فزع أوباما من الديمقراطيات العربية
سيد تشومسكي، لقد زعم الكثيرون أن العالم العربي غير قابل للديمقراطية. هل ترى أن التطورات الأخيرة أبطلت هذه الأطروحة؟
نعوم تشومسكي: هذه الأطروحة كانت تفتقد لكل أساس منذ البداية. فالعالم العربي الإسلامي له تاريخ طويل مع الديمقراطية. غير أن المساعي الرامية إلى الديمقراطية كانت قوى غربية تقوم بتدميرها. ففي سنة 1953 تبنى إيران نظام حكم برلمانيا، غير أن الولايات المتحدة وبريطانيا قامتا بالإطاحة به. وفي عام 1958 اندلعت ثورة في العراق، نحن لا نعرف بدقة النتيجة التي كانت هذه الثورة ستؤدي إليها، لكنه من الوارد أنها قد تكون أدت إلى الديمقراطية. إلا أنه في الواقع قامت الولايات المتحدة بتنظيم انقلاب على هذه الثورة. في هذا السياق تكلم دوايت أيزنهاور الرئيس الأمريكي آنذاك في نقاشات داخلية رفعت عنها السرية، عن وجود حملة كراهية ضد أمريكا في العالم العربي، حملة لم تنظمها الحكومات وإنما الشعوب نفسها. على إثر ذلك قامت هيئة التخطيط العليا لدى مجلس الأمن الوطني بإعداد مذكرة – وهي موجودة الآن في الإنترنت وبذلك في متناول الجميع – هذه المذكرة تقول إن هناك شعورا في العالم العربي بأن الولايات المتحدة تسد الطريق أمام الديمقراطية والتنمية في العالم العربي وتدعم الديكتاتوريين الوحشيين للسيطرة على النفط. ما تقوله المذكرة هو أن هذا الشعور صحيح وأن هذا ما يتعين على أمريكا أن تفعله تماما.
هذا معناه إذا أن الديمقراطيات الغربية هي التي تمنع نشوء ديمقراطيات في العالم العربي؟
تشومسكي: لن أدخل الآن في التفاصيل، لكن نعم، هذا هو فعلها ليومنا هذا. هناك ثورات ديمقراطية تندلع باستمرار، يقمعها ديكتاتوريون يحظون بدعمنا، بدعم أمريكا وبريطانيا وفرنسا على وجه الخصوص. من المستحيل أن تنشأ الديمقراطيات إذا دمرنا كل شيء. هذا القول كان ينطبق كذلك على أمريكا اللاتينية: لقد دعمنا هناك أيضا سلسلة طويلة من الديكتاتوريين والقتلة الوحشيين. ما دامت الولايات المتحدة تسيطر على المنطقة، كما فعلت أوربا من قبلها، فلن تنشأ هناك ديمقراطيات، لأنها ستدمر.
هل يفهم من هذا أنك لم تتفاجأ بالربيع العربي؟
تشومسكي: بصراحة أنا لم أتوقع ذلك فعلا. لكن لكل هذه الثورات سوابق تاريخية طويلة. فالشباب الذين نظموا مظاهرات 25 يناير، أسموا أنفسهم حركة 6 أبريل. لهذا سبب طبعا. ففي 6 أبريل 2008 كان من المقرر أن تقوم حركة عمالية مهمة في مصنع الغزل والنسيج بالمحلة، بما في ذلك من إضرابات ومظاهرات لحشد الدعم عبر كل البلاد إلى غير ذلك. هذه الحركات قمعها النظام كلها والغرب لم يعرها أي أهمية. فما دام الديكتاتوريون يسيطرون على شعوبهم، فما شأننا نحن في الغرب! لكن المصريين هم لا ينسون هذا. مع أن الذي وقع هو حلقة واحدة في سلسلة طويلة من الحركات النضالية، التي توج بعضها بالنجاح كذلك. هناك دراسات تناولت هذا الموضوع، والباحث الأمريكي جَوَّل باينن من جامعة ستانفورد ألف العديد من الأبحاث حول الحركة العمالية المصرية. في مقالاته الأخيرة وكذلك في تلك القديمة يؤول ستانفورد تاريخ النضال العمالي على أنه مسعى يرمي إلى الديمقراطية.
