ما هي قواعد الحرب في القانون الدولي؟
الحرب قاسية ومروعة لأن الحرب هي عنف أو بتعبير أدق: استخدام العنف المنظم لتحقيق أهداف سياسية. إن تأطير هذا العنف بقواعد هو هدف القانون الدولي. ولكن بالنسبة لما يحدث في إسرائيل وغزة ليست الأمور بتلك السهولة.
بيد أن تصنيف الهجوم الدموي الذي نفذه يوم 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023 مسلحو حركة حماس -المصنفة أوروبياً وأمريكياً بأنها حركة إرهابية- وأسفر عن مقتل أكثر من 1300 شخص واختطاف ما يقرب من 200 كرهائن، واضح جلي. يرى المختص الألماني بالقانون الدولي، شتيفان تالمون، للوهلة الأولى في الهجوم "قتلاً جماعياً". لكنه وعند وضعه في إطار الصراع المستمر منذ عقود بين إسرائيل والفلسطينيين توصل تالمون إلى استنتاج: "نظراً لأن هذا الهجوم الذي وقع في السابع من تشرين الأول/أكتوبر أخذ تلك الأبعاد والشدة فإن القانون الدولي يفترض أننا نتعامل مع صراع مسلح هنا".
وبناء على ذلك أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو حالة الحرب. في اليوم التالي للمقتلة التي وقعت في جنوب إسرائيل قال نتنياهو بوضوح شديد إن جميع الأماكن التي تنشط فيها حماس أو التي تختبئ فيها سوف تتحول إلى أنقاض. ومنذ ذلك الحين، تقصف إسرائيل غزة. وذكرت مجلة إيكونوميست البريطانية أنه تم إلقاء 6 آلاف قنبلة في ستة أيام من الحرب المستمرة حتى ساعة إعداد هذا التقرير.
⚠️Israeli bombardments have destroyed around 25% of residential housing units in #Gaza in the last 10 days, creating unprecedented and urgent needs for bedding sets, dignity kits and hygiene items for 700,000 IDPs, according to the Shelter Cluster hosted by @NRC_Norway pic.twitter.com/B4AzIUh1Uf
— NRC MiddleEast (@NRC_MiddleEast) October 17, 2023
وقال دانيال هاغاري -المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي- إن "مئات الأطنان من القنابل" أُسقِطَت على غزة، مضيفاً أن "التركيز ينصب على التدمير وليس على الدقة". ووفقاً للأرقام الفلسطينية قُتل ما لا يقل عن 3000 شخص حتى كتابة هذا التقرير (19 تشرين الأول/أكتوبر 2023). وتبلغ مساحة قطاع غزة 365 كيلومتراً مربعاً فقط، وهي مساحة مدينة كولونيا الألمانية تقريباً. (الحصيلة بحلول تاريخ 23 / 10 / 2023 هي أن حماس شنت في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023 هجوما على إسرائيل هو الأعنف في تاريخ الدولة العبرية قتل فيه أكثر من 1400 شخص معظمهم مدنيون قضوا في اليوم الأول لهجوم الحركة، بحسب السلطات الإسرائيلية. وردت الدولة العبرية بقصف مكثف على القطاع أدى بحسب وزارة الصحة التابعة لحماس، إلى مقتل أكثر من خمسة آلاف 5000 شخص معظمهم مدنيون، بينهم 2055 طفلا.)
الدفاع عن النفس، ولكن بحدود
إن حق إسرائيل في الدفاع عن النفس ضد أي هجوم مسلح بموجب المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة أمر لا جدال فيه، إلا أن هذا الحق في الدفاع عن النفس مقيد بالقانون الدولي الإنساني. وأحد أهم المبادئ فيه هو شرط التمييز: يجب على الأطراف المتحاربة التمييز بين المدنيين والمقاتلين، بين الأهداف المدنية والأهداف العسكرية. لكن هذا يعني فقط أن المدنيين أو الأهداف المدنية يجب ألا يكونوا هدفاً للهجمات بشكل متعمد. وبالتالي فإن قتل المدنيين محظور فقط إذا أمكن إثبات أنه تم عن عمد.
ومن الناحية العملية يوضح أستاذ القانون الدولي -شتيفان تالمون- أن هذا يعني: "إذا قامت حماس بوضع موقع صاروخي في منطقة سكنية مدنية، فإن لإسرائيل الحق في ضرب موقع الصواريخ ذلك، حتى مع وجود خطر تضرر السكان المدنيين. وهذا الضرر الجانبي يمكن أن يكون مرتفعاً جداً، بحسب الهدف وظروف العملية العسكرية".
إن التمييز بين الأهداف المدنية والعسكرية الذي يفرضه القانون الدولي يكاد يكون مستحيلاً في قطاع غزة، وهي واحدة من أكثر المناطق المأهولة بالسكان والأبنية على وجه الأرض. وتمتد أنفاق حماس كذلك تحت المباني السكنية، وتقع مقرات ومنشآت حماس أحياناً في المباني السكنية والمكاتب التجارية. والقانون الدولي لا يولي سوى القليل من الاعتبار لذلك.
"وجود حماس وقيادتها في المدارس والمساجد والمستشفيات يجعل من تلك المنشآت أهدافاً عسكرية مشروعة. وفي الوقت نفسه إقامة حماس مواقع عسكرية في مناطق مدنية يعتبر جريمة حرب"، وفق يوضيح شتيفان تالمون.
