تحليل: هجوم إسرائيل على جنوب غزة يضع المدنيين في مرمى النيران

حسب الأمم المتحدة أدت الحرب بين الجيش الإسرئيلي وحماس إلى نزوح حوالي 1.6 مليون إنسان إلى جنوب غزة.
حسب الأمم المتحدة أدت الحرب بين الجيش الإسرائيلي وحماس إلى نزوح حوالي 1.6 مليون إنسان إلى جنوب غزة.

بعد أن صار الفلسطينيون محصورين فعليا، فإن المرحلة الثانية من الحملة العسكرية الإسرائيلية تنذر بمخاطر تفوق مخاطر المرحلة الأولى. وتشير تقديرات الأمم المتحدة إلى أن نحو 400 ألف من سكان غزة نزحوا نحو جنوب قطاع غزة.

قال مصدر أمني إسرائيلي كبير ومسؤولان كانا يشغلان مناصب كبيرة في السابق إن أي توغل عسكري تنفذه إسرائيل في جنوب قطاع غزة المزدحم خلال الأيام المقبلة قد يكون أكثر تعقيدا من هجومها البري في شمال القطاع، مع احتمال سقوط عدد أكبر من القتلى في صفوف المدنيين والقوات.

وأشار متحدث باسم الجيش الإسرائيلي أمس الجمعة إلى أن العملية العسكرية ضد حركة حماس ستشق طريقها نحو جنوب غزة، لكنه لم يشر إلى توقيتها.  وشهد جنوب قطاع غزة موجة من القصف يوم الخميس في محيط مدينة خان يونس، مما أثار مخاوف بين الفلسطينيين النازحين الذين يحتمون هناك من أن الهجوم العسكري المتوقع أصبح وشيكا.

وفر مئات الآلاف من سكان غزة إلى جنوب القطاع في الأسابيع الماضية بعد أن طلبت منهم إسرائيل مغادرة الجزء الشمالي من القطاع. والآن يشعر الكثيرون بالخوف بعد أن أسقطت منشورات بالقرب من خان يونس يوم الخميس تطالبهم بترك أماكنهم مرة أخرى، ولكن هذه المرة باتجاه الغرب.

وقال عطية أبو جاب من أمام خيمته التي تعيش فيها الآن عائلته بعد أن فرت من مدينة غزة "لقد طلبوا منا، نحن مواطني غزة، أن نذهب إلى الجنوب. ذهبنا إلى الجنوب. والآن يطلبون منا أن نغادر. إلى أيننذهب؟".

وسقطت المنشورات في المناطق المحيطة بخان يونس قبل القصف العنيف، وهو الأسلوب ذاته الذي استخدمته إسرائيل قبل بدء هجومهاالبري قبل ثلاثة أسابيع.

وأصدرت إسرائيل تحذيرا جديدا للفلسطينيين في مدينة خان يونس اليوم وطالبتهم بالابتعاد عن مرمى النيران والاقتراب من المساعدات الإنسانية قبل بدء الضربات الجوبة.

Here you can access external content. Click to view.

غضب بسبب تزايد الخسائر في صفوف المدنيين

وقال جيورا إيلاند، الرئيس السابق لمجلس الأمن القومي الإسرائيلي، إن الهجوم البري قد يستغرق ما بين ثلاثة إلى أربعةأسابيع لقمع مقاومة حماس في الجنوب، حيث تتمركز قيادات الحركة الآن. وأضاف في تصريحات لرويترز "يتمثل أحد أصعب التحديات في أن معظم سكان قطاع غزة يتمركزون الآن في الجنوب... قد يسقط المزيد من المدنيين... وهذا لن يردعنا أو يمنعنا من المضي قدما".

وأثارت تزايد الخسائر في صفوف المدنيين بسبب الهجوم غضبا في أنحاء الشرق الأوسط ولدى دول غربية، منها الولايات المتحدة أقرب حلفاء إسرائيل.