لقد كان جورج بوش، سلف أوباما، يدعي أنه يرمي إلى إسقاط الأنظمة الديكتاتورية في الشرق الأوسط مثلما تسقط أحجار الدومينو من خلال سياسته التي أسماها الشرق الأوسط الجديد. هل ترى علاقة بين الأحداث الحالية وسياسة جورج بوش هذه؟
تشومسكي: مفعول الدومينو هذا كان في الحقيقة أحد المواضيع الرئيسية أثناء الحرب الباردة ابتداء بكوبا والبرازيل وفيتنام. هنري كيسنجر شبهه بمفعول الفيروس الذي قد يؤدي إلى انتشار العدوى. وعندما خطط هو ونيكسون للإطاحة بأيانده الذي انتخب ديمقراطيا رئيسا لتشيلي – ونحن مطلعون الآن على كل الوثائق – قال كيسنجر أن في مقدور الفيروس التشيلي أن يؤثر حتي على الدول الأوربية. ولقد كان هو وبريجنيف متفقين في خشيتهما من الديمقراطية. لذا قال كيسنجر أنه من اللازم إبادة هذا الفيروس. وهذا تماما ما قاموا بفعله. واليوم لم تتغير الأمور كثيرا. كلاهما بوش وأوباما مصابان بالذعر إزاء الربيع العربي. ولهذا الذعر سبب معقول جدا. فهما لا يريدان أن تنشأ ديمقراطيات في الشرق الأوسط. ذلك لأنه إذا ما كان للرأي العام العربي تأثير على سياسات دوله، لكان قد تم طرد الولايات المتحدة من المنطقة قبل مدة. هذا سبب إصابتهما بالذعر إزاء قيام ديمقراطية في الشرق الأوسط.
بما أننا تطرقنا لموضوع التأثير، لقد نفى الصحفي البريطاني الشهير والمراسل من منطقة الشرق الأوسط روبرت فيسك في مقالة نشرها مؤخرا أن يكون لأوباما وسياسته أي تأثير في المنطقة...
تشومسكي: لقد قرأت المقالة، إنها جيدة جدا. روبرت فيسك صحفي بارع وله دراية جيدة بالمنطقة. أعتقد أنه يعني ذلك بوجه خاص جدا. إنه يعني أن ناشطي حركة 6 أبريل صاروا لا يأبهون بالولايات المتحدة. لقد تخلوا عنها إطلاقا، فهم يعرفون أن أمريكا عدوتهم. في استطلاع رأي أجري مؤخرا اعتبر أكثر من 90 في المائة من المصريين أمريكا أعظم تهديد لبلادهم. في هذا السياق ليست الولايات المتحدة منعدمة التأثير طبعا، لأن سلطتها أكبر من ذلك، وأنا واثق أن فيسك سيوافقني في ذلك.
هناك من ينتقد موقف المثقفين العرب إزاء هذه الثورات، واصفا إياه بالصامت والسلبي. ما هو الدور الذي يتعين على المثقفين أن يلعبوه الآن؟
تشومسكي: المثقفون يتحملون مسؤولية عظمى. نسميهم مثقفين، لأنهم مميزون، وليس لأنهم أذكى من غيرهم. من يحظى بميزة وبمكانة معينة، من يحظى ببلاغة وغير ذلك، فعليه أن يتحمل مسؤولية أكبر. هذا ينطبق على المثقفين العرب وعلى سائر المثقفين.
أجرت الحوار: جيداء نورتش
حقوق النشر: قنطرة 2011