كفاح نساء إيران من أجل حق تقرير المصير
الانتفاضة في إيران نسوية. فالنسوية لا تتعلق في النهاية بإيصال النساء بدلًا من الرجال إلى السلطة، بل إنَّ الأمر يتعلق بحق تقرير المصير للجميع - رجالًا ونساءً. والمتظاهرون اليوم يرون في فرض الحجاب رمزًا لرفض الدولة الاعتراف بحقِّهم في تقرير المصير.
ولكن تقرير المصير هذا يشمل ما هو أكثر بكثير من مجرَّد الحقّ في ارتداء المرء ما يريده: هذا يعني بالنسبة لخمسين في المائة من الإيرانيين، الذين لا تعتبر الفارسية لغتهم الأم، السماح لهم بتعلمهم لغتهم الأم في المدارس؛ ويعني بالنسبة للمثليات والمثليين جنسيًا قدرتهم على التعبير بحرِّية عن ميولهم الجنسية؛ ويعني بالنسبة للبهائيين السماح لهم بممارسة دينهم - إلخ… وهلمّ جرًّا.
لخَّص الفنَّان الإيراني شروين حاجي پور في أغنيته "براي" (تعني بالفارسة "من أجل" أو "بسبب“)، التي باتت نشيد الانتفاضة، مجموعةً من التغريدات الإخبارية على موقع تويتر، يصف فيها المتظاهرون سبب خروجهم إلى الشوارع: من أجل الرقص في الشوارع؛ ومن أجل الفتاة، التي تتمنى أن تكون صبيًا؛ ومن أجل الحرِّية، الحرِّية، الحرِّية. ومن المحتمل أنَّ هناك عددًا كبيرًا من الرجال كعدد النساء، الذين يخرجون حاليًا إلى الشوارع من أجل هذه المطالب. ومن المحتمل في هذا الصدد أيضًا أنَّ مقاطع الفيديو المنتشرة الآن انتشارًا فيروسيًا قد تنقل لنا صورة منحرفة.
ومع ذلك فإنَّ الحجاب يرمز الآن لجميع هذه الأشياء ولهذا السبب تقوم حاليًا الفتيات بنزع حجابهن عن رؤوسهن. ومن سخرية القدر أنَّ الحجاب قد تم استخدامه بحدّ ذاته كرمز لتغيير النظام ذات مرة من قبل، وتحديدًا للتغيير، الذي حدث في إيران عام 1978 / 1979. ولعل الحجاب يصبح كذلك مرة أخرى من جديد.
التحديث باستخدام العنف
يرتبط الحجاب ارتباطًا وثيقًا بتاريخ التحرُّر في إيران، بمعنى التحرُّر من وصاية الدولة - وتحديدًا ليس فقط منذ عام 1978، عام الثورة الإيرانية الأخيرة في القرن العشرين: ففي عام 1936 منع رضا شاه بهلوي ارتداء الحجاب. ورضا شاه بهلوي، وهو جنرال قوزاقي صعد إلى رتبة شاه (قيصر)، كان يريد تحديث بلاده بجميع الوسائل والطرق، وحتى من ناحية مظهرها الخارجي. وحتى باستخدام العنف. ولهذا السبب فقد تم منع النساء الإيرانيات بموجب القانون من ارتداء الحجاب. وكانت السلطات تنتزع الحجاب عن رؤوس النساء في الشارع.
أمَّا الشاه محمد رضا بهلوي، الذي خلف والده على العرش، فقد كان في البداية حاكمًا ضعيفًا متساهلًا. وكان نظامه أقل تشدُّدًا في تطبيق حظر الحجاب. وكانت الفتيات والنساء أحرارًا في ارتداء الحجاب داخل المدارس وفي الشوارع. ولكن ارتداء الحجاب كان لا يزال مضرًا في الحياة المهنية. فقد كان يجب مثلًا على موظفة تعمل في وزارة أو في بنك أن تختار بين الوظيفة والحجاب. وكان ارتداء الحجاب غير مسموح به في الجامعات أيضًا.
