محاولة إحياء مقهى "نقش" في عمّان بعد إغلاقه...الفكرة لا تموت
"أُغلق المقهى الثقافي ولكن الفكرة لم تمت"، هكذا أجاب يحيى أبو صافي مؤسس مقهى الفضاء الثقافي "نقش" عندما سُئل عن مشروعه الذي بدأه قبل أربع سنوات. "كنا نحكي عن آمالنا وعن طموحاتنا والتي هي جزء من آمال وطموحات أبناء الشرق الأوسط بأن يكون هناك سلام وحب وحياة جميلة للجميع".
مقهى "نقش" هو فضاء ثقافي واجتماعي في وسط عمّان يغلب عليه الطابع الشبابي. افتتح المقهى في عام 2014 بعد ترميم بقايا منزل قديم بُني في عام 1919 وبقي مهجوراً لأكثر من 15 عاماً. أُغلق ذلك الفضاء الثقافي-الاجتماعي في منتصف عام 2016. واليوم، يأمل يحيى أبو صافي بتجديد التجربة مرة أخرى رغم صعوبة التحديات.
تأتي تلك المحاولات من أبو صافي وزملائه بالرغم من الضائقة المالية والعراقيل، التي يواجهونها في الدوائر الحكومية الأردنية للحصول على ترخيص. ويعتقد أبو صافي بعدم وجود اهتمام كاف بالمشاريع الثقافية من قبل الحكومة.
وعلقت الناشطة الثقافية والاجتماعية إكرام عقرباوي على هذا التطور مستذكرة: "واكبت كل فعاليات نقش". كما شاركت عقرباوي نفسها بتنظيم فعاليات كإقامة معرض للرسوم التشكيلية وتنظيم أمسية شعرية ومعارض للأعمال اليدوية للشابات والشباب.
وعلى الرغم من طابعه الشبابي، توجهت فعاليات المقهى لكل الفئات العمرية. وتصف عقرباوي مشاعرها: "حزنت لفقداننا هذه الفكرة في عمان. كنا نقدم فعاليات لا تستطيع مؤسساتنا القيام بها. كنا نعطي من روحنا رغم نقص الدخل المادي".
یحاول السکان المحلیون في الأردن خلق وإبداع وتنفیذ أفكار مبتكرة علی المستویات المحلیة بعيداً عن السياسة والدين. والهدف من ذلك هو زيادة الوعي وتطوير طرق جديدة للتفكير لتحسين حياة الناس في المنطقة وتعزيز الحوار الثقافي بين الشرق والغرب.
وقد يكون أثر هذه المشاريع بالكاد ملحوظاً على نطاق واسع؛ إلا أن أثرها كبير على المستوى المحلي في المجتمع الأردني. "نعنى بتنمية المعرفة وتنمية المهارات وبالتبادل الثقافي على الصعيدين المحلي والخارجي"، أضاف أبو صافي الذي ينحدر من أصول فلسطينية".
فعلى الصعيد المحلي، أخبرنا أبو صافي أن المقهى يقدم فعاليات للتبادل الثقافي ووصل عرى العلاقة بين الشباب من مناطق عمان الغربية والشرقية، ولا سيما أن الموقع الجغرافي للمقهى يتوسط الحد الفاصل بين عمان الغربية والشرقية.
تنقسم عمان بشكل عام إلى جزئيين مختلفين جداً على المستويين الاجتماعي والطبقي. عمان الغربية هي حي الأغنياء والميسورين: المدراء والدبلوماسيين والمسؤولين الحكوميين رفيعي المستوى ورجال الأعمال. البنية التحتية والخدمات العامة فيها بأفضل حالاتها. الصورة معاكسة تماماً في عمّان الشرقية؛ إذ يسكنها الفقر والبؤس. ويعاني ذلك الجزء من المدينة وبشكل واضح من نقص المرافق والخدمات العامة وتهالك البنية التحتية.
