طرق إسرائيل السريعة لضم أجزاء من الضفة الغربية
شعر المجتمع الدولي براحة كبيرة عندما سحبت إسرائيل في صيف عام 2020 خطتها لضمّ أجزاء من الضفة الغربية المحتلة بمباركة دونالد ترامب. فقد كانت اتِّفاقيات التطبيع مع دولة الإمارات العربية المتَّحدة على رأس أولويات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو. أمَّا في عهد الرئيس الأمريكي المُنتخب جو بايدن فلا توجد على أية حال أية فرصة للضمّ بشكل قانوني.
ولكن يبدو أنَّ الشعور بالراحة كان سابقًا لأوانه. وذلك لأنَّ ما يتم التخطيط له في هذا الوقت في اللجان والسلطات الإسرائيلية المسؤولة يقود إلى خطة ضمّ فعلية طويلة الأمد.
ليس صدفة أن يأمل المعسكر القومي اليميني في زيادة عدد المستوطنين والمستوطنات في الضفة الغربية من أربعمائة وأربعين ألفًا في الوقت الحالي إلى مليون خلال العشرين عامًا المقبلة. فبحسب تقرير نشرته مؤخَّرًا منظمات غير حكومية يسارية (إسرائيلية) فإنَّ هناك خطة شاملة لتطوير الطرق والمواصلات قدَّمتها مؤخرًا وزيرة النقل الإسرائيلية ميري ريغيف ومن المفترض أن تخلق بحلول عام 2045 البنية التحتية الضرورية لذلك.
ووفقًا لمعلومات المنظمات غير الحكومية فإنَّ هذه الخطة لها هدفان رئيسيان: فهي تهدف من ناحية إلى ربط حتى المستوطنات البعيدة بطريق سريع مع قلب إسرائيل ومن ناحية أخرى إلى تقسيم الأراضي الفلسطينية إلى أجزاء منفصلة عن بعضها تقريبًا.
وكلا الهدفين يساهمان في "ترسيخ واقع الدولة الواحدة بحقوق غير متساوية"، مثلما يقول التقرير، الذي بحثته ونشرته مجموعة العسكريين المتقاعدين الإسرائيليين المناهضة للاحتلال "كسر جدار الصمت" وَ "المركز الإسرائيلي للشؤون العامة". وعنوان هذا التقرير المليء بالتفاصيل هو: "الطريق السريع إلى الضم" (Highway to Annexation).
تُثبت كلمات وزيرة النقل الإسرائيلية ميري ريغيف أنَّ هذا ليس اتِّهامًا خبيثًا. فقد برَّرت وزيرة النقل -وهي من المقرَّبين من نتنياهو- طلب تمويل بقيمة مائة مليون يورو لبناء أربعة طرق سريعة في المرحلة الأولى من الخطة الشاملة المكوَّنة من ثلاث مراحل، كما يلي: "نحن لا نرفع قدمنا عن دوَّاسة الوقود. نحن نعتمد على سيادة الأمر الواقع ونربط إسرائيل، بما فيها يهودا والسامرة" - وهذا يعني: الضفة الغربية.
بناء الطرق وتوسيع المستوطنات يسيران يدًا بيد
توضح بعض الحقائق والأرقام ما وراء هذه الخطة: يعمل نحو ستين في المائة من المستوطنين داخل إسرائيل، مما يعني أنَّه يجب عليهم السفر ذهابًا وإيَّابًا كلَّ يوم. ومثل هذه الرحلة هي عمل يستغرق وقتًا عندما يعيش المستوطن فوق تلة نائية في الضفة الغربية. فقط المستوطنات مثل آرييل وبيتار عيليت ومعاليه أدوميم أو مستوطنة موديعين عيليت تطوَّرت إلى بلدات ومدن فعلية مُلحَقة يعيش فيها عشرات الآلاف من السكَّان، ويمكن الوصول منها إلى مكان العمل في منطقة تل أبيب الكبرى أو القدس خلال أقلّ من نصف ساعة على الطرق السريع المتعدِّد المسارات.
يسير بناء الطرق وتوسيع المستوطنات يدًا بيد. ويتَّضح مدى ذلك من مثال مستوطنة "نوكديم"، وهي مكان إقامة أفيغدور ليبرمان، زعيم الحزب اليميني الإسرائيلي "إسرائيل بيتينو" (إسرائيل بيتنا).
ونوكديم هي مستوطنة صغيرة نسبيًا تقع جنوب شرق بيت لحم، نمت بنسبة تسعين في المائة خلال ثماني سنوات بفضل الطريق الدائري، الذي يُوفِّر على سكَّانها السفر على الطريق الوعرة عبر البلدات الفلسطينية. وحتى أنَّ العدد الإجمالي للمستوطنين في الضفة الغربية تضاعف أربعة أضعاف منذ تسعينيات القرن الماضي، عندما بدأ بناء مثل هذه الطرق الدائرية بعد اتِّفاقيات أوسلو.
