جيل الألفية التركي: هل يقلب الموازين على إردوغان؟
يتحدَّث الجميع حاليًا في تركيا حول "الجيل زِد"، وهو مصطلح يشير إلى الأتراك الشباب، الذين وُلد أغلبهم بعد بداية الألفية الجديدة. جيل لا يعرف تركيا من دون الرئيس التركي رجب طيب إردوغان ومن دون حزبه الحاكم، حزب العدالة والتنمية الإسلامي المحافظ. جيل يحبّ أن يصول ويجول في وسائل التواصل الاجتماعي وقد نشأ وفي يده هاتف ذكي.
حدثت في تركيا حادثة غريبة وضعت هذا الجيل في بؤرة الاهتمام: فقد كان طلاب المدارس الثانوية يستعدُّون في عموم البلاد لأداء امتحانات الثانوية العامة، التي كان من المقرَّر أن يتم إجراؤها في نهاية شهر تموز/يوليو 2020 وتعتبر ذات أهمية وجودية بالنسبة لكثير من الشباب. ولكن تم فجأة تقديم موعد الامتحانات شهرًا كاملًا - إلى السابع والعشرين والثامن والعشرين من حزيران/يونيو 2020.
أثار ذلك غضب التلاميذ -الذين سيصبحون قريباً طلاب جامعة- لأنَّهم افترضوا أنَّ وراء قرار تقديم موعد امتحاناتهم حسابات اقتصادية. واعتقدوا أنَّ الغرض من تقديم موعد الامتحانات هو إنعاش قطاع السياحة المتعثِّر في البلاد بسب انتشار جائحة كورونا؛ فمن خلال تقصير فترة الدراسة شهرًا سيكون لدى الأتراك الشباب المزيد من الوقت للذهاب في إجازة - على الرغم من ارتفاع خطر الإصابة. غير أنَّ الحكومة التركية أنكرت هذه الاتِّهامات.
شباب أتراك في حالة من انعدام الثقة
أسلي طالبة من أنقرة عمرها تسعة عشر عامًا، كانت تريد أداء امتحانات الثانوية العامة (YKS) للمرة الثانية، ولذلك فقد كانت متوتِّرة بشكل خاص. تقول: "من الفظيع أن تكون الأولوية في هذا القرار للسياحة والاقتصاد على حساب صحتنا".
يقول فاتح، وهو أيضًا طالب من أنقرة: "أصبحنا الآن في وضع لم نعد نعرف فيه بمن نثق". ويضيف أنَّه لم يكن من الواضح حقًا حتى قبل وقت قصير من موعد الامتحانات الجديد إن كان سيتم تأجيله أم لا: "هذه هي تركيا، هنا يمكن أن يحدث أي شيء"، مثلما يقول فاتح مشتكيًا.
استخدم الشباب طريقتهم الخاصة لجعل الرئيس التركي يشعر باستياءهم: فعندما كان إردوغان يتحدَّث إلى الناخبين الشباب في بث مباشر على موقع يوتيوب قبل يوم واحد من امتحانات الثانوية العامة في "لقاء مع الشباب"، لم يُخْفِ كثير من المشاركين غضبهم.
حيث كتب الآلاف منهم أثناء ظهور إردوغان تعليقات ناقدة وساخرة - وشاركوا نشر الهاشتاغ "OyMoyYok" (لن تحصل على صوتي). وانتقلوا بعد ذلك إلى المنصة التالية - إذ انتشرت انتقاداتهم وهاشتاغاتهم على موقع تويتر مثل النار في الهشيم.
من هو الجيل زِد؟
ومنذ حملة الشباب هذه، أصبح ما يعرف باسم "الجيل زِد" موضوع بحث ونقاش. المقصود بالجيل زِد أبناء الفئة العمرية المولودين بين عامي 1995 و2010 - جيلٌ يبلغ عدد أفراده في تركيا بحسب التقديرات نحو ثلاثة عشر مليون شاب تركي. من الممكن لأبناء هذا الجيل أن يلعبوا دورًا حاسمًا في الانتخابات المقبلة. لأنَّ الكثيرين منهم سيحصلون قريبًا ولأوَّل مرة على حقّ التصويت ويشكِّلون في الوقت نفسه قوة تصويت من الصعب معرفة ماذا تريد.
أجرى معهد "غيزيجي أراشتيرما مركزي" دراسة واسعة النطاق في اثنتي عشرة محافظة تركية وضعت "الجيل زِد" تحت المجهر. وكان الهدف الرئيسي من هذه الدراسة هو الحصول على معلومات حول قناعاتهم الدينية ونظرتهم إلى العالم واختياراتهم الانتخابية.
