ماذا بعد سقوط الأسد؟
تقترب سوريا من أن توصد الباب على أربعين عاما من الديكاتتورية؛ فالشعب لا يستطيع غير ذلك. لكن الخطر قائم من أن الحرية التي ستتحقق قد تغرق من جديد من بحر من الدماء. وهنا يتوجب على المجتمع الدولي أن يقدم مساعدته. فقد أشعل في الخامس من مارس ـ آذار 2011 شباب في المدينة المهمشة درعا أعمق ثورة في تاريخ سوريا منذ خمسمائة عام.
لقد خرج الشباب للتظاهر ضد الفساد وضد المخابرات وضد الفقر، فألقي القبض عليهم وتعرضوا للتعذيب. ولما سأل الآباء عن أبنائهم، طردهم رئيس المخابرات، الذي تجمعه قرابة مع الرئيس بشار الأسد ليخرجوا للتظاهر في يوم غد ولكن بشكل محتشم ولم ينبسوا بكلمة ضد الرئيس. لكن الرئيس ظل سجين منطق نظامه، ولهذا أمر بإطلاق النار عليهم، حيث تعلم ذلك من والده. في حين يرفع الناس صوتهم، يستحقون حينها درسا قاسيا. هذا ما طبقه الأسد الأب عام 1982 في حماة، إذ خلفت المذبحة التي ارتكبها مقتل ما يزيد على عشرين ألف شخص. لكن حظ الإبن سيء، فالسياق الزمني تغير. وبشار الأسد لا بد أنه يكذب لما يتحدث عن إجراء إصلاحات، فأول إصلاح حقيقي يجب أن يكون حل الأجهزة الأمنية التي تقتل شعبها. لكن من شأن ذلك أن يشكل خطرا كبيرا عليه، فإذا ما سحب الدبابات والقناصة من المدن، فإنها ستسقط في يد الثوار.
عقلية الثأر
إنني أكتب مقالا لجريدة المعارضة "صفحات سورية" ضد عقلية الثأر ومع شجاعة أن أمد يدي لعدوي. إنني أكتب خوفا على الطائفة العلوية التي تشكل الأقلية في البلاد والتي قمعت في سوريا طيلة قرون، وتحكم البلاد منذ أربعين عاما. فالمتطرفون يطالبون بالانتقام، ولهذا يتوجب على المعارضة المتنورة أن تكافح ضد ذلك. فالنظام هو الطاعون والحرب الأهلية هي الكوليرا. لقد حدث أمر عظيم رغم أن التشاؤم كان سيد الموقف. فالحكام كانت لهم السلطة المطلقة والغرب كان موافقا على ذلك. والإنسان العربي ظل يبحث عن عزاءه في الاستهلاك، والمثقفون قضوا نحبهم في السجون أو المنافي، والمعارضة مقموعة. لكن ماذا الآن؟ الأسد سيسقط لا ريب، فالشعب لن يستطيع العودة إلى الوراء. لكن ماذا بعد ذلك؟ ألمانيا شهدث إثني عشر سنة من الديكتاتورية النازية ومازال تأثير ذلك واضحا حتى يومنا هذا.
أما سوريا فإنها تقبع تحت الديكتاتورية منذ أربعين عاما. فكيف ستكون ردة فعل الناس إذا ما ذاقوا طعم الحرية؟ لكن مع ذلك فالسوريون سيحررون أنفسهم بأنفسهم، لكن ماذا سيأتي بعد سقوط النظام؟ حرب أهلية؟ حكومة وحدة وطنية مؤقتة؟ انقلاب دموي؟ هل يسيطر المتطرفون على السلطة؟ لكن على المرء أن لا يشعر بالخوف من المتطرفين. حتى وإن ظهروا اللحظة بمظهر قوي، فهم لا يملكون مشروعا لحل الأزمة السورية. والبلاد لن تسمح بحكم الشريعة. فأربعون في المائة من سكان البلاد ليسوا سنة ولهذا من المحتمل أن يؤدي انقلاب أو حرب أهلية إلى إغراق الحرية في بحر من الدم.
ولهذا يتوجب على الغرب أن يدعم المعارضة الديمقراطية، كما فعل في شرق أوروبا. فهذا وحده القمين بالحيلولة دون سيطرة المتطرفين على الحكم أو سقوط البلاد في أتون حرب أهلية. أليس هذا مدهشا أن الأنظمة التي رفعت في بداياتها شعار "الدين أفيون الشعب" هي من بنت نظاما شبه ديني؟ أسرة الأسد نفسها كانت تعتقد بحب الجماهير لها، بعبقريتها الإلهية. في حين أن الحمار حتى لو قيل له ألف مرة بأنه أسد وليس حمارا فلن يصدق. فالحمار ليس غبيا كما نعتقد.