مستوطنون من الوسط الأرثوذكسي المتشدد
نصف هذه الزيادة يأتي من المستوطنين الأرثوذكس المتشددين. وتمامًا مثل اليهود المتديِّنين، يُفضِّل العلمانيون حتى الآن الاستقرار في الكتل الاستيطانية القريبة من الداخل الإسرائيلي. وحول ذلك يقول يهودا شاؤول، وهو مؤسِّس مشارك في منظمة "كسر جدار الصمت" غير الحكومية ومؤلف مشارك في التقرير الآنف الذكر: "لكن هذه المناطق الاستيطانية لا تلعب دورًا رئيسيًا في الهدف الاستراتيجي المتمثِّل في منع حلّ الدولتين". فقد تمت على أية حال في جولات مختلفة من المفاوضات مناقشةُ إمكانية تبادل الأراضي - بحيث يتم ضمّ الكتل الاستيطانية لإسرائيل وفي المقابل يحصل الجانب الفلسطيني على أرض بديلة في مكان آخر.
المستعمراتُ الاستيطانية الإسرائيلية المنتشرة في جميع أنحاء الضفة الغربية والبالغ عددها أكثر بكثير من مائة مستعمرة - هي التي تحول دون التوصُّل إلى حلّ. ولكن -بصرف النظر عن العقائديين المتديِّنين القوميين، الذين لا يدَّخرون جهدًا في استيطان "الأرض التوراتية"- مَنْ ذا الذي يريد الذهاب إلى هناك، إلى مستوطنة إيمانويل أو إيتامار أو شيلو؟ تهدف الخطة الشاملة إلى جعل موقع هذه المستوطنات أكثر جاذبية من أجل تشجيع أكبر عدد ممكن من اليهود الأرثوذكس المتشددين على الانتقال إلى أقصى المناطق في الضفة الغربية.
وبالإضافة إلى توسيع الطريق رقم 60 -الذي بدأ العمل فيه بالفعل والممتد عبر الضفة الغربية- إلى طريق سريع عادي، فقد تم التخطيط من أجل هذا الغرض لسلسلة كاملة من الطرق المتقاطعة، التي ستؤدِّي إلى أراضي دولة إسرائيل في أسرع وقت ممكن. وفضلًا عن ذلك تم التخطيط لطريق آخر يصل بين الشمال والجنوب من خلال محاور وأنفاق وجسور من أجل الوصول إلى مدينة القدس من دون ازدحام الصباح عند إشارات المرور ونقاط التفتيش.
ينشر يهودا شاؤول خريطة لهذه الرؤية المستقبلية، حيث تتقاطع في هذه الخريطة المشاريعُ الكبيرة المخطط لها -مثل شبكة العنكبوت- فوق الضفة الغربية البالغ طولها 125 كيلومترًا وعرضها حتى 45 كيلومترًا. ويشير يهودا شاؤول إلى أنَّ "المدن والقرى الفلسطينية ستصبح جيوبًا بين الطرق السريعة". ويقول إنَّ الفلسطينيين يجب عليهم الاكتفاء بالشوارع القديمة الملتوية للوصول من مكان إلى آخر، على الرغم من أنَّ عدد السكَّان الفلسطينيين أكبر بخمسة أضعاف من عدد المستوطنين.
تجزئة الأراضي الفلسطينية
وبحسب يهودا شاؤول فإنَّ أحد عناصر الخطة الإسرائيلية الشاملة هو "زيادة الفصل بشكل ملحوظ". زاد هذا الانطباع خلال جولتنا في جنوب الضفة الغربية. فبالإضافة إلى نفق جيلو الواقع على مستوى بيت لحم، يجري بناء نفق ثانٍ بثلاثة مسارات. إنَّ الذين يعيشون في بيوت المستوطنين ذات الأسقف القرميدية الحمراء سيتمكَّنون خلال سنوات قليلة من السفر إلى القدس بشكل مريح أكثر.
بينما نسلك في طريق العودة الطريق المخصَّص لسفر الفلسطينيين من الخليل أو بيت لحم إلى رام الله في الشمال. ويمتد هذا الطريق عبر طريق ريفي ضيِّق كثير الالتواءات من خلال وادي النار -الأشبه بخرم إبرة- ومن ثم عبر شارع جديد مُعَبَّد بشكل جيِّد. ولكن هذا الشارع مقسوم من منتصفه بجدار من أجل فصل حركة مرور الفلسطينيين عن حركة مرور الإسرائيليين. ولذلك يطلق عليه الناس اسم "طريق الفصل العنصري".
إنغه غونتر
ترجمة: رائد الباش
حقوق النشر: موقع قنطرة 2020
[embed:render:embedded:node:41265]