ضغط الاحتجاجات حفز إيران على التقارب مع السعودية

فتاة كاشفة الرأس تقف أمام برج آزادي في طهران تظهر علامة النصر بكلتا يديها  نوفمبر  / تشرين الثاني 2022 - إيران.
فتاة كاشفة الرأس تقف أمام برج آزادي في طهران تظهر علامة النصر بكلتا يديها نوفمبر / تشرين الثاني 2022 - إيران.

استيقظ العالم على خبر عاجل وهو اتفاق إيران والسعودية على استعادة علاقاتهما الدبلوماسية والامتناع عن التدخل في شؤون بعضهما البعض. علي فتح الله نجاد وأمين ناييني يتأملان لموقع قنطرة في دوافع إيران.

الكاتبة ، الكاتب: Ali Fathollah-Nejad & Amin Naeni

في 10 آذار/مارس من عام 2023، استيقظ العالم على أخبار عاجلة تدور حول توصّل الخصمين في الشرق الأوسط، إيران والمملكة العربية السعودية، إلى اتفاق لاستعادة العلاقات الدبلوماسية في غضون شهرين والامتناع عن التدخّل في شؤون بعضهما البعض الداخلية.

**************

شكّل الاتفاق الذي سهّلته الصين، حتى بالنسبة للمراقبين الخبراء، مفاجأة، بما أنّ المحادثات بين طهران والرياض على مدى العامين الماضيين فشلت في تحقيق أي نتائج. بالنسبة للمملكة العربية السعودية، يمكن أن توفر الصفقة المزيد من الأمن، وتجنّب تكرار هجمات الطائرات بدون طيار التي حدثت في أيلول/سبتمبر من عام 2019، والتي خفضت إنتاج النفط في منشآتها في مدينة بقيق وخُريص إلى النصف، وأُلقِي باللوم فيها على إيران.

وبالنسبة إلى الجمهورية الإسلامية، كان الدافع الأساسي وراء البحث عن التقارب الرغبةَ في درء أي تداعيات ناجمة عن الضغط الفريد الذي تتعرض له منذ اندلاع الاحتجاجات الثورية في الخريف الماضي (2022). وفي غضون ذلك، بيّنت طهران لجمهورها المحلي أنها لا تزال قادرة على التصدّي للعزلة الدولية المتزايدة والمناورة في المياه الدبلوماسية الدولية. وبالنسبة للمجتمع الدولي، ولا سيما الغرب، هدف النظام إلى إعادة تصنيف نفسه بوصفه لاعباً بنّاءً له دور يلعبه في المساهمة في السلام والأمن. وفي غضون ذلك، من السابق لأوانه القول ما إن كانت الصفقة ستؤدي إلى نقطة تحول حقيقية في الجغرافيا السياسية الإقليمية.

مواجهة تهديد وجودي

منذ حوالي 5 سنوات، أعلن رئيس الولايات المتحدة الأمريكية آنذاك، دونالد ترامب، سياسة "الضغط الأقصى" على جمهورية إيران الإسلامية، ولم يفرض على طهران عقوبات اقتصادية حادة فحسب، بل فرض أيضاً ضغوطاً عسكرية وسياسية ودبلوماسية، مثل قتل الجنرال قاسم سليماني، قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، بمسيَّرة. وصف المسؤولون الإيرانيون تلك الفترة بأنها "أصعب سنوات بعد الثورة الإسلامية" على الإطلاق مرّ بها النظام.

لكن منذ اندلاع الاحتجاجات في إيران في أيلول/سبتمبر الماضي 2022، بدأت نوعية جديدة من الضغط الأقصى في الظهور، ضغط قد يكون ذا قدرة على التحوّل إلى تهديد وجودي للجمهورية الإسلامية.

