ضرورة لجم ثورة الطاقة الشمسية في حقول اليمن
معظم الأخبار الواردة من اليمن ليست بالسارة منذ انزلاق هذا البلد الفقير في حرب أهلية أواخر عام 2014، لكن الشيء الوحيد الذي يُنظر إليه باعتباره أمرا إيجابيا يتمثل في اعتماد البلاد بشكل كبير على الطاقة الشمسية، في تحول وصفه برنامج التنمية والطاقة (EADP) ومقره برلين، بأنه "ثورة" في اليمن.
حتى قبل اندلاع الحرب، كانت البلاد تعاني من فقر ونقص في الطاقة مقارنة بدول الشرق الأوسط الأخرى. ومع اندلاع الحرب الدائرة في اليمن، تمّ تدمير أكثر من نصف البنية التحتية للطاقة الكهربائية ما أدى إلى تراجع إمدادات الطاقة الرسمية في البلاد بشكل كبير.
في البداية، لجأ سكان اليمن إلى مولدات الطاقة التي يمتلكونها والتي تعمل بالديزل لتعويض النقص والاحتياج الكبير إلى الكهرباء، لكن مع صعوبة الحصول على وقود بسبب الحصار، ترتب على الأمر ارتفاع في أسعار الوقود ما دفع الكثير من اليمنيين على التوجه إلى الطاقة الشمسية كمصدر للطاقة.
الطاقة الشمسية تنقذ اليمنيين
وفقا لبرنامج التنمية والطاقة (EADP)، ازداد الاعتماد على الطاقة الشمسية بقوة في السنوات الأخيرة باليمن حتى أصبحت اليوم المصدر الرئيسي للطاقة بالنسبة للأسر اليمنية. ومنذ عام 2016، أخذ الاعتماد على الطاقة الشمسية باليمن في تصاعد إذ "أصبح 75 بالمائة من سكان المناطق الحضرية و50 بالمائة من سكان المناطق الريفية يحصلون على طاقة شمسية" وفقا لما خلص إليه الباحثون في برنامج التنمية والطاقة (EADP).
وأشار البرنامج أيضا إلى أن هذه الطاقة المتجددة "أنقذت" الكثير من الأرواح لكونها مصدر رئيسي للطاقة بالنسبة للمستشفيات والعيادات الطبية. كما أنها غيرت أسلوب حياة اليمنيين، حتى أن قصصا لشابات يمنيات قمن بإنشاء شبكات صغيرة للطاقة الشمسية في مجتمعاتهن.
يقول الخبراء أن اليمن من أفضل مناطق العالم لاستغلال الطاقة الشمسية. وفي دارسة أممية ذات صلة، خلص الباحثون إلى أن المدراس التي تعتمد على الطاقة الشمسية ساهمت في خفض معدلات رسوب الأطفال في المدارس، والمزارعون استبدلوا المولدات الملوثة للبيئة التي تعمل بالديزل بمضخات تعمل بالطاقة الشمسية من أجل ري المحاصيل.
لكن للأسف أخذت "ثورة الطاقة الشمسية" في اليمن منعطفا قاتما إذ حذر تقرير نشره "مرصد الصراع والبيئة" في المملكة المتحدة، من شحّ خطير للمياه قد يكون سببه الطاقة الشمسية، وفق الباحثين.
الأقمار الصناعية ترصد مياه اليمن
استغل "مرصد الصراع والبيئة" في المملكة المتحدة، المعلومات المتاحة لمراقبة أثار الصراع على البيئة. وبدأ الباحثان في المرصد ليوني نيمو وإيوغان داربيشاير، عملهما في اليمن عام 2019 في مجال الزراعة والمياه الجوفية والتي يقصد بها المياه أسفل التربة وبين الصخور. واستغل الباحثان تقنية الاستشعار عن بعد بالأقمار الصناعية.
