رئيس الجالية الكردية في ألمانيا: "أنا مذهول من تراخي أوروبا أمام إردوغان"
بدأت العملية العسكرية الثالثة في شمال سوريا. وهي مُوَجَّهة قبل كلِّ شيء ضدَّ الميليشيات الكردية المسلحة مثل وحدات حماية الشعب YPG. تقول الحكومة التركية إنَّها تريد بهذه العملية القضاء على الإرهابيين في الشريط الحدودي السوري التركي. فهل يمكنك الاقتناع بهذا الهدف المعلن من قِبَل أنقرة؟
علي إرتان توبراك: الرئيس التركي إردوغان يصف دائمًا جميع الأكراد على أنَّهم إرهابيون. مع أنَّ الأكراد في شمال سوريا لم يكونوا يُشكِّلون أي تهديد لأمن تركيا - ولم يهاجموا تركيا قطّ؛ بل كانوا منشغلين أكثر بالدفاع عن أنفسهم. أمَّا الادِّعاء بأنَّ الهدف من هذه العملية العسكرية هو محاربة الإرهاب فهو مجرَّد ذريعة لتبرير حرب مخالفة للقانون الدولي.
إذا لم يكن هدف أنقرة من هذه العملية هو محاربة الإرهاب - فما هي المصالح التي تسعى الحكومة التركية من أجل تحقيقها؟
علي إرتان توبراك: هدف تركيا هو أوَّلًا وقبل كلِّ شيء منع قيام ممر كردي على الحدود السورية التركية، يمكن أن تنشأ من خلاله دولةٌ كردية. وهدف إردوغان على المدى الطويل هو ضم المناطق في الشمال السوري.
من المذهل حقًا أن نشاهد مثل هذا الخطاب العثماني الجديد المستخدم حاليًا: حيث دار يوم أمس [09 / 10 / 2019] نقاشٌ في بعض وسائل الإعلام التركية فيما إن كان يتعيَّن على الأتراك مواصلة زحفهم مباشرة إلى القدس.
وبينما كانت القوَّات البرية التركية تعبر الحدود، تم وداع الجنود بعزف الموسيقى العسكرية "الإنكشارية" العثمانية. أَيُعْقَل استخدام مثل هذا العرض السخيف؟ من خلال هذه العملية يتم تحقيق تصوُّرات القوميين الأتراك عن تركيا كقوة عظمى. وهذا مُخْجِل حقًا: إذ يجب علينا أَلَّا ننسى أنَّ تركيا عضوٌ مرشَّح لدخول الاتحاد الأوروبي وعضوٌ في حلف الناتو.
يوجد بطبيعة الحال أيضًا بُعْدٌ داخلي: إردوغان يتعرَّض لضغط. وهو يريد من خلال الحرب توحيد الصفوف خلفه - وحتى المعارضة يجب عليها أن تضع نفسها خلفه، وذلك لأنَّ الرأي العام التركي ينتظر عند الدخول في حرب أن تدعم جميع الأحزاب والأطراف القوَّات المسلحة التركية.
لقد سبق هذه العملية العسكرية انسحابُ الجنود الأمريكيين من شمال سوريا. يرى كثير من النقَّاد أنَّ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قد مَهَّد بهذا الشكل الطريق لدخول تركيا. فهل يشعر الأكراد الآن بأنَّ الأمريكيين قد تخلوا عنهم؟
علي إرتان توبراك: بالتأكيد، الأكراد في شمال سوريا يشعرون بأنَّهم تُركوا لوحدهم - الأكراد في جميع أنحاء العالم يشعرون بأنَّهم تركوا لوحدهم. أقرباؤنا وأصدقاؤنا في المنطقة منكسرون - وخيبة الأمل كبيرة جدًا.