مراكز سلطة كثيرة مرتبطة بدمشق
اختفى ما لا يقل عن ثمانين ألف شخص منذ شهر مارس ـ آذار. ويعتقد أنهم مسجونون في ملاعب كرة القدم وفي الثكنات بل وحتى في بواخر قبالة الميناء. وأتخوف أن يكون الكثير منهم قد قضى نحبه. أما معرفة حقائق كل الجرائم التي اقترفت بحق الشعب السوري فتظل مسألة وقت فقط. فالسوريون يدفعون مرة واحدة ما دفعه التونسيون والمصريون واليمنيون بالتقسيط. ورغم أن الغرب ينتقد نظام الأسد لكنه يقدم له من باب خلفية نظام برمجة، يسمح له بالقضاء على أقوى سلاح في يد المعارضة السورية وهو الإنترنت. وهكذا تستطيع المخابرات السورية أن توقف عمل الانترنت في مناطق بأكملها وتتجسس على اتصالات المعارضة وتشوش عليها، بفضل الدعم الأمريكي.
وبسبب خلاف مع صديق فلسطيني، انتهت علاقة صداقة عمرت خمسة وعشرين عاما. فبالنسبة له يعتبر النظام السوري القلعة الأخيرة للقومية العربية. فقد سردت عليه جرائم النظام بحق أمته التي يحبها، لكن الرجل يغادر مكانه في النهاية وهو يشعر بالإهانة. وبعدها تحدثت ليلا مع مثقف سوري، إنه متخوف من الفراغ، متخوف من أن أفكاره لم يعد لها تأثير. إنه شخص يعتقد بدور المثقف في قيادة الشعب. واليوم أضحى لا شيء بعد أن أخذ الشباب من نساء ورجال، لا يملكون حتى قدرا ضئيلا من معرفته، بزمام المبادرة.
المهمة الصعبة
إن السوريين أمام مهمة هي الأصعب من نوعها في سياق الثورات العربية. فالعديد من مراكز السلطة مرتبطة بنظام دمشق. اسرائيل وايران وحزب الله والعراق وتركيا وروسيا والسعودية. الأكراد يريدون حكما ذاتيا، وهم على حق في ذلك. وكل ذلك سيخرج من عقاله لما يسقط نظام الأسد.
إنني لا أحسد صديقي برهان غليون على دوره في قيادة المجلس الوطني السوري ولربما على قيادة الحكومة المؤقتة بعد سقوط الأسد. فالحكومات المؤقتة يتم طردها دائما في نوع من نكران الجميل لما يشعر المواطن بالأمان. والجامعة العربية هي مجمع للديكتاتوريين والمراقبون الذين اختارتهم لن يكونوا أفضل منها. لكن وصولهم الى سوريا كان نصرا للمعارضة، ولأول مرة اضطر النظام أن يعترف بأن الثورة لا يمكن القضاء عليها، لا بالجيش ولا بالمخابرات ولا بفرق الموت.
وهو أمر يتجاوز بكثير ما استطاعت الأمم المتحدة بسكرتيرها العام ومجلسها الأمني ومفوضيتها لحقوق الإنسان ومعها الآتحاد الأوروبي تحقيقه. أنا الآن عضو في اتحاد الكتاب السوريين وبداخله نجد إلى جانب كتاب معارضين، كتابا كانوا الى وقت قريب من أنصار النظام. وقد راودتني في البداية فكرة أن أمتنع عن الانتماء إلى هذا الاتحاد بسبب ذلك، لكن علينا أن نتعلم الغفران، وإلا فسنخسر كل شيء.
رفيق شامي
ترجمة: رشيد بوطيب
مراجعة: هشام العدم
حقوق النشر: زود دويتشه تسايتونغ/ قنطرة 2012
يعد الكاتب الألماني السوري الأصل رفيق شامي من أهم الكُتاب في ألمانيا. وقد تم تكريمه أكثر من مرة إذ منح شامي جائزة "ضد النسيان- من أجل الديمقراطية" تقديرا لإبداعه ونشاطه من أجل الديمقراطية، كما حصل على جائزة أدبية أخرى في ولاية راينلاند بفالتس.