العقاب الجماعي محظور
وتفرض إسرائيل حصاراً شاملاً على قطاع غزة. وتحدث وزير الدفاع الإسرائيلي -يوآف غالانت- عن حصار كامل سيتم من خلاله قطع إمدادات الكهرباء والمياه والغذاء والوقود عن غزة. وتتهم منظمة حقوق الإنسان الإسرائيلية -"بتسيلم"- إسرائيل بارتكاب جرائم حرب نظراً لحجم الضربات الجوية والحصار. وتحدثت منظمة "أطباء بلا حدود" عن تعرض غزة لعقاب جماعي، ما يشكل انتهاكاً للقانون الدولي.
ووفقاً للبروفيسور شتيفان تالمون: "يحظر القانون الدولي ما يسمى بالعقاب الجماعي، وفي هذه الحالة العقاب الجماعي لجميع السكان الفلسطينيين في قطاع غزة. ليس جميعهم أعضاء في حماس وليسوا جميعاً مسؤولين عن هذا الهجوم لكنهم يتأثرون برد فعل إسرائيل، أي بشكل عشوائي".
وبالإضافة إلى ذلك يحظر القانون الدولي صراحةً تجويع السكان المدنيين. ويقول شتيفان تالمون: "إذا فرضت حصاراً كاملاً فسوف ينفد الطعام أو مياه الشرب في مرحلة ما، وستكون هناك حالة مجاعة للسكان المدنيين. وهذا محظور بموجب القانون الدولي".
الإخلاء قانوني، والتهجير غير قانوني
في 13 أكتوبر/ تشرين الأول 2023 أمر الجيش الإسرائيلي أكثر من مليون مدني في الجزء الشمالي من قطاع غزة أي ما يقرب من نصف إجمالي السكان بالانتقال إلى جنوب القطاع. وينطبق الأمر نفسه على المنظمات الدولية. ومن ناحية أخرى، دعت حماس السكان إلى البقاء، وبحسب الجيش الإسرائيلي، فقد منعتهم من الفرار.
“Horrific violence has been wreaked over the last 10 days. The situation today in Gaza is catastrophic… Basic humanity needs to be restored in #Gaza.” @DrChristou sends a message on the Gaza-Israel war. pic.twitter.com/0iPBYAOR6N
— MSF International (@MSF) October 17, 2023
ونظراً لأن البنية التحتية في قطاع غزة مدمَّرة -ولقلة عدد الأماكن التي يمكن أن يذهب إليها هذا العدد الكبير من الناس- فإن الأمم المتحدة تعتبر عملية الإخلاء مستحيلة. ووصف جان إيغلاند، وزير خارجية النرويج السابق والرئيس الحالي لمنظمة الإغاثة "المجلس النرويجي للاجئين"، وكذلك اللجنة الدولية للصليب الأحمر، أمر الإخلاء بأنه انتهاك للقانون.
لكن حتى تنفيذ الأمر الإسرائيلي لا يضمن السلامة؛ إذ أظهرت لقطات فيديو تحققت منها صحيفة واشنطن بوست عدداً من الأشخاص -من بينهم عدة أطفال- قتلى على ما يبدو في هجوم إسرائيلي أثناء فرارهم جنوباً يوم الجمعة (13 تشرين الأول/أكتوبر 2023).
ومع ذلك يوضح شتيفان تالمون: "من حيث المبدأ فإن إجلاء السكان المدنيين من قبل قوة احتلال مسموح به بموجب القانون الدولي. على سبيل المثال لضمان حماية وأمن السكان ولإعطاء الفرصة والحيز للعمليات العسكرية". وفي رأي أستاذ القانون الدولي فإن إسرائيل لا تتصرف هنا "بشكل مخالف للقانون".
القانون الدولي الإنساني "قانون قديم"
"يحظر القانون الدولي أي محاولة لإسرائيل تهجير السكان من قطاع غزة بأكمله. لكن داخل أراضي العدو يمكنني بالتأكيد تنفيذ عمليات إجلاء أو نقل قسري للسكان من أجل حمايتهم وأمنهم"، يتابع شتيفان تالمون.
بشكل عام يعتبر القانون الدولي الإنساني أو القانون الدولي للحرب -كما كان يُطلق عليه في السابق- قانوناً قديماً، كما يقول شتيفان تالمون: "لقد وضعت القانون دول تفترض أنها ستشن حرباً في يوم من الأيام؛ لذلك لم ترغب في وضع أنفسها في أغلال أو فرض قواعد لا يمكنها الالتزام بها".
يذكر أن حركة حماس هي مجموعة مسلحة فلسطينية إسلامية تصنفها ألمانيا والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة ودول أخرى على أنها منظمة إرهابية.
ماتياس فون هاين
ترجمة: خ.س
حقوق النشر: دويتشه فيله 2023
We are in shock and mourning.
It is now confirmed that 29 of our colleagues in#Gaza have been killed since October 7.
Half of these colleagues were @unrwa teachers.
As an Agency, we are devastated. We are grieving with each other and with the families. pic.twitter.com/TPTdUAAjg3— UNRWA (@UNRWA) October 22, 2023