واستمر الشاه محمد رضا بهلوي في اتّباع سياسة التغريب، التي فرضها والده، والتي ظهرت فجأة وبشكل أساسي في المظهر الخارجي مثل رؤية نساء يرتدين التنانير القصيرة والكعوب العالية في شوارع طهران.
وصورة النساء الجديدة هذه، وكذلك حقيقة أنَّهن أصبحن أكثر حضورًا في الأماكن العامة - قوبلت بمقاومة لدى قطاعات من المواطنين ذوي التوجُّهات المحافظة. أظهر في دراسة مثيرة للإعجاب أستاذُ علم الاجتماع الألماني الأمريكي مارتن ريزبرودت أنَّ التغييرات في دور المرأة لم تكن مجرَّد نقطة واحدة من بين نقاط عديدة كانت مدرجة على أجندة الإسلاميين، بل لقد كانت في الواقع مطلبهم الرئيسي.
فعلى سبيل المثال: علي شريعتي، الذي ربَّما كان أهم مُنَظِّر للثورة الإسلامية، قال إنَّ المرأة الإيرانية الجديدة تحوَّلت إلى دمية مُتأنِّقة تريد فقط أن تنال الرضى. وكتب ما معناه أنَّ ما يسمى بالدين يُحوِّل نساءنا إلى فتيات في حالة حداد، أما ما تسمى بالحضارة فتحوِّلهن إلى ساقيات في بارات". لم تقتصر التغييرات على مظهر المرأة فقط، بل امتدَّت أيضًا إلى وضعها القانوني. فقد ركَّز في الستينيات انتقاد الخميني للشاه أيضًا على قانون الأسرة الجديد، الذي كان يهدف إلى منح النساء المزيد من المساواة أمام القانون.
الحجاب كرمز للاحتجاج على الشاه
وعلى الرغم من أنَّ الشاه أدخل بالتأكيد بعض القوانين، التي حسَّنت وضع النساء القانوني، بما في ذلك منحهن حقّ التصويت في الانتخابات، إلَّا أنَّه ظل قبل كلِّ شيء ديكتاتورًا بالنسبة للنساء أيضًا. ومن أجل إظهار موقفهن المناهض للشاه فقد ارتدت العديد من النساء الإيرانيات الحجاب في عام 1978 عندما خرجن إلى الشوارع من أجل التظاهر ضدَّ القمع السياسي. وكان الحجاب قد أصبح بحدّ ذاته في ذلك الوقت رمزًا للاحتجاج ضدَّ الشاه.
والنساء أيضًا لعبن دورًا مهمًا في إسقاط نظام الشاه. السياسية الإيرانية المعارضة والناشطة في مجال حقوق المرأة پروانه اسكندرى، التي اغتالها بلطجية النظام الإسلاموي في عام 1998 - أدلت ذات مرة بهذا التصريح، الذي قد يبدو مفاجئًا اليوم نظرًا إلى وضع النساء القانوني في ظلِّ النظام الحالي: "النساء لعبن الدور نفسه مثل الرجال [في إسقاط نظام الشاه]. ولكن يجب علينا ألًّا ننسى أنَّ النساء كانت لديهن قيود أكبر في عهد الشاه. وقد وجدن في الدين وسيلة من أجل التغلب على قيودهن".
لقد وعد مرشد الثورة آية الله الخميني الإيرانيين بالحرِّية في جميع المجالات، ولكن ما تبع ذلك كان تكرارًا للتاريخ في اتجاه معاكس. حيث أصبح الحجاب إجباريًا. ثلاثة حكَّام ومبدأ واحد: فهم يفرضون على النساء كيف يجب عليهن أن يلبسن ويحرمونهن من حقّ تقريرهن مصيرهن حتى في اختيارهن ملابسهن.