ومن أجل رصد المياه الجوفية عن بعد، استخدم المرصد بيانات الأقمار الصناعية المعروفة بالتقنية التي يُطلق عليها "استعادة الجاذبية وتجربة المناخ" أو (GRACE) والتي دشنتها وكالة الفضاء الأميركية (ناسا) لأول مرة عام 2002. وخلال هذه التقنية لا تلتقط الأقمار الصناعية صورا للممرات المائية بل تقوم بقياس تحركات المياه في العالم مثل ذوبان قمم الثلوج ومستوى المحيطات عن طريق قياس جاذبية الأرض.
وعندما يحدث تغيّر كبير في الكتلة فإن جاذبية الأرض تتغير هي الأخرى قليلا، لذا فعندما توجد مياه جوفية أقل فإن الكتلة تقل أيضا وتتحرك قليلا. تسجل الأقمار الصناعية هذه الحركة وترسلها إلى العلماء من أجل استغلال هذه البيانات في رصد التغيير في مستوى المياه على الأرض.
مستوى متدنٍ من المياه
استخدم الباحثان في المرصد الاستشعار عن بعد بالأقمار الصناعية واكشتفا أن مستوى المياه الجوفية في غرب اليمن وصل إلى أدنى مستوى له منذ بدء تسجيل بيانات الأقمار الصناعية في 2002. وخلصا إلى أن الاعتماد الواسع النطاق للطاقة الشمسية ربما لعب دورا كبيرا في انخفاض مستوى المياه الجوفية بشكل مقلق.
ويعتمد اليمنيون بشكل كبير على المياه الجوفية إذ أن اليمن يعد واحدا من أكثر البلدان التي تعاني من ندرة المياه في العالم. عندما يستخدم اليمنيون مضخات المياه التي تعمل بالديزل فإن هذه المضخات لا يتم تشغليها لفترات طويلة لأن الأمر عالي التكلفة بالنظر إلى أسعار الوقود المرتفعة وهذا ما أدى إلى نقص في المحاصيل وبالتالي الزيادة في رقعة المجاعة في البلاد.
لكن عندما يتم تشغيل مضخات المياه بالطاقة الشمسية بدلا من الديزل فإن الأمر يستمر طويلا طالما الشمس ساطعة وبمجرد إنشاء محطات للطاقة الشمسية يصبح الأمر مجانا. قد ييدو هذا التحول للوهلة الأولى مفيدا للزراعة وأيضا لتقليل الانبعاثات وتلوث البيئة لكنه في الوقت نفسه يحمل في طياته خطرا كبيرا على مستويات المياه الجوفية.
نفاد المياه الجوفية
في حوار مع دويتشه فيله قال الباحثان ليوني نيمو وإيوغان داربيشاير إنهما خلصا إلى هذه النتيجة بسبب عوامل عديدة أولها أن مستوى مياه الأمطار أعلى من المتوسط فيما لا يزال مستوى المياه الجوفية آخذا في الانخفاض. وفي ذلك يقول داربيشاير إن "هذا عكس ما قد يُتَوقَّع".
أما العامل الثاني فيتمثل في الزيادة الكبيرة جدا في استخدام الألواح الشمسية في اليمن. والعامل الثالث هو يستند على إحصائيات المسؤولين اليمنيين ففي عام 2019 كان هناك زيادة في الزراعة محليا بعد النقص الحاد في الزراعة جراء الحرب وذلك يعني أن هناك ريٌّ أكثر واستغلال أكثر للمياه. وقالت نيمو لدويتشه فيله إن "كل الأدلة تشير" إلى الزيادة الكبيرة في استخدام مضخات المياه التي تعتمد على الطاقة الشمسية.
وأكد الباحثان أنهما متأكدان بشأن ما خلصا إليه من نتائج إلا أنهما يقولان إنه من أجل إثبات هذه الفرضية بشكل يقيني فإن هناك حاجة لإجراء المزيد من الأبحاث والاختبارات في اليمن رغم أن هذا أمر صعب بسبب الحرب والمعارك الدائرة هناك. ويقول الباحثان إنه من الصعب معرفة أو تحديد متى ستنفد إمدادات المياه الجوفية في اليمن أو حتى متى يتعذر الحصول عليها.
