حلي الأديان الثلاثة- رمز لتفاهم عالمي أوسع
يضع أغلب الناس حلياً مختلفةَ الألوان والأشكال، تعكس ذوقهم أو اتجاهاتهم الدينية وربما السياسية والفكرية. لكن الحلي الدينية أشد وقعاً على من يراها، لأن للرمز الديني قدرة على لفت الأنظار أكثر من غيره من الرموز، فمن ينظر إلى أحد ما يتقلد صليباً، سيعلم أن حامله يتديّن بالمسيحية. ومن تمر بجانبه حسناء فوق جيدها مصحفٌ سيعرف يقيناً، أن الحسناء مسلمة، إذ إن الرمز يعبر عن الاعتقاد أو حتى عدم الاعتقاد ربما. حتى أن العديد ممن لا يؤمنون بدين معين، يلجؤون إلى حمل رموز بعينها للإشارة إلى عدم إيمانهم. والرمز بدون شك يكشف إلى حد كبير عن شخصية حامله، ويمنح من يراه تصوراً مسبقاً للفكر أو الدين الذي يحمله.
تناقض الرموز
لكن، ماذا إذا حمل أحد ما مجموعة من الرموز المختلفة في اتجاهها الفكري أو العقائدي؟ بل إنها، مثلما يظنها المرء من أول وهلة، مجتمعة في حالة من التناقض الشديد. ماذا سيظن المرء، لو شاهد قلادة تحمل في وسطها حليةً من ثلاث رموز: "الصليب، نجمة داوود، والهلال معاً"؟ هل سيثير ذلك استغرابه أم توجسه، أم ربما الاثنين معاًً؟ أو لعله سيوقف حامل القلادة ويسأله عن دينه، وعما إذا كان يمزح أو يبحث عن الإثارة فقط؟
لعل الإجابة ستكون مثل إجابة فرانسيسكا دانكر، السيدة الألمانية التي أبتكرت حِلية (لايبل أوف لوفLabel of Love )، وهي عبارةٌ عن قرص يحمل كل هذه الرموز مجتمعة. فرانسيسكا توضح سبب تصميمها هذه الحلية بالقول:"الهدف يتمثل في إيجاد جو من التلاؤم بيننا. بالإضافة إلى خلق جو من السلام، رغم كل الاختلافات العقائدية التي تفصلنا". وتشير المصممة الألمانية إلى الانطباع الذي يمكن أن تتركه هذه الرموز بالقول: "الرموز الثلاث، تمتلك القدرة على جلب الانتباه. فكيف الحال، إذا أجتمع الثلاثة معاً. سيكون الأمر بالتأكيد مثيراً للانتباه والتساؤل". وجلب الانتباه، سيدفع الآخرين إلى التفكير بطبيعة هذا العمل، فهل هي رغبة في أثارة الآخرين فقط، ولكن إلى ماذا؟ تشير فرانسيسكا، إلى أنها لا تنوي إثارة مشاعر من يؤمن بالاديان السماوية، ولا تريد الإساءة إلى أحد، بل بالعكس، فجل ما ترغبه فيه مع فريق عملها، هو أن تدفع الآخرين إلى الحوار.
أما الذي أيقظ بخاطرها هذه الفكرة، فهو أن لها الكثير من الأصدقاء من ثقافات مختلفة وأديان أكثر اختلافاً، وأغلبهم يضعون حلياً دينيةً قديمةً تشير إلى عقائدهم. والجميع أصدقاء رغم الاختلافات العقائدية التي تفرق بينهم. وتضيف فرانسيسكا أن البداية كانت مع أصدقائها، ثم بدأ العديد من الناس في ارتداء حليتها. فهل هل هي دعوة لحاملي العقائد السماوية الثلاث للجلوس معاً حول طاولة واحدة والإيمان بشيء جديد؟ فرانسيسكا تنفي ذلك بشدة، كما تنفي أن لها رغبة في ابتكار دين أو عقيدة جديدة، فهذا ليس هدفها. وتقول المصممة الألمانية إن عملها لا يحمل رسالة سياسية أو دينية، وهي وزملاؤها في هذا العمل لا يرغبون في تكوين عقيدة جديدة أو يحاولون التأثير على عقائد أخرى. وتضرب مثلاً بالقول: "الكثير من أصدقائي المسيحيين أو اليهود يحملون الصليب بجانب الرموز الثلاث، والمسيحيون منهم يبقون مسيحيين واليهود يبقون يهوداً" وتؤكد أن لا رغبة لها في الدخول بنقاش حول أصول الأديان التوحيدية الثلاث.
