"اتفاق بين الأطراف الليبية أهم لأوروبا من القمة الأوروبية"
في ظلِّ الصراعات الدائرة بين المجموعات المتنافسة في الحرب الأهلية في ليبيا تمكَّن في الأشهر الأخيرة تنظيم "الدولة الإسلامية" من الانتشار على نحو متزايد خاصة في مدينة سرت الليبية، مسقط رأس معمر القذافي. وحتى أنَّه بات يُشاع أنَّ قيادة تنظيم "الدولة الإسلامية" يمكن أن تنتقل إلى ليبيا، إذا أصبح الوضع العسكري صعبًا جدًا بالنسبة لها في مدينة الرقة السورية. وعلاوة على ذلك فإنَّ ليبيا لا تزال تعتبر نقطة انطلاق مهمة بالنسبة للاجئين في طريقهم إلى أوروبا، بالإضافة إلى أنَّها خارجة تمامًا عن السيطرة.
ضمن هذا الإطار فإنَّ المفاوض الألماني مارتن كوبلر، الذين يعمل في هذا البلد الشمال إفريقي كوسيط للأمم المتَّحدة، وقد شارك مشاركة فعَّالة وحاسمة في التوصُّل إلى هذا الاتِّفاق الأخير في ليبيا، لم يقم بفعل كلِّ ما فعله بشكل مجرَّد عن المصلحة الذاتية من وجهة نظر أوروبية.
مجرَّد دافع من أجل الحوار؟
أمَّا هذا الاتِّفاق، الذي وقعَّه ممثِّلو مَرْكَزَيْ القوى المتنافسة في البلاد يوم الخميس 17 / 12 / 2015 فينصُّ بصورة خاصة على أن يتم في المستقبل تشكيل مجلس رئاسي مكوَّن من تسعة أعضاء، ومن المقرَّر له أن يُمثِّل مختلف مناطق البلاد وأن يشكِّل الحكومة الليبية. ومن المقرَّر كذلك أن يتولى المجلس النيابي الليبي -الموجود في شرق ليبيا- تشكيل السلطة التشريعية، وإلى جانبه سيتولى مجلس الدولة المهمة الاستشارية. ومن المقرَّر كذلك أن يتم بعد شهر واحد تشكيل حكومة الوحدة الوطنية الجديدة، التي أكَّد على شرعيتها قرار الأمم المتَّحدة.
وحتى الآن هذه هي الخطة - وإذا كانت ستعمل بنجاح، فستكون لدى ليبيا بالفعل بعد فترة قريبة ومن جديد حكومة واحدة. ومن الممكن لهذه الحكومة حينئذ أن تقوم مرة أخرى بإدارة عائدات تجارة النفط وأن تكون شريكًا في حوار على مستوى دولي. وبالإضافة إلى ذلك من الممكن لها أن تكون قادرة على تشكيل جيش موَّحد يقاتل ضدَّ تنظيم "الدولة الإسلامية" ويطلب من أجل ذلك أيضًا مساعدة عسكرية أجنبية.
غير أنَّ هذا الأمر لا يزال بعيد المنال. ففي أفضل الأحوال سيخلق هذا الاتِّفاق الجديد دافعًا من أجل الحوار، يمكن من خلاله أن ينشأ في ليبيا توافقٌ حقيقيٌ في الآراء. وفي أسوأ الأحوال من الممكن أن تكون له نتائج عكسية، يمكن أن يتمخَّض عنها في الوقت القريب ليس فقط مركَزَيْن رئيسيين للقوة، بل ثلاثة مراكز قوى رئيسية في البلاد.
اتِّفاق سلام غير مكتمل
تم التوقيع على هذا الاتِّفاق من قبل نائبي رئيسي البرلمانين المتنافسين. إذ إنَّ رئيسي مجلسي النوَّاب لم يشاركا في الاتِّفاق كما أنَّهما لا يزالان يحاولان صياغة اتِّفاق خاص - بعيدًا عن أي تدخُّل أجنبي، مثلما يزعمان. ولهذا السبب لم يوافق أي من البرلمانين الليبيين على هذا الاتِّفاق المدعوم من قبل الأمم المتَّحدة. وكذلك لم يوقٍّع على هذا الاتِّفاق إلاَّ قسم من نوَّاب البرلمانين. وبالتالي فإنَّ هذا الاتِّفاق يعتبر في الواقع غير مكتمل - وهو يشبه قائمة توقيعات، يمكن في أفضل الأحوال أن تصبح في الأسابيع المقبلة أطول.
والمشكلة الرئيسية تكمن في ألاَّ أحد في الحقيقة يعرف تمامًا، مَنْ لا يزال على العموم مع مَنْ ومَنْ يمثِّل مَنْ في ليبيا. والقراءة الأبسط لهذا الوضع هي أنَّ هناك حكومتين تطالبان حتى الآن بتمثيل البلاد. واحدة توصف بأنَّها إسلامية وتتَّخذ من العاصمة طرابلس مقرًا لها، والثانية تحظى حتى الآن باعتراف دولي وتتَّخذ من طبرق - في شرق البلاد - مقرًا لها. وكلا البرلمانين يتمتَّعان بدعم من التحالفات والميليشيات المحلية، وذلك لأسباب تكتيكية أكثر من كونها أسبابًا إيديولوجية. وعلى خطوط المواجهة بين كلا هذين الطرفين المتنافسين، استقرَّ تنظيم "الدولة الإسلامية"، الذي يعرف كيف يستغل فراغ السلطة من أجل مصلحته.
الجميعُ ضدَّ الجميعِ
ليبيا -البلد الشمال إفريقي- تمثِّل في الوقت الحاضر شبكة فوضوية ومعقَّدة من مراكز القوى والجماعات والميليشيات المحلية، التي تشكِّك في شرعية بعض القبائل. ومنذ فترة طويلة لا تزال مؤسَّسات الدولة موجودة على الورق فقط. وكلُّ مركز قوى من هذه المراكز العديدة يسعى إلى تحقيق أجندته الخاصة، وينضم تكتيكيًا مرة إلى هذا التحالف ومرة إلى ذلك التحالف الأكبر.
"لا تزال توجد لدى جميع الأطراف أقلية تريد نسف اتِّفاق السلام وعملية السلام ككلّ"، مثلما استنتج مؤخرًا وبعد التوقيع على الاتِّفاق وزير الخارجية الألماني فرانك فالتر شتاينماير أيضًا. وأضاف أنَّ الوضع الأمني لا يزال هشًا في العاصمة طرابلس. وهذا تعبير بلهجة لا تزال أقرب ما تكون إلى المبسَّطة.
كريم الجوهري
ترجمة: رائد الباش
حقوق النشر: موقع قنطرة 2015 ar.qantara.de