تشير التجارب السابقة إلى أن الفرضية التي ذهب إليها الباحثان تبدو منطقية، بحسب ما يؤكد الخبير الألماني هانس هارتونغ والمتخصص في المياه والطاقة والذي قدم استشارات إلى عدد من الحكومات حول العالم لأكثر من 30 عاما في هذا المجال. وقال هارتونغ لدويتشه فيله إن "الأمر الخاص بالطاقة الشمسية يحظى بمزيد من الاهتمام مؤخرا".
قام هارتونغ بإعداد تقرير عام 2018 لمنظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة في هذا الأمر ويعتقد أن المستقبل القريب يحمل مشاكل كثيرة تتعلق بتداعيات استخدام مضخات المياه التي تعتمد على الطاقة الشمسية. وهو ما يوضحه الخبير الألماني بقوله إن تكنولوجيا الطاقة الشمسية كانت في السابق عالية التكلفة.
لكن –وفقا لهارتونغ– فإن الأمر قد "تغير فقط في السنوات الأربع أو الخمس الأخيرة إذ أصبح الأمر متاحا على شكل واسع النطاق". ويضيف أن ظاهرة التغير المناخي أدت إلى انخفاض هطول الأمطار وهو أيضا يعني أن الكثير من السكان يُرغمون على استغلال المياه الجوفية من أجل الري وأنهم باتوا في حاجة إلى سحب المياه من جوف الأرض.
وقام هارتونغ مؤخرا في تقييم مصادر المياه في تونس، مشيرا إلى أن " السلطات (التونسية) قلقة جدا بسبب أنها ترى الكثير من الآبار التي يتم إنشاؤها بشكل غير قانوني ولجوء الكثيرين إلى ري محاصليهم باستخدام الطاقة الشمسية". ويضيف الخبير "إذا اعتمد شخص ما على الطاقة الكهربائية في الري فيمكن تجنب الري الجائر والمفرط عن طريق تقليل إمدادات الطاقة الكهربائية. لكن عندما يتم استخدام الطاقة الشمسية فلا يمكن لأي شخص السيطرة أو التحكم في الأمر".
الرحيل أو الموت
يشير الخبير الألماني هانس هارتونغ إلى أن حكومات ومنظمات إغاثة بدأت في استغلال الطاقة الشمسية دون النظر في العيوب التي قد تترتب على هذا الأمر. ويضيف "من المهم أن يتم إنشاء محطات للطاقة الشمسية في المناطق التي يكون فيها هذا الأمر منطقيا".
في المقابل، ينفي نينو كوكوريتش -عالم الجيولوجيا المائية ومدير المركز الدولي لتقييم موارد المياه الجوفية ومقره في هولندا- أن تكون الطاقة الشمسية هي السبب. ويضيف كوكوريتش في مقابلة مع دويتشه فيله أن "المحك الرئيسي في الأمر يكمن في التنفيذ".
ويحذر المركز الدولي لتقييم موارد المياه الجوفية على موقعه الإلكتروني من موقعه الإلكتروني من استغلال مضخات المياه التي تعمل على الطاقة الشمسية. ويقول المركز إنه "لا بد من وضع لوائح واضحة ومراقبة ذات فعالية لمستوى المياه الجوفية. من دون ذلك سيصعب السيطرة على ضخ (المياه)".
وفي هذا الصدد، دقّ جميع الخبراء -الذين تحدثت إليهم دويتشه فيله- ناقوس الخطر إزاء تداعيات هذا الأمر في اليمن. ويوضح كوكوريتش أنه "إذا نفدت المياه الجوفية في اليمن فإن على السكان التحرك والرحيل وإلا فهم معرضون للهلاك". ومع ذلك لا يعني هذا عدم الكف عن استخدام الطاقة الشمسية في اليمن، إذ تقول نيمو الباحثة في "مرصد الصراع والبيئة" في المملكة المتحدة، بل وتضيف الباحثة "الهدف هو جعل استخدام المياه أكثر استدامة".
كاثرين شير
ترجمة: م.ع / و.ب
حقوق النشر: دويتشه فيله 2021
[embed:render:embedded:node:43180]