هل الفيتو الروسي من أجل الحفاظ على ''محور الشر الشيعي''؟
لو افترضنا أن مجلس الأمن الدولي تبنى يوم السبت (4 فبراير 2012) قراراً يدين أعمال العنف التي يرتكبها نظام الرئيس بشار الأسد في سوريا ، سواء بدعم العضوين الدائمين روسيا والصين أو بامتناعهما عن التصويت، فهل سيؤثر هذا القرار على الأسد؟ هل سيؤدي إلى هدنة في حمص والمدن السورية الأخرى، بدلاً من حرب أهلية متصاعدة؟
لا يمكن لأي أحد أن يعلم ذلك يقيناً. فمنذ شهور تدل المؤشرات على أن النظام الحاكم في دمشق لا يأبه بالانتقادات الدولية لما يقوم به، وأنه مصرّ على سحق المعارضة بالقوة، دون أن يبالي بالخسائر وحتى لو أدى ذلك إلى سقوطه. لكن من المؤكد أن الأسد سيشعر بتأييد لأسلوب القمع الوحشي الذي يستخدمه ضد المعارضة من خلال إعاقة روسيا والصين للقرار الأممي، ولهذا فإن أي انتقادات حادة لبكين وموسكو مشروعة ومطلوبة، على الأقل فيما يخص حقوق الإنسان.
أسلحة للطغاة
هذا النقد لانتهاك حقوق الإنسان مبرر أيضاً، حتى وإن صدر عن حكومات غربية انتهكت ذاتها حقوق الإنسان والقانون الدولي في السنوات الأخيرة، عندما شنت حرباً على العراق، أو لا تزال تدعم أنظمة استبدادية معينة في الشرق الأوسط سياسياً وعسكرياً، مثل السعودية ودول الخليج، بهدف ضمان مصالحها الجيوستراتيجية والنفطية. ومع وجوب انتقاد الفيتو الروسي والصيني، يجب علينا أن نبحث عن الأسباب التي دفعت كلاً من بكين وموسكو لذلك، خاصة وأن هذه الأسباب تظهر تحمل الغرب لجزء من المسؤولية السياسية عنها.
أهم دوافع استخدام الدولتين لحق النقض، بحسب دبلوماسيين، كان التجربة التي خاضتها أثناء وبعد تبني قرار مجلس الأمن الدولي حول ليبيا في مارس من العام الماضي. فموسكو وبكين سمحتا آنذاك بصدور القرار - رغم تحفظهما الشديد - من خلال امتناعهما عن التصويت. إلا أن حلف شمال الأطلسي، ومن خلال "استغلاله لهذا القرار"، شنّ حرباً على ليبيا حتى سقط النظام، دون أن يكون لمجلس الأمن أي تأثير على الأحداث. ويقول الدبلوماسيون ذاتهم إن هذا "يجب ألاّ يتكرر مرة أخرى في سوريا".
وبالإضافة إلى هذه التحفظات، فإن مصالح روسيا مع أحد آخر حلفائها في الشرق الأوسط تشكل سبباً آخر لاستخدامها الفيتو، إذ تعتبر روسيا أهم مصدّر للأسلحة إلى سوريا، وهي ترغب أيضاً في توسيع قاعدتها البحرية على الساحل الغربي للبلاد. وأخيراً فإن النخب السياسية والعسكرية في موسكو وبكين بدأت تعتقد بأن الغرب يريد الإطاحة بنظام الأسد من أجل إضعاف التحالف بين سوريا وإيران، وذلك تمهيداً لضربة عسكرية تستهدف منشآتها النووية.
