"السعودية الخضراء".. تحول اقتصادي لحماية البيئة أم مجرد دعاية؟
لم يمثل الصيف الشديد الحرارة في السعودية في أواخر أكتوبر/ تشرين الأول، عبئا على داليا سمرة روث، مندوبة الصناعة الألمانية في السعودية، وديتر لامليه، سفير ألمانيا في المملكة، لزرع شجرة في "حديقة بوديكر" في الرياض. وقام الاثنان بزرع شجيرة "تاج الشوك" صغيرة، التي لن تكون الوحيدة، إذ تخطط السعودية لزراعة 7,5 مليون شجرة أخرى في الرياض وأكثر من 450 مليون شجرة في مناطق أخرى من البلاد، ما يوحي بأن السعودية، هذا البلد الصحراوي ذو المناخ الشديد الحرارة، في طريقه لأن يصبح واحة خضراء.
ويأتي ذلك بالتماشي مع إعلان ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان أواخر أكتوبر/ تشرين الأول، أن المملكة العربية السعودية، التي تعد أكبر مصدر للنفط في العالم، تهدف إلى بلوغ الحياد الكربوني بحلول عام 2060. ولم يتوقف الأمر عند هذا التصريح، إذ تعهد بأن السعودية ستستثمر مليارات الدولارات لتنفيذ مبادرة "السعودية الخضراء".
وفي إطار فعاليات قمة المناخ في مدينة غلاسكو الاسكتلندية التي تُعرف اختصارا بـ "COP26"، نظمت السعودية مؤتمرا إقليميا للبيئة تحت اسم "مبادرة الشرق الأوسط الأخضر" بالتزامن مع إعلان ولي العهد السعودي محمد بن سلمان بلوغ بلاده "الحياد الكربوني" بحلول عام 2060 كحجر أساس لـ "مبادرة السعودية الخضراء".
ويأتي ذلك مع تعزيز المملكة جهودها لتحقيق "الاقتصاد الدائري للكربون" الذي يرمي إلى إعادة دورة الكربون الطبيعية، ما يشمل التخلص من 200 مليون طن من انبعاثات الكربون من الغلاف الجوي من خلال تطبيق أربعة عناصر تتمثل في "التقليل وإعادة الاستخدام وإعادة التدوير والإزالة".
الهدف لا يقتصر على مواجهة التغير المناخي فقط
ويشكك خبراء البيئة في أهداف التغيير المفاجئ في السعودية، فالبعض منهم يعتقد أن الرياض ملتزمة فعلا بتحقيق المسار الجديد المحافظ على البيئة، وإن كانوا يشككون في دوافع صناع القرار في المملكة.
ففي تعليقه قال توبياس زومبرايغل، أحد الخبراء البارزين في مركز الأبحاث التطبيقية في مدينة بون الألمانية، "إن كل الأنباء الواردة من السعودية خاصة في الآونة الأخيرة لا يمكن اختزالها في نطاق ما يسمى الغسل الأخضر، لأن الأمر ينطوي على عملية تحول شاملة".
ورغم ذلك، فمن المؤكد أن الرغبة في إنقاذ كوكب الأرض ليست الهدف الوحيد من هذا التحول الذي تخطط له المملكة العربية السعودية، إذا أن تقلب أسعار النفط وزيادة الضغط الدولي من أجل تسريع الوصول إلى الحياد الكربوني وفقا لاتفاقية باريس للمناخ لعام 2015 يدفعها إلى تبني هذا النهج.
وفي حوار مع دويتشه فيله، شدد الخبير الألماني زومبرايغل على أن "أجندة الاستدامة في السعودية لا صلة لها بحماية البيئة أو النهوض بالجهود الرامية إلى حماية المناخ، وإنما منطلق ذلك هو توسيع هامش المناورة السياسية وحماية المصالح الاقتصادية".
وليس الخبير الألماني زومبرايغل هو الوحيد الذي يشكك بأهداف ما أعلنته السعودية مؤخرا خاصة ما يتعلق بالحياد الكربوني. فقد كتبت كارين يونغ، مديرة برنامج الاقتصاد والطاقة في معهد الشرق الأوسط في واشنطن، إن بلوغ "صفر انبعاثات ليس الهدف وراء ذلك".
أما بعض الخبراء ومنهم كريم الجندي، الباحث في مركز "تشاتام هاوس" البريطاني للأبحاث، فلديهم بعض التحفظات حيال مستوى الوثوق بالمبادرة الخضراء التي أعلنتها السعودية. ففي مقال رأي نشره على موقع قناة الجزيرة باللغة الإنجليزية، أكد الجندي، مؤسس المبادرة التي ترمي إلى تعزيز الاستدامة في مدن منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، على أن وفاء السعودية "بالتزامات المناخ سيكون مشروطا بقدرتها على الحفاظ على صادراتها من الوقود الأحفوري".
Jumping on the bandwagon and trying to grab the steering wheel
My latest article for @AJEnglish ahead of #COP26 in Glasgow, on the recent transformation of #ClimateChange Policy in the #MENA region.https://t.co/93cT0ZBS5n pic.twitter.com/qourYleCUf— Karim Elgendy / كريم / Kerîm (@NomadandSettler) October 30, 2021
وكان وزير الطاقة السعودية الأمير عبد العزيز بن سلمان، شقيق ولي العهد، قد أكد على موقف السعودية خلال منتدى "المبادرة السعودية الخضراء" في الرياض إذ شدد على أن "النمو الاقتصادي للمملكة تحركه صادرات في مجال الطاقة. وهذا ليس سرا من أسرار الدولة".