نقاشات إيرانية حول الحجاب
ولكن في الواقع كانت تحدث منذ فترة طويلة في إيران بعض التغييرات قبل اندلاع هذه الاحتجاجات - وعلى الأقل في الجدل حول الحجاب. وتحديدًا حتى بين رجال الدين، الذين يعتبرون تقليديًا أكبر مدافعين عن الحجاب. فقد أعلن قبل عدة سنين على سبيل المثال آية الله فاضل معبودي من مدينة قم -وهي الحوزة العلمية في إيران- أن "المرشد الديني يجادل هكذا: أنا أؤمن بالحجاب. ولكن أن تتدخَّل الحكومة وتقول يا امرأة لماذا أنت غير حجَّبة؟ لا، أنا لا أقبل ذلك. هذه ليست مهمة الحكومة".
لم يكن الإدلاء بتصريحات تنتقد الحجاب هنا عملًا غير خطير مثلما تبيِّن ذلك على سبيل المثال حالة رجل الدين الإصلاحي حسن يوسفي إشكوري. فقد قال إنَّ "الحجاب ليس من أركان الدين، بل هو من الوصايا الاجتماعية، التي يمكن أن تتغيَّر مع الظروف".
ولهذا السبب فقد تم اتهامه في عام 2001 بالردة عن الإسلام، وهي جريمة عقوبتها الإعدام في إيران. [حُكم عليه في البداية بالإعدام، ثم تم تخفيف الحكم إلى السجن].
فبواسطة الحجاب لا يمكن فقط كتابة التاريخ الإيراني بل إنه أيضًا بحدّ ذاته رمز النظام الإيراني. على الأرجح أنَّ هناك ثلاث ركائز أيديولوجية فقط تجعل إيران جمهوريةً إسلامية. وركيزتان منهن -عقيدة الدولة الإيرانية ومعاداة أمريكا- أصبحتا موضع تساؤل متزايد منذ النصف الثاني من التسعينيات.
أمَّا الركيزة الثالثة، التي ما تزال موجودة، فهي: الحجاب. ليس من غير العدل أن يربط الغرب كلمة "إيران" بالحجاب أوَّلًا وقبل كل شيء. وإذا ألغت إيران هذا الرمز، فمن المحتمل أن يكون ذلك بمثابة دليل كافٍ بالنسبة للغرب على أنَّ إيران مستعدة للإصلاح، مع أنَّ ذلك سيكون قصر نظر.
زوال الخوف
ولهذا السبب سوف يتمسَّك الإسلامويون بقطعة القماش هذه لأطول فترة ممكنة. لقد ذكرت الناشطة في مجال حقوق المرأة مهرانگيز كار ذات مرة سببًا واضحًا لبدء أنظمة الحكم الإسلاموية في العادة باضطهاد المرأة: "إنَّهم يختارون أضعف الضحايا من أجل خلق جو من الخوف. وعندما يسود الخوف، يخاف الجميع ويمكن للحكَّام توطيد سلطتهم. من المستحيل تصوُّر أن يعيش نصف الناس في خوف وأن يواجه الناسُ ككلّ وبثقة المشكلات السياسية في الوقت نفسه".
وهذا الخوف بات يزول ويتلاشى الآن لدى الكثيرين. لقد سئم جيل الشباب كله من فرض الوصاية عليهم ومن معاقبتهم ومراقبتهم، بحيث أنَّهم أصبحوا يرُدُّون الآن عندما يبدأ بلطجية النظام بضربهم. ويمكن مشاهدة ذلك في الكثير من مقاطع الفيديو المنتشرة على وسائل التواصل الاجتماعي الآن، وهذا شيء جديد.
يُلاحَظ في هذا الكفاح من أجل تقرير المصير مستوى من الشجاعة والتماسك لم يكن معروفًا بهذا الشكل من قبل. ولهذا السبب فإنَّ ما نراه الآن هو كفاح نسوي. وقد تعني السياسة الخارجية النسوية (في ألمانيا) دعم الإيرانيين والإيرانيات في سعيهم النسوي هذا من أجل تقرير مصيرهم في حياتهم.
كاتايون أميربور
ترجمة: رائد الباش
حقوق النشر: موقع قنطرة 2022