الغنوشي: النظام القديم لم يمت في تونس ومصر بحاجة الى توافق وطني
اعترف راشد الغنوشي رئيس حزب النهضة الإسلامي التونسي، بوجود صعوبات عديدة تواجه حزبه في أول سنة له في الحكم. وقال الغنوشي إن الائتلاف الحاكم والذي يضم الحزب الإسلامي مع حزبين علمانيين، بصدد تقييم تجربة السنة والأولى وعلى أساسها يتم تعديل حكومة الجبالي.
تطور التجربة الديمقراطية في تونس بعد سنتين من الثورة ما تزال تواجهها عقبات لأن" النظام القديم لم يمت" ولكن الثورة التونسية لديها عناصر "تؤهلها للنجاح"كما قال الغنوشي، الذي أعرب عن أملهأيضا بأن تجتاز مصر الأزمة الحالية عبر"توافق وطني"، وأشار إلى تأثير مصر الكبير على الوضع في المنطقة برمتها. كما أشاد بالدور الألماني في دعم التجربة الديمقراطية في تونس.
وفيما يلي نص الحوار:
بعد حوالي سنة من حكومة الجبالي التي يقودها حزبكم، تبدو الانتقادات كثيرة لحصيلتها، فهل ان تعديلها كاف أم أن هنالك معضلات تواجه حزبكم في ممارسة الحكم لأول مرة؟
راشد الغنوشي:هناك صعوبات حقيقية، فنحن نمر بمرحلة انتقالية، وإدارة الحكم في المراحل الانتقالية أمره لا يكون يسيرا. كما ان إدارة حكومة ائتلافي وطني تضم حزبا إسلاميا وحزبين علمانيين أمر ليس سهلا. وهنالك تحديات حقيقية تعود إلى ظروف التحول من نظام دكتاتوري عاش أكثر من خمسين سنة إلى نظام ديمقراطي، وإلى كيفية ممارسة الحرية، فهذا شعب كبت أكثر من نصف قرن، والآن يزول الكبت وتنطلق الألسن وتزول الحواجز وتحضر كل المطالب دفعة واحدة. ولذلك فهنالك حاجة إلى التدرب على ممارسة الحرية كي تكون حرية مسؤولة. ونحن الآن في مرحلة نحاول خلالها الجواب على سؤال: كيف نوفِق بين مقتضيات الحرية ومتطلبات النظام.
هنالك مطالب واضحة لاحظت أنها ترفع بحدة في مناطق مختلفة من البلاد وكانت من منطلقات الثورة، وخصوصا منها العمل بالنسبة للشبان الحاصلين على شهادات جامعية؟ ومن المؤاخذات على الحكومة وحزبكم، مثلا، استمرار مظاهر الفساد في انتدابات فرص العمل؟
الحكومة تُهرِئ الأحزاب لأن ممارسة السلطة بطبيعتها عامل تهرئة للأحزاب، لكن الأحزاب أيضا تتعلم من تجاربها وتنميها وتتجاوز أخطاؤها. فهذه حكومة جديدة،وأعضاؤها سواء كانوا إسلاميين أوغير إسلاميين، ليس لهم تجربة. وقد قامت الثورة ضد من لهم تجربة، أعني تجربة في النهب وفي تزييف الانتخابات وفي مغالطة الرأي العام.
ونحن لدينا حكومة نظيفة اليد وأعضاؤها مثقفون ومن حاملي الشهادات العليا، ولكنهم أيضا يتدربون ويستفيدون من التجربة في الإدارة، لأن هنالك إدارة والدولة التونسية لم تسقط ولم تنحل، والكفاءات هناك. والقادة السياسيون (الوزراء) يستعينون بإداراتهم في تسيير شؤون الدولة.
هنالك صعوبات لكن التجارب تتراكم، ونتوقع أن يكون قادم الأيام أفضل من الأحدَ عشر شهرا التي أمضتها الحكومة حتى الآن، لأن البرامج قد أُعدَت وميزانيات التنمية تأخرت في تنزيلها بالمناطق، ولذلك أحسب أن المشكلات سيكون حلها في المستقبل أيسر. أي أن تنفيذ برامج التنمية سينعكس على موضوع البطالة، وستكون الإدارة أكثر استيعابا للخريجين.
ولماذا يستعصى حل مشكلة البطالة لحد الآن؟
في حقيقة الأمر لدينا مشكلة بطالة مزمنة، صحيح أن معدلها كان في العهد السابق في حدود 14 إلى 15 في المائة، وهذا ما كان يعلنه النظام، ولكنها كانت أكبر في حقيقة الأمر. فقد كانت في السنة الأولى للثورة بمعدل 18 في المائة والآن نزلت إلى 17 في المائة، ولذلك فإن البطالة ليست في حالة تفاقم بل في تراجع.
