اللبنانيون خائفون من "الأزمة الكبرى"
بدأ توافد اللاجئين السوريين إلى لبنان منذ انطلاق شرارة الأحداث السورية قبل عامين ونصف. وترجح العديد من الإحصائيات غير الرسمية تجاوز عدد اللاجئين المليون، ويعزى ذلك إلى وجود لاجئين مكتّفين اقتصاديا لا يسجلون أنفسهم لدى الجهات المعنية إلا بعد نفاد موجوداتهم. وبات اللجوء السوري إلى لبنان يزداد يوماً بعد يوم. فقد بلغ عدد اللاجئين حتى اليوم نحو 784 ألف لاجئ، وفق إحصائيات "المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين". وهذا الرقم ليس نهائياً بالطبع، وهو في ازدياد مستمر. لكن الأصوات السياسية "الرافضة" لهذا اللجوء لاسيما من قبل "التيار الوطني الحر" ترتفع أكثر فأكثر.
وتتعاون الحكومة اللبنانية تعاونا إيجابيا مع "المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين " في هذا الملف، لاسيما من خلال وزارات الشؤون الاجتماعية والتربية والصحة. كما يتعاون معها ستون شريكا من المنظمات غير الحكومية والجمعيات اللبنانية والأجنبية، بحسب ما تقول الناطقة باسم المفوضية في لبنان دانا سليمان. لكن هذه المساعدات، التي تتنوع ما بين الغذائي والطبي والصحي والتربوي وتقديم الدعم النفسي للاجئين، تظل غير كافية بطبيعة الحال بسبب الصعوبات في التمويل.
يؤثر اللجوء السوري على البنية الاقتصادية والاجتماعية اللبنانية الهشة أصلا في الأساس. فقد أوردت نشرة "جمعية مصارف لبنان" أن الدين العام اللبناني بلغ 60,2 مليار دولار في نهاية يوليو/ تموز 2013. كذلك يزيد من سوء الحال الاهتزازات الأمنية والسياسية المستمرة وعدم القدرة على تأليف حكومة لبنانية جديدة، بسبب الصراعات والتجاذبات المحلية والدولية منذ استقالة حكومة الرئيس نجيب ميقاتي في 22 مارس/ آذار 2013.
ويمكن سماع لغتين مختلفتين في بيروت تجاه اللاجئين: واحدة سياسية وأخرى شعبية. والنبرة "العنصرية" تجاه اللاجئين السوريين غالباً ما تسود اللغة الشعبية. فاللجوء السوري إلى لبنان يخلق بطالة تزداد تداعياتها لدى الطبقات اللبنانية الاجتماعية الأضعف، مثل العمال والفلاحين والحرفيين. لكن اللافت أن هذه النبرة أصابت الخطابات السياسية لدى عدد من التيارات السياسية والمسؤولين اللبنانيين، لا سيما من قيادات "التيار الوطني الحر" الذين يعبّرون بطريقة "فجّة" عن مواقف التيار الرافضة للجوء السوري.
والأكيد أن تداعيات الأزمة ستزداد كلما اقترب صقيع فصل الشتاء بسبب الأوضاع التي تعيشها نسبة كبيرة من النازحين في ظروف إنسانية صعبة، مثل السكن في البيوت المصنوعة من "التنك" والمساكن غير المجهزة أو حتى في المحال والمستودعات المقفلة إضافة إلى قساوة الطبيعة وارتفاع ثمن مازوت التدفئة وانتشار الأمراض. في وقت يعرف الجميع فيه أن تلاعبا مستمرا يطال المساعدات من قبل العديد من الجمعيات والهيئات.
فالأزمة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية تضغط على جميع المكونات اللبنانية منذ ما قبل الأحداث السورية. لكن رغم الصرخات "العنصرية" التي ترتفع بين الحين والآخر في وجه اللاجئين إلا أن هناك فئات من اللبنانيين، لاسيما في صفوف المجتمع المدني، تطالب بالتعامل معهم بإنسانية. ما يجعل من موضوع اللاجئين وأسلوب التعاطي معهم مادة سجالية يومية في الشارع اللبناني.
