طريق تحقيق استقرار ليبيا غير مفروشة بالورود
في مشهد رمزي ذي دلالة كبيرة صعد رئيس حكومة الوحدة الوطنية الليبية عبد الحميد الدبيبة على جرافة ملوحًا بيده للمصفقين المحيطين به، وهو رئيس الوزراء الذي لم يمضِ على تعيينه سوى بضعة أشهر (عُين في شباط/ فبراير 2021).
ثم ما لبثت الجرّافة أن تحركت لتزيل آخر كومة أتربة كانت حتى تاريخ 20 حزيران/ يونيو المنصرم 2021 تسد الطريق الممتدة على طول الساحل الليبي على البحر المتوسط، والتي تعد أهم طريق في ليبيا، وتربط شرقها بغربها. وقد أعاد ذلك ربط شطري هذا البلد -اللذين كانا متحاربين- ببعضهما من الناحية الفنية الطرقية.
وأعلن الدبيبة محتفلًا ومحذّرًا في الوقت نفسه "إننا اليوم نعلنها، وبكل قوةٍ، بأن عهد التّشتت والفرقة وشبح الانفصال قد ولّى إلى غير رجعة، وإننا كجسد واحد إنْ اشتكى منه عضو تداعت له سائر الأعضاء بالسهر والحمّى"، معربًا عن أنه يعيش حلمًا ببزوغ فجر السّلام في بلده بعد طول انتظار.
وتأتي هذه الأجواء مناسبةً تمامًا لخارطة الطريق التي تتم مناقشتها خلال مؤتمر برلين الثاني للسلام في ليبيا الذي ينعقد في 23 من شهر حزيران/ يونيو 2021؛ حيث يجتمع في العاصمة الألمانية، وبدعوة من الحكومة الألمانية والأمم المتحدة، نفس المشاركين في مؤتمر برلين الأول للسلام في ليبيا الذي عُقد مطلع العام الماضي 2020، وهم: روسيا وتركيا وفرنسا ومصر والجزائر والإمارات العربية المتحدة وممثلي الاتحاد الأوروبي. كما أعلن وزير الخارجية الأميركي أنطوني بلينكن عزمه المشاركة في أعمال المؤتمر.
أما الجديد في هذه السياق، فهو مشاركة الليبيين هذه المرة - وإن ظاهريًا- بوصفهم طرفًا واحدًا ممثلًا من قبل حكومة الوحدة الجديدة التي تم تشكيلها في شهر شباط/ فبراير 2021.
وقد أوضحت وزيرة الخارجية الليبية نجلاء المنقوش خلال مؤتمر صحفي جمعها مع نظريها المصري سامح شكري في القاهرة، يوم السبت الفائت 19 حزيران/ يونيو 2021، قائلةً إن المؤتمر " فرصة لليبيين في أن يشاركوا كعضو أساسي. سابقًا كانت ليبيا مُغيّبة عن هذه التجمعات الدولية لأسباب عدة نحن نعلمها، نظرًا للانقسامات، ونظرًا لعدم توحّد الرؤية تجاه مستقبل ليبيا. الآن عندنا فرصة كبيرة كحكومة وحدة وطنية للتواجد بقوة، برؤية وطنية موحّدة، وباستراتيجية واضحة لدعم مخرجات [مؤتمر] برلين وأيضًا لدعم قرارات مجلس الأمن".
وقد تحقّق الكثير على أرض الواقع منذ انعقاد مؤتمر برلين الأول للسلام في ليبيا في كانون الثاني/ يناير 2020، فقد تم وقف إطلاق النار، وتشكيل حكومة وحدة وطنية ليبية للمرة الأولى [منذ سقوط نظام القذافي في العام 2011]، ومن المقرر أن تجرى الانتخابات البرلمانية في 24 كانون الأول/ ديسمبر 2021. كما شهدت العلاقات بين تركيا ومصر، اللاعبين الإقليميين الرئيسيين، تحسّنًا خلال الأشهر الأخيرة، بما يخدم تحقيق الاستقرار الأوضاع في ليبيا في نهاية المطاف.
وقد حان الوقت لمواصلة التقدم الذي تم إحرازه في برلين حتى الآن. وتهيمن على جدول أعمال المؤتمر ثلاثة مواضيع رئيسة، يحتل موقع الأولوية منها موضوع التحضير للانتخابات البرلمانية المقرر إجراؤها في 24 كانون الأول/ ديسمبر من هذا العام 2021 ووضع إطار قانوني لإجرائها بصورة ناجحة مرتبة.
أما الموضوع الرئيس الثاني، فهو انسحاب جميع المرتزقة الأجانب والمستشارين العسكريين من ليبيا. وهو موضوع سبق أن تم إدراجه على جدول أعمال مؤتمر برلين الأول بدون أن يسفر ذلك عن تحقيق نتيجة، إذ لا ترغب القوى الأجنبية في سحب نفوذها من هذا البلد الغني بالنفط.
وبالإضافة إلى الميليشيات المسلحة يتواجد مستشارون عسكريون أتراك في غرب البلاد وفي العاصمة طرابلس، أما شرق البلاد فيهيمن عليه مرتزقة روس وشركة فاغنر الأمنية التابعة للكرملين ومقاتلون سودانيون يتقاضون رواتبهم من الإمارات العربية المتحدة.
أما الموضوع الثالث، والمرجّح أن يكون الأصعب، فهو إعادة توحيد جهاز الأمن الليبي وحصر استخدام القوة بأجهزة الدولة الموحدة. ومن المؤكد أن يسفر مؤتمر برلين مجددًا عن سلسلة من تصريحات حُسن النية، وتبقى المسألة المهمة فعلًا هي قابلية تحول هذه التصريحات إلى واقع ملموس على الأرض.
كريم الجوهري
ترجمة: حسام الحسون
حقوق النشر: موقع قنطرة 2021
[embed:render:embedded:node:40632]