ولدينا مشكلة خاصة تتمثل في بطالة خريجي الجامعات، الذين يريدون أن يعملوا في مكاتب، مقابل استفحال مشكل ندرة اليد العاملة، فالبلاد بحاجة إلى مئات الآلاف. مثلا لجني الزيتون، وجني التمور، وفي مقاولات قطاع البناء الذي أصبح يستقدم عمالة افريقية.
وهل يعني ذلك أن النظام التعليمي الذي طالما افتخرت به تونس، بدوره يتطلب إصلاحا، كي يصبح أكثر ملائمة لمتطلبات سوق العمل مثلا؟
تماما، هنا يكمن موطن الداء، فنحن إزاء نظام تعليمي لا يستجيب لمطالب السوق. فالسوق وحاجاته في وادي والنظام التعليمي في وادي آخر، وهذا يتطلب وقتا لملاءمة التعليم مع متطلبات السوق والوضع الاقتصادي الذي يضطر الآن لاستقبال مئات الآلاف من اليد العاملة من إفريقيا ومن المغرب ومن مصر.
ما هي خلفيات الأزمة الحالية القائمة بين الحكومة والاتحاد العام التونسي للشغل، وهل يُؤشر الإعلان عن إضراب عام إلى اصطدام بين حزبكم وقطاع واسع من شرائح المجتمع التي تمثلها هذه المركزية النقابية العريقة؟
الخلاف بين النقابات والحكومات وبين النقابات وبين أرباب العمل، ليس أمرا خاصا بتونس. وإذا كانت الحريات النقابية قد كبتت خلال العقدين الماضيين، ولم يكن فيها إضرابات قوية، فمرد ذلك إلى قوة آلة القمع البوليسي ولأن النقابة اضطرت أو حُملت على الاندماج مع السلطة. لكن كانت هنالك إضرابات(قطاعية) ولكن لم يكن هنالك إضراب عام خلال 23 سنة من الدكتاتورية. وفي تاريخ تونس المستقلة كان هنالك إضراب واحد سنة 1978 وكانت الأزمة في أوْجِها بين الاتحاد والحكومة.
والآن نحن في حكومة الثورة ولم تعد الحريات مقموعة والناس يعبرون عن آرائهم والنقابات تمارس الإضرابات بدون خوف وبدون قمع، وهذا أمر طبيعي في ظل الديمقراطية.
ونحن نتوقع أن الأزمة القائمة الآن في طريقها للحل، لأنه ليس هنالك أزمة اجتماعية، بل انه في نفس اليوم (4 ديسمبر/كانون الأول) الذي أعلن فيه عن اتفاق عقد اجتماعي بين النقابة واتحاد أرباب العمل والحكومة، أعلنت المركزية النقابية بعد ساعات قليلة عن الإضراب العام، أي أنه لا توجد أزمة اجتماعية في حقيقة الأمر، وما حصل عليه العمل من زيادات(من 6 إلى 8 في المائة) في رواتبهم لم يحصلوا عليها في تاريخهم الحديث.
ما هو المشكل إذن بين حزب النهضة والاتحاد العام التونسي للشغل؟
يمكن القول أن المشكل سياسي، وربما نفسي، حيث شعر الاتحاد بأن الناس الذين تظاهروا أمام مقره ورفعوا شعارات مضادة له، رأى فيها إساءة له، وفسر ذلك بأن حزب النهضة هو الذي دفعهم إلى ذلك، وبُنيت على هذا التفسير الدعوة إلى الإضراب العام، كنوع من رد الاعتبار.
ونحن نرى في الاتحاد العام التونسي للشغل منظمة وطنية عريقة وشريكة في تحرير البلاد وفي بناء الدولة والتنمية، وشريكة في الثورة، ولذلك لا نرى التصادم حتما لازما بل التعاون هو المطلوب، ونقدر بان هنالك قيادات تغلب العقل والمصلحة.
الصعوبات تطال أيضا الائتلاف الحكومي، فقد هدد شريككم حزب المؤتمر بالانسحاب من الحكومة إذا لم تؤخذ اقتراحاته بعين الاعتبار في تشكيل حكومة كفاءات وطنية؟
ما من ائتلاف في الدنيا إلا وتكتنفه صعوبات ومشكلات وتوفيق بين إرادات وبرامج مختلفة، فهذا أمر طبيعي، بل انه داخل كل حزب هنالك اختلافات. والترويكا هي مبادرة للالتقاء بين ثلاثة أحزاب تجمعها قناعة بان مصلحة البلاد تقتضي مثل هذا الائتلاف وتجاوز الاختلافات التقليدية بين إسلاميين وعلمانيين. وقادة الائتلاف لا يزالون يكررون تمسكهم بهذا الائتلاف باعتباره مصلحة وطنية ولصالح الثورة ولصالح انجاح مرحلة التحول الديمقراطي، ولذلك فأنا اعتبران الائتلاف مستمر وان أطرافه قد تريد أن تحسن أوضاعها، وهذا من حقها.