يقول مدير المعهد مراد غيزيجي متنبِّئًا: "هذا الجيل سيكون الفاعل الرئيسي في الانتخابات البرلمانية المقبلة في عام 2023". ويضيف أنَّ الناخبين الشباب سيشكِّلون نحو اثني عشر في المائة من مجموع الناخبين، ويمكنهم بالتالي أن يفرضوا على الانتخابات قضاياهم - التي تتمثَّل قبل كلِّ شيء في "العدل" و"الدخل".
فيروس كورونا يعمق الاستقطاب السياسي في تركيا
خصوم إردوغان الجدد في تركيا - حزبا أحمد داود أوغلو وعلي باباجان
يصف الباحث في معهد غيزيجي هؤلاء الشباب بأنَّهم "أكثر صداقةً للبيئة وأكثر تعاطفًا وحساسيةً وتفكيرًا" من الأجيال الأكبر سنًا. علاوة على ذلك فقد أظهرت الدراسة أنَّ خمسة وخمسين في المائة من أبناء "الجيل زِد" لهم تأثير على سلوك آبائهم وأمَّهاتهم في الانتخابات. ولكن ليس العكس. "ذكر خمسة وثمانون ونصف في المائة من الشباب والناشئين، الذين شملهم الاستطلاع، أنَّ والديهم لا يستطيعون التأثير على اختياراتهم الانتخابية"، مثلما يقول مدير معهد غيزيجي: "يبدو أنَّ الشباب لا يهتمون كثيرًا بالقيم التقليدية".
عدم رضا "الجيل زِد" واستياؤه
يبدو أنَّه من غير المُرجَّح أن يتحمَّس الشباب الأتراك لحزب إردوغان، نظرًا إلى الأزمة الاقتصادية في تركيا. بحسب دائرة الإحصاء التركية (TÜIK) فإنَّ نسبة بطالة الشباب، الذين تتراوح أعمارهم بين خمسة عشر عامًا وأربعة وعشرين عامًا، لا تزال منذ شهور عند مستوى خمسة وعشرين في المائة تقريبًا. ولذلك يغادر الكثير من الشباب الأتراك المؤهلين البلاد إلى دول أوروبية - وهذه هجرة عقول يمكن أن تكون لها على المدى الطويل تأثيرات سلبية على سوق العمل التركية.
بالنسبة للشاب باريش أولغيل، الذي أنهى للتو دراسته الهندسة الكهربائية في جامعة سابانجي في إسطنبول، لا يوجد أيّ حزب يشعر بأنَّه يمثِّله تمثيلًا تامًا ويمكن أن يمنحه صوته. هذا الشاب يرى مستقبل تركيا بعين التشاؤم، وحول ذلك يقول: "أحبُّ بلدي، ولكنني أعتقد أنَّني سأذهب إلى الخارج لفترة من الزمن".
وكذلك تشتكي الطالبة سيمغه كورالتان، التي يبلغ عمرها سبعة عشر عامًا، من حالة عدم اليقين في بلدها، وتقول: "لا يمكن التنبُّؤ هنا بما سيحدث في العامين القادمين". وتضيف أنَّ لديها بفضل تعليمها المدرسي فرصًا في الخارج، لكنها في الواقع لا ترغب في مغادرة بلدها.
سياسة لكبار السنّ فقط؟
يرى الصحفي والأكاديمي جان إرتونا أنَّ الوصول إلى هؤلاء الناخبين الشباب مستحيل "بالطريقة القديمة". ويقول إنَّ هناك حاجة إلى إيجاد لغة جديدة لمخاطبة أبناء "الجيل زِد"، لأنَّهم يتجوَّلون بشكل أساسي في الشبكات الاجتماعية: "نحن نتحدَّث هنا حول شباب يستخدمون يوتيوب كمحرِّك بحث ويتابعون الأخبار على الإنستغرام"، مثلما يقول جان إرتونا. ويضيف أنَّ السياسيين بحاجة ماسة إلى تقديم المزيد من الحلول للمشكلات المتعلقة بهذه الفئة العمرية.
ينتقد الباحث السياسي نزيه أونور كورو الحكومة لأنَّ حزب العدالة والتنمية الإسلامي المحافظ وحزب الحركة القومية القوموي المتطرِّف يوجِّهون اهتمامهم في المقام الأوَّل إلى الناخبين الأكبر سنًّا والمحافظين وسكَّان المناطق الريفية. ويقول إنَّهم بعيدون جدًا عن أسلوب حياة الشباب: "كانت موجة الغضب من امتحانات الثانوية العامة نقطة تحوُّل. تمامًا مثلما ستكون الانتخابات البرلمانية القادمة في عام 2023 نقطة تحوُّل، عندما سيقوم الناخبون أبناء الجيل زِد بقلب الموازين".
سنام أوزدمير / دانييل دريا بيلوت
ترجمة: رائد الباش
حقوق النشر: دويتشه فيله / موقع قنطرة 2020
[embed:render:embedded:node:40876]