من الناحية المالية وقد كان بإمكانهم تحمل تكاليف مساعدة منزلية أجنبية. وكانت النساء العاملات في المنازل يكسبن جيدًا في لبنان ويمكنهن إرسال المال إلى أوطانهن. فهل تغيَّر ذلك؟
غنى العنداري: لا تزال توجد عائلات لبنانية وضعها المالي جيد وبإمكانها إحضار مساعدة منزلية أجنبية. قبل الأزمة، كان معظم العاملات القادمات إلى لبنان من النساء الإثيوبيات.
ولكن الحكومة الإثيوبية منعت الآن مواطناتها من العمل في لبنان ولذلك لم تعد الحكومة اللبنانية تصدر تأشيرات عمل للنساء الإثيوبيات. لا يوجد في دول أخرى مثل هذا المنع. وحاليًا، تأتي غالبية النساءالعاملات من كينيا وسيراليون. ويتم استغلالهن تمامًا مثل الإثيوبيات.
تصف منظمات حقوق الإنسان تخلي الدولة اللبنانية عن هؤلاء النساء وتركهن تحت رحمة تعسُّف أرباب عملهن بأنَّه "عبودية حديثة".
غنى العنداري: هذا ما يحصل تمامًا. يجب على أرباب العمل أن يوقِّعوا مع النساء عقد عمل منظَّم بشكل موحَّد، ويذكر فيه بوضوح أنَّ النساء العاملات يجب أن يحصلن على يوم إجازة في الأسبوع وأنَّ بإمكانهن الحصول على إجازة سنوية ويجب إسكانهن بشكل لائق وتزويدهن بما يكفي من ملابس وطعام. ولكن معظم أرباب العمل لا يلتزمون بهذه الاتفاقات ولا توجد وسيلة لتطبيقها. ووزارة العمل المسؤولة عن حقوق العاملات لا تُحقِّق في هذه الانتهاكات.
لِمَ لا؟
غنى العنداري: مؤسَّسات الدولة لم تكن تتحمَّل مسؤولياتها حتى قبل الأزمة. فهي لم تقم بتنظيم العمل المنزلي ولم تراقب توظيف عاملات المنازل المهاجرات وظروف عملهن. والآن لبنان دولة فاشلة انهار فيها النظام. وفي السلطات لم يعد هناك مَنْ يشعر بالمسؤولية عن أي شيء.
"الأزمة في لبنان زادت الوضع سوءًا"
وفقًا لدراسة أجرتها الجامعة اللبنانية الأمريكية فإنَّ ثلثي العاملات المهاجرات في لبنان قد تعرَّضن للتحرش الجنسي في السنين الأخيرة. حيث تم لمسهن أو تقبيلهن من دون موافقتهن من قبل كفلائهن الذكور، بالإضافة إلى تعرُّض بعضهن للاغتصاب.
غنى العنداري: الأزمة في لبنان زادت الوضع سوءاً بالنسبة لهؤلاء النساء. حتى أنَّ العديد من هؤلاء النساء يتم إجبارهن على ممارسة الدعارة.
من قِبَل مَنْ؟
غنى العنداري: من قِبَل رجال من أبناء شعوبهن وكذلك من قِبَل رجال لبنانيين أو سوريين في لبنان. ونظام الكفالة هو المسؤول عن استغلال هؤلاء النساء. فهو يسمح لأصحاب العمل بطرد النساء إلى الشارع مع العلم بأنَّهن لا يستطعن الذهاب إلى أي مكان.
وهو يجبر النساء على الهرب من أرباب عملهن العنيفين من دون أن يعرفن مكانًا آخر يستطعن اللجوء إليه. ويلتقين في الشارع بأشخاص يواصلون استغلالهن وإساءة معاملتهن. هؤلاء النساء يأتين إلى لبنان لأنَّهن يردن الهرب من الفقر واليأس في أوطانهن. وهن محرومات في لبنان من أية حماية. ولهذا السبب بالذات يستهدفهن هؤلاء الرجال.
وهل هذا لم يكن موجودًا من قبل؟
غنى العنداري: لقد كان موجودًا من قبل ولكنه لم يكن واضحًا كما هو اليوم. نحن على اتصال مع العديد من النساء. وهؤلاء النساء يقلن إنَّهن قد تعرَّضن لاعتداءات لفظية وجسدية من قِبَل موظفي الوكالات التي شغلتهن لدى العائلات في لبنان.
ونحن نتوقَّع أن استغلال هؤلاء النساء جنسيًا يتم بشكل ممنهج ويبدأ في بلدانهن الأصلية أو مباشرة بمجرَّد وصولهن إلى لبنان. ومن الملفت للنظر أنَّ الكثير من النساء يتركن عملهن بعد فترة قصيرة من وصولهن.
كيف يتم ذلك من وجهة نظرك؟
غنى العنداري: موظفو وكالات التشغيل يكذبون على النساء. فهم يقولون للنساء مثلًا إنَّ بإمكانهن أن يعِشْنَ حياةً خاليةً من المتاعب والهموم في لبنان وأن يكسبن الكثير من المال. وبمجرَّد وصول النساء إلى لبنان، يلاحظن أنَّ ظروف العمل صعبة للغاية ولا يمكنهن اللجوء إلى أي شخص.
ثم يتم الاتصال بالنساء من قِبَل أشخاص يعدونهن بمساعدتهن عندما يتركن رب عملهن. وهؤلاء الأشخاص، على سبيل المثال، رجال يعرضون على النساء السكن لديهم بشرط أن يدفعن الإيجار من خلال عملهن في الدعارة. وتشارك أيضًا نساء في تشغيل الوافدات الجدد في الدعارة. وهؤلاء النساء يعملن في الدعارة ويتعرَّضن للضغط من قِبَل الرجال لتشغيل نساء أخريات. لا توجد لدينا أدلة على حدوث ذلك بشكل ممنهج. ولكن النساء يروين لنا هذه القصص ونحن نعتقد أنَّها قصص جديرة بالتصديق.