وتقول السلطات الصحية في قطاع غزة إن أكثر من 12 ألف شخص قتلوا منذ بداية الحملة العسكرية التي شنتها إسرائيل ردا على هجوم السابع من أكتوبر & تشرين الأول الذي نفذته حركة حماس التي تدير قطاع غزة. وتقول إسرائيل إن مسلحي حماس قتلوا نحو 1200 شخص واحتجزوا نحو 240 آخرين في الهجوم.

وقال مسؤول أمريكي كبير لرويترز إنه نظرا لزيادة عدد السكان في الجنوب، فإنه يرجح ألا تركز إسرائيل على الضربات الجوية بشكل كبير وأن تعتمد بدلا من ذلك على توغل القوات البرية، وهو ما يتفق معتقييمات مصادر إسرائيلية.

وقال المسؤول الأمريكي أيضا إن إسرائيل ليس أمامها خيار سوى شن هجوم في الجنوب إذا أرادت هزيمة حماس وهو الهدف المعلن للحملة العسكرية.

وقال الأميرال دانيال هاجاري كبير المتحدثين باسم الجيش الإسرائيلي في مؤتمر صحفي أمس الجمعة إن الهجوم الموسع سيبدأ عندما

ترى القوات المسلحة أن ذلك هو أفضل موعد لذلك. وأضاف: "نحن مصممون على المضي قدما في عمليتنا. سيكون ذلك في أي مكان توجد فيه حماس، بما في ذلك جنوب القطاع"، دون تقديم مزيد من التفاصيل.

نداء أمريكي لإنشاء ممرات إنسانية

ساندت واشنطن الحملة العسكرية الإسرائيلية الرامية إلى القضاء على حركة حماس لكن لم يصل بها الأمر إلى حد السعي لوقف إطلاق النار ولكنها دعت إلى هدنات للسماح بدخول المساعدات لسكان غزة البالغ عددهم 2.3 مليون نسمة. وقالت الولايات المتحدة إن عددا كبيرا من القتلى قد سقطوا بالفعل في صفوف المدنيين.

وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية ماثيو ميلر للصحفيين يوم الخميس "أجرينا محادثات معهم لإقناعهم بأنهم بحاجة إلى ضمان وجود... ممرات إنسانية للمدنيين بينما يواصلون النظر في تنفيذ عمليات برية أو عمليات عسكرية موسعة في أجزاء أخرى من غزة".

وتقول إسرائيل إنها تبذل كل ما في وسعها لتقليل الخسائر في صفوف المدنيين في عملياتها العسكرية، غير أن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو قال يوم الخميس إن تلك الجهود "لم تنجح"، واصفا مقتل أي مدني بأنه مأساة.

وبعد أن صار الفلسطينيون محصورين فعليا، فإن المرحلة الثانية من الحملة العسكرية الإسرائيلية تنذر بمخاطر تفوق مخاطر المرحلة الأولى. وتشير تقديرات الأمم المتحدة التي تستند إلى البيانات الصادرة عن السلطات الفلسطينية إلى أن نحو 400 ألف من سكان غزة نزحوا نحو الجنوب.

وقال المصدر الأمني ​​الإسرائيلي الكبير إنه يتوقع أن يكون القتال في الجنوب أكثر قوة وضراوة، مع احتمال سقوط المزيد من القتلى من الجانبين. وأضاف أن مدينة خان يونس تمثل قاعدة قوة لقائد حركة حماس في غزة يحيى السنوار.

وفي خان يونس، قال أحمد (23 عاما) إن عددا كبيرا من مقاتلي حماس نجوا من الهجوم في الشمال. وأضاف "هل يريد (الإسرائيليون) القدوم إلى الجنوب؟ يمكنهم ذلك. (رجال) المقاومة سيبادلونهم الهجوم لأنه لا أحد يرحب بالمحتلين".

وفي معرض تقييمه للمكاسب التي حققتها إسرائيل حتى الآن، قال إيلاند إنه يعتقد أن الجيش الإسرائيلي تعامل مع "ما يقرب من 50

بالمئة" من القدرة العسكرية لحماس.