 

 

يُمارَس هذا الضغط الأقصى غير الرسمي من قبل الإيرانيين داخل وخارج البلاد نتيجة الوحدة غير المسبوقة في النضال ضد النظام الحاكم في طهران. والقاسم المشترك بينهما، إضافة إلى الهدف المركزي، المتمثّل في السعي إلى انهيار الجمهورية الإسلامية هو نتيجة نقلة نوعية. كان هناك إدراك جماعي بأنّ الإصلاح داخل حدود الجمهورية الإسلامية لم يعد خياراً وأنّ الطريق الوحيد للمضي قدماً هو المسار الثوري.

واعترف عضو مجلس الخبراء الإيراني، أحمد خاتمي، الذي يتمتع بعلاقات وثيقة مع القيادة الإيرانية العليا، أنّ الاحتجاجات الأخيرة قد فرضت على النظام "أصعب أيام على مدار الـ 44 عاماً الماضية". وبينما غالباً ما يشير المسؤولون الإيرانيون إلى الحركة الخضراء لعام 2009 بوصفها "فتنة"، وصف الجنرال حسن كرمي، قائد الوحدات الخاصة بالشرطة الإيرانية، الاحتجاجات الأخيرة بوصفها "فتنة عظمى". إذاً ما الذي يقود هذا الضغط الأقصى غير الرسمي، ولماذا يُعتَبرُ من قبل السلطات الإيرانية بمثابة تهديد خطير؟

رجال الدين الإيرانيون يخسرون قاعدتهم

وحذّر المرشد الأعلى علي خامنئي من أنّ "هدف العدو كان إخضاع الجمهورية الإسلامية من خلال إثارة فتنة وريبة داخل البلاد". وفي الوقت ذاته، أقرّ الرئيس السابق لجهاز استخبارات الحرس الثوري الإيراني، حسين طائب، بأنّ الخلاف القائم بين الدولة والمجتمع يشكّل تهديداً كبيراً. وبفضل فقدان النظام لرأس المال الاجتماعي، فإنّ وجود الجمهورية الإسلامية ذاته في خطر. وعلى الصعيد المحلي، تحدث تغييرات كبيرة عبر المجتمع الإيراني، وتشكّل العمود الفقري لذلك الضغط الأقصى غير الرسمي ضد النظام.

رفض الرياضيون غناء النشيد الوطني أو استخدام العلم الرسمي. لم يشارك مخرجون وممثلون مشهورون في مهرجان فجر السينمائي الدولي الذي ترعاه الدولة. والأهم من ذلك، فإنّ العديد من النساء ما زلن يَسِرْن في الشارع بلا حجاب، بينما يستمر الناس في ترديد الشعارات المناهضة للنظام من فوق أسطح منازلهم ومن نوافذهم، على الرغم من الانخفاض الذي طرأ مؤخراً على احتجاجات الشارع.

وإضافة إلى ذلك، هذه المرة لا يقتصر نزع شرعية النظام على الطبقة الوسطى. إذ اعترف حسن الخميني، حفيد مؤسس الجمهورية الإيرانية، بأنّ خسارة النظام للطبقات الدنيا، التي يُنظر إليها تقليدياً بوصفها قاعدته الاجتماعية، أمر خطير. في الواقع، في المجتمع الإيراني اليوم، تشارك جميع ميادين الحياة في الاحتجاج، وبالتالي ترسل رسالة إلى القيادة مفادها بأنها لم تعد تؤمن أيضاً بالنظام السياسي الحالي.

بينما تحاول السلطات التظاهرَ بأنّه لم يتغير شيء في البلاد وأنّ الاحتجاجات قد انتهت، يواجه المجتمع مرة أخرى خطر الانفجار، مما يعيد إشعال موجة جديدة من الاحتجاجات التي قد يكون من الصعب احتواؤها.

الشتات الإيراني مُتَّحد

حذّر محمد رضا باهنر، وهو سياسي بارز كان نائباً في البرلمان لمدة 28 عاماً، من أنه بينما يعتقد بعض المسؤولين أنّ "أعمال الشغب" (المصطلح الذي يُستخدم غالباً بلغة النظام لتسمية الاحتجاجات) قد أُنهِيت، فإنّ هناك مشاكل مختلفة، من المُرجّحِ أن تثير المزيد من الاضطرابات في المستقبل، لا تزال دون حل. كما أنه يقرُّ بأنّه "لم يرَ قَطُّ الشتات الإيراني متّحداً بهذا الشكل" في إيصال صوت المحتجين داخل البلاد.

