مواريث إسلامية لا سند لها في القرآن؟
اختفت أسماء المرابط عن الأنظار حتى حين. حيث لم تعد تجري مقابلات ولم تعد ترد على بريدها الإلكتروني. كما اعتذرت عن مشاركتها في نقاش حول "المرأة والدين" بالمعهد الثقافي الإسباني في الرباط أواخر شهر آذار/مارس 2018. فهي بحاجة الآن لفترة استراحة. تمكَّنت الدوائر المحافظة من دفع الناشطة النسوية أسماء المرابط إلى التخلي عن منصبها كمديرة "مركز الدراسات والبحوث في القضايا النسائية في الإسلام" (مركز دراسات المرأة الإسلامية) في "الرابطة المحمدية للعلماء"، وهو مركز أبحاث يعمل من أجل إسلام حديث تحت رعاية العاهل المغربي محمد السادس.
وقد أثارت استقالة أسماء المرابط ضجة كبيرة في المغرب. فقد وصفتها وسائل الإعلام الوطنية بأنَّها ضحية للسلفيين والمحافظين. "أسماء المرابط: ضحية على مذبح النظام الأبوي"، مثلما جاء مثلًا في عنوان لمجلة تيل كيل المغربية. وفي بيان مكتوب دافعت الناشطة النسوية البارزة أسماء المرابط عن موقفها وقدَّمت بعض الملاحظات حول أسباب استقالتها ثم قرَّرت الانسحاب بصمت.
تُعَدُّ الطبيبة والمؤلفة المغربية أسماء المرابط واحدة من كبار روَّاد الإسلام الليبرالي الإصلاحي في المغرب. وقد كتبت حتى الآن سبعة كتب وصفت فيها كيف يمكن تحرير النصوص القرآنية من التفسيرات الأبوية. وبحسب رأيها فإنَّ القرآن لا توجد فيه أية آية يمكن أن تُبرِّر تفوُّق الرجال على النساء. من أجل قراءة مقاصدية وغير مُسيَّسة للقرآن كتبَتْ أسماء المرابط في بيانها: "لقد دافعت دائمًا عن قراءة مقاصدية، إصلاحية وغير مُسيَّسة للنصوص الدينية من أجل وضع مقاربة جديدة لقضية المرأة في الإسلام". وذكرت أنَّ "هذا العمل ما فتئتُ أقوده دائمًا من خلال تفكيك القراءات المُجحفة" خاصة من خلال إصداراتها المختلفة في "مركز الدراسات النسائية". وحول استقالتها كتبت أسماء المرابط: "كنت مضطرة إلى تقديم استقالتي بسبب الاختلاف حول قضايا تتعلق بمقاربة إشكالية المساواة في الحقوق من داخل المرجعية الإسلامية". هذه الصيغة عامة للغاية. لقد كان الدافع الفعلي للحملة ضدَّ أسماء المرابط هو دعوتها إلى إنهاء التمييز ضدَّ المرأة من خلال نظام الميراث الإسلامي الحالي. لقد عرضت في محاضرة أقامها مركز الدراسات النسائية دعوتها هذه وشرحت كيف تناقلتها وسائل الإعلام المغربية. وأسماء المرابط ليست المرأة الوحيدة التي تطالب في هذا البلد المغاربي بقانون ميراث متكافئ، بيد أنَّ اسمها البارز أعطى هذا الموضوع زخمًا إعلاميًا. تمييز قانوني ضدَّ المرأة ينصُّ قانون الأسرة المغربي (مدوَّنة الأسرة المغربية) على أنَّ تنظيم الميراث يتم وفقًا لمبدأ يعرف باسم "التعصيب": وبحسب هذا المبدأ لا يحقُّ للمرأة في حالة الميراث إلَّا نصف ما يحقّ للرجل. على سبيل المثال إذا توفي والدُ امرأة ما ولم يكن لها إخوة ذكور، فعندئذ يجب عليها أن تشارك ميراثها مع أقاربها الذكور البعيدين. وهذا الحكم يمكن أن يؤدِّي إلى متاعب كبيرة في حال إصرار الأعمام أو أبناء العم البعيدين على حقِّهم في الإرث، ليحرموا بذلك النساء من أساسهن الاقتصادي. تحاول الأسر الليبرالية تجنُّب هذا القانون، على سبيل المثال من خلال منح أولياء الأمور أملاكهم للبنات وهم على قيد الحياة. "يزداد عدد آباء الفتيات الراغبين بنقل أملاكهم لبناتهم وهم على قيد الحياة"، مثلما تقول أخصائية علم النفس سهام بنشقرون من الدار البيضاء: "هذا يدلّ على أنَّ لدينا مشكلة هنا". تُعَدُّ سهام بنشقرون مع أسماء المرابط من الناشطات الرائدات في مكافحة التمييز ضدَّ المرأة في قانون الإرث. أصبحت مطالبهن مسموعة أكثر منذ عدة أعوام. لقد مثَّلت توصية "المجلس الوطني لحقوق الإنسان" في شهر تشرين الأوَّل/أكتوبر 2015 نقلة نوعية مهمة في هذا النقاش. فقد أوصى هذا المجلس بكلِّ صراحة في تقريره بالمساواة بين الجنسين في الميراث، وأثار بذلك نقاشًا يريد المحافظون تجنُّبه بأي ثمن. غير أنَّ هذه التوصية لم تكن لها في البداية أية عواقب، وذلك لأنَّ الأحزاب السياسية لا ترغب في تناول هذا الموضوع.