لكن مسؤولي حماس خارج غزة الذين أصبحوا الآن الصوت الرئيسي للجماعة الإسلامية بسبب انقطاع الاتصالات داخل القطاع يصرون على أن الحركة لا تزال تحتفظ بقوتها. وقال القيادي في حركة حماس أسامة حمدان، الذي يقيم في بيروت، لوكالة الجمهورية الإسلامية الإيرانية للأنباء "المقاومة لا تزال تعتبر أنها في بدايات المواجهة وهناك عزيمة وإصرار على المواصلة".

Here you can access external content. Click to view.

التداعيات في جنوب قطاع غزة

وأشار الجيش الإسرائيلي إلى مقتل أكثر من 50 جنديا منذ بدء هجومه البري وحتى يوم الخميس، مقارنة مع 66 جنديا سقطوا في آخر

توغل كبير للجيش في عام 2014.  وقال المصدر الأمني ​​الإسرائيلي الكبير الذي طلب عدم نشر اسمه: "سيكون الوضع صعبا للغاية في خان يونس لأن الكثير من الإرهابيين فروا هناك وينفذون عمليات هناك". وأضاف أنه يرجح أن تبدأ الحملة العسكرية في الجنوب بشكل جدي في غضون أيام وقد تستغرق وقتا طويلا قد يصل إلى شهر حتى الوصول إلى الحدود المصرية.

وقال المصدر الإسرائيلي والمسؤولون السابقون إن تركز السكان في الجنوب يعني أنه من المستبعد أن تكون الضربات الجوية بالضراوة نفسها التي كانت عليها في الشمال. وأضافوا أن الجيش قد يسعى إلى حث المدنيين على التوجه إلى معسكرات الأمم المتحدة بحثا عن الأمان.

لكن هيئات تابعة للأمم المتحدة تقول إن عملياتها في غزة أصيبت بالشلل فعليا بسبب الحصار الإسرائيلي، وإن المدارس والمنشآت الأخرى التابعة لها أصبحت ممتلئة بالفعل بالنازحين.

وفي بداية الصراع، حث الجيش الإسرائيلي الفلسطينيين النازحين على التوجه إلى منطقة المواصي، وهي منطقة رملية بها بعض البساتين تقع بالقرب من الساحل الجنوبي لكنها معرضة للفيضانات. وبدأ بالفعل هطول الأمطار، وبعضها كان غزيرا.

ولا يمثل الفرار نحو الجنوب في اتجاه مصر خيارا. ومعبر رفح الحدودي بين غزة ومصر هو المخرج الوحيد الذي لا يؤدي إلى إسرائيل، كما أنه لا يُسمح بالمرور من خلاله سوى للأجانب ومزدوجي الجنسية والمرضى الذين هم في أمس الحاجة إلى ذلك. وأغلقت مستشفيات غزة أبوابها بسبب نقص الوقود.

وتقول مصر ودول عربية أخرى إنه ينبغي للفلسطينيين عدم مغادرة القطاع خوفا من تكرار حالة الاستيلاء على أراضيهم مثلما حدث مع مئات الآلاف الذين فروا عبر الحدود ولم يعودوا أبدا إلى منازلهم عند إقامة إسرائيل عام 1948.

لكن إيلاند يرى أن إسرائيل ستواصل المضي قدما حتى لو كانت الحملة التي ستنفذها في الجنوب ستسير بوتيرة أبطأ وقد تستغرق ثلاثة إلى أربعة أسابيع لتحقيق الأهداف نفسها التي حققتها في الجزء الشمالي من القطاع.

وقال إيلاند "لست متأكدا من أن جميع الأجانب يدركون المزاج الإسرائيلي: إسرائيل لن توقف العملية قبل عودة الرهائن".  (رويترز) 

 

المزيد من مقالات قنطرة التحليلية: 

قطيعة بين الغرب والعالم الإسلامي بسبب حرب غزة؟

اختلال توازن الخطاب الألماني حول حرب غزة

ما بعد الجحيم - خمسة سيناريوهات لمستقبل غزة 

موقف ألمانيا من الصراع الفلسطيني الإسرائيلي