 

مُحتَجّ في برلين يحمل لافتة عليها كلمة "قاتل" وصورة رمزية مُركَّبَة لشخصين مشنوقين مرسومين على وجه المرشد الأعلى لإيران آية الله علي خامنئي.  A protester in Berlin holds a placard with the word 'murderer' and an image of two hanged individuals superimposed over the face of Iran's supreme leader Ayatollah Ali Khamenei (image: Weber/Eibner-Pressefoto/picture alliance)
الإيرانيون مُتَّحدون في كل مكان: نوعية جديدة من "الضغط الأقصى" يمارسه الإيرانيون في داخل البلاد وخارجها نتيجة الوحدة غير المسبوقة في النضال ضد النظام الحاكم في طهران. والقاسم المشترك بينهما، ناهيك عن الهدف المركزي المتمثّل في السعي إلى انهيار الجمهورية الإسلامية، هو نتيجة نقلة نوعية. كان هناك إدراك جماعي بأنّ الإصلاح داخل حدود الجمهورية الإسلامية لم يعد خياراً وأنّ الطريق الوحيد للمضي قدماً هو المسار الثوري.

 

وبالتالي، بالنسبة للقيادة في طهران، فإنّ احتجاجات الشوارع ليست المشكلة الوحيدة. على الرغم من أنّ النظام قد شهد احتجاجات على مستوى البلاد في 2009 و2018 و2019، إلا أنّ مشاركة الشتات الإيراني بفعالية في إيصال أصوات المتظاهرين إلى العالم أضافت بعداً جديداً إلى الانتفاضة الأخيرة. على سبيل المثال، نظّم الشتات الإيراني عدة مظاهرات حاشدة وحثّ الدول الغربية على ممارسة المزيد من الضغوط على النظام.

تحاول حملة حالياً دفع الاتحاد الأوروبي إلى تصنيف الحرس الثوري الإيراني، وهو شريان الحياة للجمهورية الإسلامية من الناحية السياسية والاقتصادية والعسكرية، بوصفه منظمة إرهابية. في المقابل، ساعد نشاط الشتات في تكثيف الضغوط في الداخل، مما أدى إلى تأجيج حملة غير رسمية من الضغط الأقصى.

أكّد مؤخّراً عباس عراقجي، السكرتير الحالي للمجلس الاستراتيجي الإيراني للعلاقات الخارجية (SCFR) وكبير المفاوضين النوويين خلال إدارة حسن روحاني السابقة، أنه "لا ينبغي لنا السماح بمظاهرات منتظمة ضد إيران في الاتحاد الأوروبي أو في الولايات المتحدة"، مضيفاً أنه يجري الآن "مشروع لتشويه سمعة الجمهورية الإسلامية في العالم وإضفاء الطابع الأمني عليها ونزع الشرعية عنها".

 

 

علي فتح الله نجاد / أمين ناييني

ترجمة: يسرى مرعي

حقوق النشر: موقع قنطرة 2023

ar.Qantara.de

 

علي فتح الله نجاد زميل ماك كلوي في الاتجاهات العالمية مع المجلس الأمريكي لألمانيا (ACG)، وزميل مشارك ومؤلف تقرير إيران تحت المجهر، في معهد عصام فارس للسياسات العامة والشؤون الدولية (IFI) بالجامعة الأمريكية في بيروت (AUB)، مؤلف "إيران في ظل نظام عالمي جديد ناشئ: من أحمدي نجاد إلى روحاني" (2021)، ومقدم مشارك في بودكاست برلين الشرق الأوسط (مؤسسة كونراد أديناور).

 

أمين ناييني مرشح لنيل الدكتوراه في معهد ألفريد ديكين للمواطنة والعولمة (ADI)، جامعة ديكين، أستراليا.