دعوة إلى إخراج السوريين من لبنان
تعتبر تصريحات وزير الطاقة في حكومة تصريف الأعمال جبران باسيل، المحسوب على "التيار الوطني الحر" وصهر رئيس التيار ميشال عون، من الأكثر "فجاجة" في هذا المجال. وهي ليست الأولى من نوعها، فباسيل كان قد عقد قبل فترة مؤتمرا صحافيا في مبنى الوزارة حذر فيه من أن "هذه الأزمة تهدّد الكيان اللبناني، إذ بات نحو 230 ألف لبناني مهدّدين بالبطالة بسبب هذا اللجوء، كما زاد الطلب على الكهرباء بنسبة تراوح من 213 إلى 306 ميغا".
ولفت باسيل إلى أن "التقرير الذي أصدره البنك الدولي بالتعاون مع الدولة اللبنانية لاحظ أن لبنان هو الأكثر كثافة باللاجئين في المنطقة، مسجلاً تدفقاً غير مسبوق". كما لفت إلى أن "التقرير يوضح أن عدد اللبنانيين تحت خط الفقر سيزداد 170 ألفاً، كما أن تأثير اللاجئين على الاقتصاد من 2012 إلى 2014 سيكلف 7 مليارات و500 مليون دولار". وتطرق باسيل إلى الناحية الأمنية بالقول: "يشكّل اللجوء خطراً في هذا المجال لأن الشباب السوري مدرّب في بلاده أثناء الخدمة العسكرية، كما أن 87 في المئة من المحاكمات والتوقيفات هي للسوريين، وستحصل تجاذبات وفتن متنقلة بين اللاجئين أنفسهم وبينهم وبين اللبنانيين، وفي حال تسلّح عشرة في المئة فقط منهم فيكون لدينا 40 ألف مسلح".
وإذ وصف الأزمة بأنها خطر على لبنان دعا إلى "وقف استقبال اللاجئين إلا في الحالات الاستثنائية، وإخراج السوريين من لبنان وإنشاء مخيمات لهم على أرضهم". كما طالب أيضاً بـ"تمويل لإخراج السوريين بطريقة إنسانية من لبنان وليس لتحسين ظروفهم فيه، فهناك الكثير من المناطق التي باتت آمنة في سوريا". تجدر الإشارة إلى أن "التيار الوطني الحر" الذي ينتمي باسيل إليه يمتلك تكتلا في مجلس النواب اللبناني يتألف من 27 نائباً ) من أصل 128(، إضافة إلى عشرة وزراء في حكومة تصريف الأعمال.
أعباء كبيرة
لا يرى الكاتب والصحافي ميشال أبو نجم عنصرية في تصريحات الوزير باسيل بل إنها "تعبّر عن مواقف الغالبية الصامتة من الشعب اللبناني". ويضيف: " نقول لمن يستخدم تهمة العنصرية، في الماضي قالوا عنا انعزاليين. اليوم يستخدمون العنصرية لتخجيل وتجريم اللبنانيين الذين يرفعون صوتهم للمحافظة على وطنهم. وهذا لن يثنينا عن المقاومة للحفاظ على لبنان".
من جهته، يشرح عضو الهيئة التنفيذية لحزب "القوات اللبنانية" (8 نواب) وعضو الأمانة العامة لتجمع "قوى 14 آذار" إيدي أبي اللمع أن "اللجوء السوري لا يهدد لبنان ككيان بل كحالة إنسانية كلفتها كبيرة، لأن اللاجئين يعانون من ظروف صعبة وفي حاجة إلى المساعدة. ولبنان أعجز من تلبية هذا العدد. نعرف أن هذا الوجود مؤقت، وأن اللاجئين سيعودون إلى بلادهم حين يتمكنون من ذلك وليس أسوة بلاجئين آخرين"، قاصداً بذلك اللاجئين الفلسطينيين. أبي اللمع مقتنع أنه "كلما طالت فترة اللجوء تشكلت أعباء إضافية على لبنان". ويعتقد أمين سر "حركة التجدد الديموقراطي" أنطوان حداد أنه "يتوجب النظر إلى لحظة اللجوء الحالية ككارثة وطنية كبيرة للشعب السوري الذي لا يقاس شيء بعذاباته". لكنه يتابع: "لكن نتائجها على لبنان ترقى إلى مستوى الأزمة الكبرى".