وذلك لأنَّ الأكراد لم يقاتلوا في الحرب الأهلية السورية فقط من أجل أنفسهم، بل قاتلوا من أجل أمن وسلامة الغرب ودافعوا عن القيم الغربية. من المؤكَّد والثابت أنَّ من دون دعم الأكراد لم يكن تنظيم داعش سيُهْزَم. إذ إنَّ الميليشيات الكردية في سوريا والعراق كانت تقريبًا قوَّات الغرب البرية.
من المقرَّر أن يتم إنشاء "منطقة آمنة" في المنطقة بعد انتهاء العملية العسكرية. في هذه المنطقة العازلة في شمال سوريا، يريد الأتراك توطين اللاجئين السوريين. ما رأيك في هذه الخطة؟
علي إرتان توبراك: ستشهد المنطقة قبل التوطين عملية تطهير عرقي. الهدف هو طرد الأكراد من هناك. هذه جريمة ضدَّ الإنسانية وانتهاك للقانون الدولي.
الهجوم العسكري على عفرين في شهر كانون الأوَّل/يناير 2018، كانت ترافقه عمليةُ تطهير عرقي وطرد - والآن غزت القوَّات المسلحة التركية الكانتونات الكردية الأخرى. العالم كله تقبَّل ذلك ببساطة.
يجب علينا أن نتذكَّر حرب البلقان: في تلك الفترة اندلعت حربٌ وتدخَّل حلف الناتو عندما بدأ التطهير العرقي.
هل يعني هذا أنَّك تريد المزيد من التضامن أو حتى تدخُّلًا من الغرب؟
علي إرتان توبراك: نعم. فإذا استمر العالم بالمراقبة، فسيواصل إردوغان سياساته التوسُّعية إلى ما لا نهاية.
الجميع ينهالون دائمًا على ترامب، ولكن ألمانيا وأوروبا تتحمَّلان جزءًا من المسؤولية. صفقة الاتِّحاد الأوروبي مع تركيا لم تؤثِّر في أي شيء.
من غير المعقول دعم الحكومة التركية بمليارات من أموال دافعي الضرائب، على الرغم من أنَّ تركيا تتسبب الآن من خلال هذه العملية العسكرية بموجات جديدة من اللاجئين.
أنا عاجز عن الكلام [مذهول] من عدم فعل أوروبا أي شيء وضعفها [تراخيها] حيال إردوغان. كان يجب - على أبعد تقدير في هذا الأسبوع - أن يسافر وزراء خارجية دول الاتِّحاد الأوروبي إلى أنقرة. يجب على الفور وضع عضوية تركيا في حلف الناتو موضع تساؤل.
الرئيس التركي لا يفهم إلَّا الرسائل الواضحة - يجب إفهامه العواقب. "سياسة الاسترضاء" هذه يجب إنهاؤها، نحن بحاجة إلى سياسة سلام فعَّالة.
والأحداث في شمال سوريا تؤثِّر علينا جميعًا، سيأتي لاجئون جدد ويأتي معهم إسلامويون أيضًا.
يدور الحديث عن وجود ضحايا مدنيين وعشرات الآلاف من الأشخاص الهاربين بسبب العملية العسكرية. فهل جاليتك (هنا في ألمانيا) على اتِّصال مع المتضرِّرين هناك؟
علي إرتان توبراك: كثير من أعضاء جاليتنا لديهم أقارب في المنطقة. وقد أخبرونا عن الغارات الجوية الأولى.
ولكن في لحظة ما انقطعت الاتِّصالات الهاتفية - قطعتها السلطات التركية. أنا متأكِّد من أنَّ كارثةً إنسانيةً سوف تقع. لقد جمع عشرات الآلاف من الأشخاص أغراضهم وهربوا. وباتوا يقفون وظهورهم على الحائط.
ولكن هناك شيء لا يزال يمنحني الأمل؛ فقد تلقينا الكثير من الرسائل الإيجابية: نحن نشعر بالتضامن في كلِّ مكان في ألمانيا، الكثير من الناس يقفون إلى جانبنا.
حاوره: دانييل ديريا بيلوت
ترجمة: رائد الباش
حقوق النشر: دويتشه فيله / موقع قنطرة 2019