نظام الكفالة يدفع النساء إلى العمل في الدعارة
تعتبر الدعارة في الواقع غير قانونية في لبنان. فماذا يحدث لهؤلاء النساء عندما يتم القبض عليهن من قِبَل الشرطة؟
غنى العنداري: يتم تجريم النساء وغالبا ما يُجبَرن على دخول السجن لعدة أشهر. وفقط عندما يستنتج القاضي أنَّ المرأة ضحية تم إجبارها على ممارسة الدعارة رغمًا عنها، فعندئذ يتم الإفراج عنها ولكن يجب عليها أن تعود إلى وطنها.
أمَّا الرجال الذين يجبرون النساء على العمل في الدعارة فنادرًا ما تتم مساءلتهم. بل يضطرون على أكثر تقدير إلى دخول السجن لفترة قصيرة فقط، هذا إذا دخلوه أصلًا. نظام الكفالة يدفع النساء إلى العمل في الدعارة ومن خلال الدعارة يصبحن ضحايا مرة أخرى.
ما هي الفرص المتاحة للنساء عندما يردن ترك أرباب عملهن؟
غنى العنداري: لا توجد لديهن أية فرصة ليعشن حياة أفضل في لبنان. فمن دون عمل يفقدن إقاماتهن ويصبحن معرَّضات لخطر السجن أو الترحيل. يأمرهن الأمن العام بالبقاء عند أرباب عملهن، الذين يمكنهم إنهاء عقد العمل بكلِّ سهولة، بينما لا يستطيع العاملون فعل ذلك.
ويحدث أيضًا أن يقوم العاملون في وكالات التشغيل بتهديد النساء بالعنف إذا فكَّرن في ترك أرباب عملهن. وهؤلاء النساء لا يستطعن اللجوء إلى أي مكان. ووضعهن لن يتحسَّن إلَّا عندما يتم إلغاء نظام الكفالة ويصبح قانون العمل اللبناني ساري المفعول عليهن أيضًا. ولكن من الصعب تنفيذ ذلك لأنَّ الكثير من الناس يستفيدون من استغلال النساء.
كيف تستطيع منظمتك مساعدة هؤلاء النساء؟
غنى العنداري: يوجد لدينا خط ساخن لمساعدة النساء اللواتي يتعرَّضن للإساءة من قِبَل أرباب عملهن. نحن نقدِّم للنساء سكنًا آمنًا وسرِّيًا ونساعدهن في العثور على صاحب عمل آخر أو العودة إلى أوطانهن. ونقدِّم لهن مساعدة قانونية ونفسية اجتماعية. وندعمهن في تقديم بلاغات لدى الشرطة ضدَّ أرباب عملهن.
مزيد من الوعي في القضاء
وماذا تفعل الشرطة؟
غنى العنداري: للأسف الشرطة لا تفعل سوى القليل. السلطات تكاد لا تحقِّق في الاتهامات. وحتى أنَّ جرائم قتل هؤلاء النساء نادرًا ما يتم حلها على الرغم من تكرار حدوثها. والكثير من رجال الشرطة منحازون ضدَّ هؤلاء النساء ولا يأخذون قضاياهن على محمل الجد. وهؤلاء النساء يواجهن على العموم الكثير من العنصرية في لبنان.
Racism within the kafala, or sponsorship, system plays a major role in the abuse of migrant domestic workers in Lebanon. Yet the law fails to protect them. We support @EgnaLegnaDWU & @jasminldiab in their efforts to #IncludeUsInLaw205. #EndKafala https://t.co/nlZsNEIaxq pic.twitter.com/jOGOkTxwd4
— Global Fund for Women (@GlobalFundWomen) October 19, 2022
نحن نقوم بتدريب رجال الشرطة وموظفي دائرة الهجرة. ونريد من خلال الحملات التوعوية رفع مستوى وعي المجتمع اللبناني بمعاناة هؤلاء النساء وأوضاعهن المزرية. ولكن يجب علينا ألَّا ننسى أنَّ: بعض النساء نجحن في المطالبة بحقوقهن.
هناك حالة أثارت اهتمامًا خاصًا. فقد دعمت منظمتك امرأة من النيبال في مقاضاة رب عملها السابق، الذي حبسها في شقته لنحو عشر سنين وأجبرها على العمل ليلًا ونهارًا - ولم يدفع لها حتى الراتب المتفق عليه. وألزم النائبُ العام ربَّ العمل هذا بأن يدفع للمرأة راتبها الكامل، أي ما مجموعه خمسة عشر ألف دولار، وأجبره على قضاء فترة في السجن. فهل تعتقدين أنَّنا سنشهد المزيد من قصص النجاح في المستقبل؟
غنى العنداري: لقد تحسَّنت في الآونة الأخيرة وبكلّ تأكيد طريقة تعامل القضاء اللبناني مع ادعاءات هؤلاء النساء. ولكن ما يزال يجب علينا فعل الكثير. يجب علينا ألَّا ننسى أن النظام القانوني في لبنان يكاد لا يعمل في الأزمة الحالية. ولذلك فإنَّ فرص متابعة هذه القضايا في المحاكم محدودة للغاية.
حاورتها: أندريا باكهاوس
ترجمة: رائد الباش
حقوق النشر: موقع قنطرة 2023