جدير بالذكر أن شركة أرامكو، عملاق النفط السعودي والتي تعد أكبر شركة نفط في العالم، قد احتلت المركز الأول بين أكبر شركات العالم ربحية خلال الربع الثالث من العام الجاري بأرباح قيمتها 30,4 مليار دولار، لتتفوق على كبرى الشركات العالمية مثل غوغل وأمازون وحتى شركات النفط الأخرى مثل إكسون موبيل ورويال داتش شل.
التنافس على الطاقة النظيفة!
ورغم ذلك، فإن هذه المبادرة ليست الوحيدة التي تعلنها السعودية، البالغ تعداد سكانها قرابة 35 مليون نسمة، في إطار ضخ الاستثمارات لتنويع مصادر الطاقة ومجال الاستدامة البيئية، إذ شهدت حقبة العاهل السعودي الراحل الملك عبد الله بن عبد العزيز تدشين مبادرات مماثلة.
ففي عام 2010، شدد الملك عبد الله على أن نمط الحياة الاستهلاكي في السعودية لن يستمر إلى الأبد، ولم يجد حرجا في القول بأنه حتى السعودية التي تعد أكبر مصدر للنفط في العالم، سيتعين عليها في نهاية المطاف استيراد النفط أو الغاز لتلبية احتياجات تعداد سكانها الآخذ في التزايد.
من جانبه، يشير زومبرايغل إلى أنه في ذاك التوقيت كانت هناك عوامل وظروف سياسية مختلفة عن الراهنة، ويضيف بأنه "في ذاك الحين، كانت هناك تكتلات سياسية مختلفة داخل العائلة الحاكمة خاصة بين الأصوات المتشددة التي لا تؤمن بمسألة التغير المناخي من أساسها". وعلى إثر ذلك، لم تجد مبادرة الملك عبد الله المجال لتطبيقها على أرض الواقع حتى وفاته عام 2015.
بيد أن زومبرايغل يرى أن المعطيات الحالية تختلف عما كان عليه الوضع في عهد الملك الراحل، إذ أن هناك ترابطا جليا وهرميا بين الشخصيات النافذة والمركزية داخل أسرة "آل سعود" الحاكمة لدعم الرؤية الجديدة. ويقول "لقد وصل الأمر إلى أن أصبحت قضية الاستدامة مسألة تخص العائلة المالكة" خاصة مع حضور الأمير محمد بن سلمان قمة المناخ ودخوله سباق الحياد الكربوني سعيا لتعزيز النفوذ الإقليمي لبلاده في ظل التنافس الإقليمي وخاصة بين السعودية والإمارات في مجال الطاقة النظيفة في الشرق الأوسط.
تصدير النفط بطريقة نظيفة!
ورغم كل ذلك، تعرضت السعودية لانتقادات خاصة من أقوى حلفائها الولايات المتحدة، في مستهل قمة المناخ في غلاسكو لجعل قضايا المناخ في صلب الاقتصاد السعودي. فخلال مؤتمر صحافي في ختام قمة "مجموعة دول العشرين" التي سبقت عقد قمة المناخ، قال الرئيس الأمريكي جو بايدن إنه "يتعين بذل المزيد، لكن سيتعيّن علينا مواصلة النظر إلى ما لا تفعله الصين، وما لا تفعله روسيا، وما لا تفعله السعودية".
وتزامنت انتقادات بايدن مع الوثائق المسربة التي حصلت عليها منظمة "السلام الأخضر" وقامت بنشرها هيئة الإذاعة البريطانية. فقد كشفت التسريبات عن وثيقة سعودية تطلب من الفريق الدولي التابع للأمم المتحدة المعني بتغير المناخ إزالة جملة تدعو قطاع الطاقة إلى "التحول السريع إلى مصادر خالية من الكربون والتخلص (التدريجي) من جميع أنواع الوقود الأحفوري".
ولم يصدر أي تعليق سعودي على ما جاء في هذه الوثيقة المسربة، لكن من المؤكد أنها تعتزم تنويع مصادر الطاقة بشكل أكبر مع المضي قدما في تصدير النفط. وفي هذا الصدد، يقول زومبرايغل إن "الأمر لا يحمل في طياته أي تناقضات بالنسبة للسعودية، إذ يمكنها تصدير النفط على المدى الطويل، لكن يمكنها القيام بالأمر بطريقة نظيفة لا تضر البيئة."
ويذهب زومبرايغل إلى القول بأن السعودية ستشهد تنفيذ حزمة من المشاريع الضخمة الجديدة المتعلقة بالطاقة المتجددة خلال السنوات القليلة المقبلة لا سيما في مجال زيادة استخدام وكفاءة عملية تدوير المياه، سيما وأنها تحصل على أكثر من 70 بالمائة من مواردها المائية من محطات التحلية.
جينيفر هوليس/ م. ع
حقوق النشر: دويتشه فيله 20211
.......................................
طالع أيضا: مقالات تحليلية حول التغيرات المناخية في الشرق الأوسط
الملكة نور: دعوة إسلامية لتحول العالم كلياً إلى الطاقات المتجددة
هل تراعي مباني إسطنبول الحديثة خطر الزلازل ومحدودي الدخل؟
كارثة من نوع آخر في العالم العربي الإسلامي
الطاقة الشمسية بديلا عن الذهب الأسود
"أزمة البيئة هي أيضا أزمة روحانية"
هل استمتعت بوجبتك البلاستيكية لهذا اليوم؟
ترويج صيد السمك المستدام في تيبازة الجزائرية
مساجد عادلة بيئياً واجتماعياً في ألمانيا
حماية البيئة بالاستعانة بالقرآن؟
حماية البيئة - مبدأ أصيل في الإسلام
.......................................