يقول أبو نجم إنه "من حيث المبدأ لا يمكن لأحد إلا أن يتفهم الظروف الإنسانية التي تدفع شرائح من الشعب السوري للنزوح إلى لبنان، فلبنان إنساني بتصرفه وسلوكه. لكننا نتحمل أعباء كبيرة تفوق قدرة لبنان، فإضافة إلى موضوع اللاجئين الفلسطينيين المستمر منذ عام 1948 يتم إلقاء أعباء ديموغرافية وصحية واقتصادية واجتماعية على لبنان". في حين لا يرى أبي اللمع أن هذا اللجوء يؤثر على الوجود المسيحي في لبنان في ما خص الاختلال الديموغرافي "طالما أن هذا اللجوء مؤقت".
إغلاق الحدود؟
وفي ما يخص الحلول الممكنة لهذه الأزمة يشرح حداد أن الحركة التي ينتمي إليها لم تتوقف عند التحذير أو الموقف السياسي بل سبق أن نظمت ورشة عمل متخصصة في إبريل/ نيسان 2013 دعت إليها المعنيين في الحكومة اللبنانية و"المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين" وهيئات غير حكومية وممثلين عن الاتحاد الأوروبي وسفارات واللاجئين أنفسهم وخرجت بمجموعة من المقررات تحت عنوان "نحو استراتيجية وطنية لمسألة نازحي سوريا". ومن أبرز المقررات الوصول إلى رؤية استراتيجية موحدة للبنانيين حول هذا الموضوع "فالحكومة السابقة قبل استقالتها لم تكن لديها نظرة لهذا الموضوع". كذلك دعت التوصيات إلى تنظيم دخول وخروج وتعريف الوافدين "فلا نستطيع أن نخلط ما بين مقيم وعامل ونازح ولاجئ".
في الوقت ذاته، يقول أبي اللمع إن "قوى 14 آذار ترى أنه يجب خلق هيئة إغاثة لبنانية للاجئين السوريين حتى تساعد على الاهتمام بهم كما يجب كي يشارك لبنان في هذه المهمة الإنسانية". لكن من جانب آخر، يرى أبو نجم أنه يجب إغلاق الحدود اللبنانية أمام اللاجئين السوريين إلى لبنان أو توزيعهم على دول عربية وأجنبية لديها الإمكانيات لاستيعابهم "فلا يمكن إعادة سقوط لبنان أمام هذا الخطر الدائم". أبو نجم مقتنع أن المنطق هو عدم تحميل لبنان أعباء أكثر من طاقته. يقول: "مدارس لبنان لا تستوعب. كذلك المستشفيات". ويعطي مثالاً عن أحد المستشفيات في منطقة زحلة البقاعية توقفت فيها المستشفى عن غسل كلى لبنانيين بسبب ضغط الحالات السورية.
يشير أبو نجم إلى أن "لا مساحة لبنان ولا وضعه الاقتصادي ولا حالته الاجتماعية تتحمل هذا النزوح". ويسأل: "لماذا أغلقت كل من تركيا والعراق والأردن حدودها أمام اللاجئين السوريين؟ هذه الدول أكبر مساحة من لبنان واقتصادياتها أفضل". لذلك وفق أبو نجم نحن أمام خيارين: انهيار لبنان تحت الوطأة السورية أو حصر تداعياتها. ولا يتم الأمر الثاني إلا "بالمقاومة ورفع الصوت. وأن تأخذ بلديات المناطق مواقف. إضافة إلى الضغط الشعبي على الأطراف السياسية المتواطئة والساكتة".
من جهة أخرى يقول حداد إن "هناك جهوداً دائمة لقوى سياسية من أجل إبراز خطر اللجوء السوري على المسيحيين في لبنان". حداد يعترف بأن هناك خطراً حقيقياً "لكن يجري تضخيمه من أجل تحقيق مكاسب سياسية. يتوجب علينا المعالجة وليس التضخيم".
يوسف حاج علي
تحرير: علي المخلافي
حقوق النشر: قنطرة 2013