"رسالة سلام"
لكن التعامل مع الرموز الدينية من الأمور المثيرة دائماً والمسببة في الوقت نفسه لمتاعب ومخاطر، كما ترى فرانسيسكا. غير أنها تدافع عن مشروعية الأعمال التي تثير فضول الآخرين وتساؤلاتهم، لكن ضمن حدود، حيث تقول: "أعتقد أن الخطر يكمن فيما لو حاول المرء أن يفرض قناعاته على الآخرين بشكل ما، وأنا بكل تأكيد لا رغبة لي في ذلك". ثم تضيف قائلة: "تصوري من خلال عملي هذا، هو أن علينا جميعاً حمل رسالة سلام، رسالة ايجابية، بغض النظر عن ديانتنا، أو القومية التي ننتمي إليها".
حاملي هذه الحلية، هم ممن يُطلق عليهم بالمواطنين العالميين (Cosmopolitan)، أناس يسافرون كثيراً حول العالم، ويتعرفون على ثقافات مختلفة ويتعلمون لغات كثيرة، ليعودوا حاملين بتصورات أكثر حداثة للعالم. كما أنهم منفتحين على كل إنسان يحمل عقيدة أو ثقافة مختلفة. هكذا تصف فرانسيسكا حاملي حليتها. وتشير إلى أن بعضاً من أصدقائها المسلمين، يرتدون هذا الحِلية، بجانب رموزهم الإسلامية الأخرى، مثل أسم "الله". لكنها تؤكد بالقول: "لا يريد أصدقائي بكل تأكيد أن يغيروا من عقيدتهم". وتذكر المصممة الألمانية أن لها صديق سعودي من عائلة محافظة، كان قد تلقى تعليمه في أوروبا. وهو يضع القلادة أيضاً للتعبير عن تصور يدعو إلى احترام ثقافة وديانة الآخرين. ولعل وجوده في أوروبا خلال دراسته، جعله في حوار دائم مع الآخرين من الثقافات والأديان الأخرى. والذين أضحوا بعد ذلك أصدقاء مقربين إليه، كما تقول فرانسيسكا.
مثال مسلم آخر على قبول فكرة فرانسيسكا يمثله مصمم الغرافيك المغربي الأصل هشام سنداجي، الذي لا يمانع من حيث المبدأ بارتداء هذه الحلية، فهي تعبر، حسب رأيه عن التسامح والتعايش بين الناس، بغض النظر عن العقيدة التي يحملونها، ويقول: "لا فرق بين المسلمين واليهود والمسيحيين، يجب أن نتعلم التعايش مع بعضنا. ون يقبل كل منا الاختلاف الذي يحمله الآخر".
فكرة التعايش
ويحمل كل رمز رسالة معينة يريد من يحملها الإشارة إليها، خاصة حينما يكون لرمز ما، بعدين بنفس الوقت، ديني وسياسي، فالصليب يمكن مشاهدته في أعلام دول أوروبية وغير أوربية، للإشارة إلى التقاليد المسيحية لهذه الدول. أما نجمة داود، فهي في منتصف علم دولة إسرائيل. والهلال، رغم إنه لا يمثل أي بعد ديني عند الإسلام، إلا أن دولاً عربية وإسلامية عدة، منحته مكاناً في أعلامها، بعد أن ورثته من الدولة العثمانية.
كل ذلك لم يمنع هشام من القبول بفكرة هذه الحلية، فهو لا يعتقد أن لـ"ليبل أوف لاف" أي بعد سياسي. وهو لا يهتم على الإطلاق لهذا الجانب، رغم إن التعامل مع الرموز من صميم عمله. إلا أن الرمز يعبر عن الانتماء، فإلى ماذا ينتمي هشام، إلى ثقافته الإسلامية، أم أنه متعدد الثقافات؟ يقول هشام إنه رغم كونه مسلماً ثقافةً وانتماءً إلا أنه بجانب ذلك مؤمن بالحوار بين الثقافات. ويقول مصمم الغرافيك المغربي: "أنا انتمي لفكرة التعايش التي يعبر عنها ليبل أوف لاف، وبما أن هذه الرموز تشكل وحدة مع بعضها البعض، فأنا أنتمي لهذه الوحدة وأتعايش مع الفكرة التي تقول، إن من الأفضل لنا أن نقبل بعضنا البعض بغض النظر عن الاتجاه السياسي والديني".
هذه هي الرسالة التي تقول فرانسيسكا أن لها رغبة في إيصالها، فهي تؤكد على أنها لا تريد بعملها هذا الدخول في نقاش عقائدي ولا سياسي، بل إنساني، وأن الفرق لا يشكل سبباً للتناقض، بل لإثراء الثقافات. وأن هناك أفكاراً وعقائد أخرى، يجب احترامها وأخذها بنظر الاعتبار. وتضيف "المسلمون الذين يحملون هذا الرمز بجانب رموزهم الدينية، يحملون هذا الرمز كإشارة للتعبير عن السلام. وهي فلسفة تستحق الاحترام".
عباس الخشالي
مراجعة: عماد غانم
حقوق النشر: دويتشه فيله 2011