تحالف ضد "محور الشر الشيعي
وساهم في تقوية هذا الاعتقاد الدعم الكبير الذي تحشده كل من السعودية والكويت والإمارات العربية المتحدة، بقيادة قطر، سواء بين أعضاء مجلس الأمن الدولي أو في جامعة الدول العربية، من أجل استصدار قرار حول سوريا. ولا يخفي دبلوماسيو هذه الدول، التي تقطنها أغلبية سنية أو تحكمها أقلية سنية، أنهم لا يقومون بذلك من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان، بل لإضعاف إيران - العدو الشيعي اللدود، عن طريق تدمير ما بات يسمى بـ"محور الشر الشيعي" الذي تتزعمه طهران، والمكون من سوريا ومنظمة حزب الله في لبنان وحركة حماس في قطاع غزة. وتأمل هذه الدول أن يقضي إسقاط نظام الأسد، الذي تتحكم فيه أقلية شيعية علوية بالبلاد، على هذا المحور. وعندئذ لن تكون هناك فرصة لصمود حكومة رئيس الوزراء نوري المالكي، المبنية على أقلية شيعية برلمانية، في العراق.
المستقبل في سوريا مظلم، إذ باتت فرص تدخل خارجي فاعل شبه معدومة، في ظل مواجهة فاشلة في مجلس الأمن وتصاعد العنف داخل البلاد. إضافة إلى ذلك منيت "المبادرة الدبلوماسية" التي طرحتها موسكو لإنهاء الأزمة في سوريا بالفشل قبل أن يقوم وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف بزيارة دمشق. فالمعارضة السورية لا تقبل روسيا شريكاً للحوار أو وسيطاً، خاصة بعد استخدامها للفيتو مؤخراً. كان بإمكان لافروف أن يقنع أجزاء من المعارضة بقبول المبادرة لو أعلن وقف بلاده الفوري والتام لتوريد الأسلحة إلى النظام السوري. لكنه، وبدلاً من ذلك، أرسل بإشارات داعمة للأسد في كل ظهور علني له هناك.
أما بالنسبة لما أعلنت عنه بكين من بذل جهود دبلوماسية "لإيجاد حل سياسي للصراع"، فلم يتمكن أي من الدبلوماسيين الصينيين من الإجابة عن تساؤل حول ما الذي ستجلبه هذه الجهود. ومن غير الواضح أيضاً الدور الذي ستلعبه "مجموعة الاتصال حول سوريا"، المكونة من دول عربية وغربية وتركيا، في تخفيف حدة التصعيد.
تأثير العقوبات
ما ينتويه الاتحاد الأوروبي من تشديد العقوبات على سوريا لن يؤثر على الأسد، إذ تعرض نظامه ونظام والده من قبله لعزلة سياسية واقتصادية دامت سنوات طويلة، سواء من قبل الغرب أو من بعض الدول العربية أحياناً، الأمر الذي جعل النظام معتاداً على هذه الأجواء. هذا يجعل فرص انفجاره من الداخل ضعيفة للغاية. وبالإضافة إلى استناده على حزب البعث وعدد كبير من أجهزة المخابرات، فإنه مدعوم من القوات المسلحة التي يبلغ قوامها 420 ألف شخص. من انشقوا عن القوات الحكومية وانضموا إلى ما يعرف بـ"الجيش السوري الحر" لا يتجاوز عددهم عدة آلاف.
كما أن الأسد يثق بجنرالات الجيش، ممن ينتمون إلى عشيرته أو تم انتقاؤهم بكل عناية. وبالإضافة إلى ذلك، فإن هؤلاء الجنرالات وعائلاتهم مرتبطون بمصالح اقتصادية وثيقة مع النظام، لذلك فإن مستقبلهم يعتمد بشكل أساسي على بقاء النظام الذي يدافعون عنه، وهو ما يعتبر مؤشراً على تصعيد أوسع للحرب الأهلية في سوريا - تلك الحرب التي ستدوم فترة أطول وتسفر عن ضحايا أكثر من الحرب التي عرفتها ليبيا العام الماضي. كما أن نتيجة هذه الحرب تبقى غامضة حتى الآن.
أندرياس تسوماخ
ترجمة: ياسر أبو معيلق
مراجعة: هشام العدم
حقوق النشر: قنطرة 2012
يعمل أندرياس تسوماخ، المولود عام 1954، مراسلاً لصحيفة "تاغستسايتونغ" الألمانية لشؤون الأمم المتحدة، وهو يقيم في مدينة جنيف السويسرية. أحداث مؤلفاته كتاب "الحروب القادمة"، الذي صدر عن دار كيبنهوير وفيتش للنشر.