رفض للأفكار الظلامية والمتطرفة
على الصعيد الخارجي، يقدم المقهى فعاليات تجمع الأردنيين وغير الأردنيين من مناطق الجوار أو من أنحاء العالم مثل فرنسا وألمانيا وإسبانيا وإيطاليا وأمريكا وغيرها. "كنا نحاول تقديم منصة للإبداعات والطاقات الشبابية من العرب والأجانب،" أشار أبو صافي وقال مضيفاً: "مقهى نقش هو جسر للتبادل الثقافي بين الشباب لتعزيز وتنمية مواهبهم من خلال تمكين الثقافة التقدمية التي ترفض الأفكار الظلامية والمتطرفة".
واسترسل أبو صافي بشيء من السعادة، "استضاف المقهى العديد من الفعاليات الثقافية" مثل الحفلات الموسيقية والمعارض الفنية والجلسات الثقافية والمسرح وأمسيات الشعر وتبادل اللغات، ويضيف قائلاً: "ضم المقهى عدة أندية: لغوية وتبادل ثقافي بين الشرق والغرب وأخرى للقراءة".
وبهذا الصدد أخبر أحد رواد المقهى، ويدعى محمد صعوب: "كنت أشترك بأمسيات الكتاب والأمسيات الشعرية. نقش كان يقدم فضاء ثقافي واجتماعي لايقدمه أي مقهى تقليدي آخر ".
عدم رضى عن "المسيرة التقدمية" للمقهى
أُغلق المقهى على خلفية عدم إعطاء الجهات الحكومية الترخيص لمواصلة العمل. "رغم أن أمانة عمان لديها دائرة ثقافية، لكن لم يكن لديهم اهتمام لدرجة أنهم حاربوا المشروع" يؤكد لنا أبو صافي. ويمضي قائلاً: "كانوا يرسلون موظفيهم كل أسبوعين أو ثلاثة أسابيع لإغلاق المقهى مما أدى إلى إغلاق المقهى معظم أيام الشهر، هذا بالإضافة للخسارات المادية كالأجور ومصاريف الكهرباء".
كما يرى أبو صافي أن السبب هو عدم الاهتمام الحكومي بالنشاط الثقافي الفردي أو الجماعي، حيث تخلت الحكومة عن دعم البرامج الثقافية لصالح دعم المشاريع الاستثمارية في السنوات الأخيرة. ويعزو أبو صافي مسألة عدم الاهتمام بمقهى نقش بالتحديد إلى صلات المؤجر، الذي لم يكن راضياً عن "مسيرة المقهى التقدمية"، بمسؤولين بالدولة حيث أنه كان يعمل بالقصور الملكية مما عرقل عملية الترخيص وبالتالي إغلاق المقهى.
المساهمة في التغيير الاجتماعي
ويبدو أن تأثير مقهى "نقش" على الشباب كان إيجابياً، خاصة أن العديد من الشباب كانوا يرتادون المقهى بانتظام ويستخدمونه كمجال للتدريب على الموسيقى والغناء والرسم وتبادل الأفكار. "أهل الحي الذي كان يقع به المقهى كانوا منقسمين بالنسبة للمقهى؛ أفرز نقش عملية تغيير اجتماعي بين شباب وشابات الحي إلى درجة أن الكثير منهم كانوا يتطوعون للعمل معنا"، يؤكد أبو صافي ويضيف: "قمنا بأكثر من مبادرة لتنظيف الشارع وطلاء الأرصفة والسلالم وزراعة الأزهار بالشارع. وكانت تلك بشكل غير مباشر مبادرة بيئية لصالح أهل الحي، في حين أن مؤسسات الدولة، التي لم تعطينا الترخيص، لم تكن مهتمة بنظافة الشارع".
وبدورها قالت الناشطة ومنسقة الفعاليات الثقافية شيمة التل أنها كانت تشارك بالفعاليات المختلفة وترتاد المقهى بشكل مستمر"حزنت (لإغلاق المقهى) لأن المكان كان يحوي على طاقات إيجابية كثيرة. الآن نحن نبحث مع يحيى أبو صافي لإيجاد مكان آخر حتى تستمر الفكرة".
حقوق النشر: دويتشه فيله 2017