نداء من أجل إلغاء قانون الميراث الإسلامي في شهر نيسان/أبريل 2017 نشرت سهام بنشقرون كتابًا جماعيًا بعنوان "ميراث النساء"، مع مساهمات من مؤلفين من مختلف التخصُّصات باللغتين الفرنسية والعربية. كذلك بادرت الطبيبة النفسية سهام بنشقرون بتوجيه نداء في شهر آذار/مارس 2018 يدعو إلى إلغاء نظام الإرث عن طريق التعصيب من قانون المواريث المغربي. وقَّع هذا النداء أكثر من مائة مثقَّف مغربي من بينهم مثلًا الكاتبان ليلى سليماني وإدريس كسيكس. يرد في هذا النداء أنَّ نظام الإرث عن طريق التعصيب "لم يَعُد يتوافق مع ما طرأ على الأسرة المغربية من تحوُّلات في السياق الاجتماعي الحالي. إذ يجعل النساء الأكثر فقرًا أكثر هشاشة، ويجبر الكثير من الآباء على التخلي عن ممتلكاتهم لبناتهم وهم على قيد الحياة… علمًا بأنَّ هذا القانون هو اجتهاد فقهي لا يوجد له أي سند في القرآن الكريم". ولكن مع ذلك فإنَّ نظام الإرث في الإسلام مثِّل أيضًا قضية مشحونة رمزيًا في المجتمع المغربي، تمُسّ الجذور الثقافية العميقة ويتعلق أخيرًا وليس آخرًا بصراعات توزيع الممتلكات. وقد أظهرت الاستطلاعات أنَّ أغلبية كبيرة من المغاربة من الجنسين تعارض التغيير. فالكثير من الناس يرون أنَّ هذا الحكم محدَّد من الله.تحاول أسماء المرابط منذ أعوام تغيير هذه القناعات من خلال كتاباتها. إذًا ما سبب ردود الفعل العنيفة هذه في هذا الوقت بالذات؟ من جانبها لا تريد المؤلفة أسماء المرابط التعليق في الوقت الحالي على هذه الأحداث. ولكن لقد أجابت بالنيابة عنها سهام بنشقرون على استفسار من موقع قنطرة. ترفض سهام بنشقرون قصة أسماء المرابط كضحية للسلفيين. وتؤكِّد الطبيبة النفسية سهام بنشقرون على أنَّ استقالة أسماء المرابط جاءت نتيجة لصراعات مألوفة داخل المؤسَّسة [الرابطة المحمدية للعلماء]. وأنَّ وسائل الإعلام المحلية والدولية قد بالغت في هذه القضية. وتقول: "من خلال ذلك فقد حصلت استقالة أسماء المرابط على أهمية مبالغ فيها، وباتت تصرف الانتباه عن القضية الحقيقية". إصلاح نظام الإرث الإسلامي في تونس لقد أُعيد طرح القضية الحقيقية في المغرب أيضًا بسبب الأحداث في البلد المجاور تونس، والتي تتم متابعتها عن كثب في المغرب. ففي تونس من الواضح أنَّ إصلاح نظام الميراث في الإسلام بات أمرًا وشيكًا. فقد أعلن الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي في شهر آب/أغسطس 2017 عن أنَّ قانون الإرث سيتم تعديله ليتناسب مع الدستور الجديد لعام 2014، والذي يعتبر بموجبه النساء والرجال متساوين في الحقوق بشكل صريح.
وأضاف أنَّ هذه المساواة في الحقوق يجب أن يتم تطبيقها أيضًا في قانون الإرث، الذي يتبع حتى الآن في تونس الليبرالية المبادئ الإسلامية. ومن أجل ذلك فقد وضع الرئيس السبسي لجنة برلمانية، أرادت في الأصل تقديم مشروع قانون جديد في شهر شباط/فبراير الماضي (2018). لقد كانت ردود الفعل على اقتراح السبسي متباينة. ففي حين أنَّ فقهاء الأزهر في القاهرة سارعوا إلى وصف هذه المبادرة كعمل "ضدَّ تعاليم الإسلام"، فقد وافق كلٌّ من مفتي الجمهورية التونسية والإسلاميين المعتدلين في حزب النهضة على اقتراح السبسي ورفضوا التدخُّل من القاهرة. لكن لم يتم فورًا عرض مشروع القانون الجديد. فقد قرَّرت اللجنة المعنية تأجيل النشر إلى ما بعد الانتخابات المحلية التونسية في شهر أيَّار/مايو 2018، وذلك من أجل إبقاء هذه القضية خارج الحملة الانتخابية. وبناءً على ذلك فإنَّ تونس لا تزال تكافح من أجل إلغاء معقل آخر من معاقل التمييز القانوني ضدَّ المرأة. وفي المغرب تستمر النقاشات. وضمن هذا السياق أعلنت أسماء المرابط في بيانها أنَّها لا تريد التراجع بأية حال من الأحوال. وكتبت على موقعها على الإنترنت أنَّ استقالتها من الرابطة المحمدية للعلماء "مرحلة وانتهت". وأضافت: "سأواصل عملي كباحثة حرة لا أخشى في طريق الحقّ لومة لائم". كلاوديا ميندهترجمة: رائد الباشحقوق النشر: موقع قنطرة 2018ar.Qantara.de