وماذا تقصدون بتحسين أوضاعها، في أفق الانتخابات المقبلة مثلا؟
تحسن أوضاعها في أفق الانتخابات، وفي داخل السلطة، فهذا أمر مشروع في السياسة. ومادام الجميع مقتنعون بضرورة استمرار الائتلاف فسيستمر، وهذا ما يعلنه قادة الأحزاب المكونة له، بأنه مستمر إن شاء الله وربما يتوسع. ولكن هذا لا يمنع من حصول تغييرات وزارية، وهنالك أصلا وزارات شاغرة مثل وزارتي المالية والإصلاح الإداري.
ما هي ملامح التغيير المرتقب في الحكومة، وبالنسبة لكم كحزب، بعد ظهور صعوبات في الواقع ألستم بصدد مراجعة المعايير التي عينتم على أساسها عددا من الوزراء؟
بعد سنة من ممارسة الحكم، نحن وشركاؤنا بصدد تقويم هذه التجربة. وستكون التغييرات على أساس هذا التقويم.
يرصد المراقبون ظهور تكتلات سياسية جديدة، في اليسار نجد الجبهة الشعبية وفي الوسط نجد تحالف يتشكل بين الحزب الجمهوري(يسار وسط) وحزب"نداء تونس" (يقوده رئيس الحكومة المؤقتة السابق الباجي قائد السبسي)، ويبدو أن الهدف المشترك بينها هو أنها تناوئ حزب النهضة، ألا تتخوفون من اتساع جبهات معارضيكم؟
لا يدعونا ذلك للتخوف، بالعكس نحن نرى أنه في الوضع الطبيعي في الديمقراطية أن تكون هنالك أحزاب كبيرة متنافسة على السلطة. وليس طبيعيا، عدا كوننا نمر بمرحلة انتقالية، أن نجد في تونس البلد الصغير 144 حزبا سياسيا، لأنه ليس لدينا 144 فكرة أو إيديولوجية و144 برنامج، حتى يكون هذا العدد من الأحزاب، فهذا وضع غير طبيعي.
ونرى أن من مصلحة استقرار البلد أن تندمج الأحزاب المتقاربة فكريا وإيديولوجيا ويكون لدينا حزبان أو ثلاثة، ونحن نريد أن نجد مع من نتنافس ومع من نتحالف، ولذلك فمن مصلحة الديمقراطية أن تتم عمليات اندماج بين الأحزاب ونصل إلى وضع طبيعي ومعقول.
يثير مشروع قانون تحصين الثورة، انتقادات حتى من قبل بعض الأطراف أو الشخصيات القريبة من حزبكم، فلماذا تتمسكون به؟
مشروع القانون ما يزال مطروحا أمام المجلس الوطني التأسيسي، وهو ليس بدعا في تاريخ الثورات، فالثورات كلها تكون عادة مهددة بأعمال ومشاريع مضادة لها عودا للنظام القديم، لأن النظام القديم لم يمت.
وأين تتجلى بقاياه أو مواقع حياته؟
النظام القديم ما يزال موجودا في الإدارة والإعلام وفي المال وفي السياسة. ولأن في البلاد ثورة فحراسها وأهلها مطلوب منهم أن يدافعوا عن ثورتهم وأن لا يسمحوا للنظام القديم بالعودة ولو متنكرا في أشكال جديدة، فهذا نوع من الحماية السياسية وليس حكما بتجريم شخص، لأن الجريمة طبيعتها فردية. وهناك وزارة للعدالة الانتقالية تتولى ملف محاسبة هؤلاء أفرادا وليس بالجملة، لأن الجريمة طبيعتها فردية.
ولماذا ينفرد حزبكم بالتمسك برابطات حماية الثورة التي توجه لها انتقادات من أطراف عديدة؟
ليس حزب النهضة وحده من يتمسك برابطات حماية الثورة، فهناك أيضا حزب المؤتمر وحزب وفاء الذي يعتبر أشد حماسا من النهضة في التمسك بهذه اللجان. وكذلك الأمر بالنسبة لقانون تحصين الثورة، فالأمر ليس بتلك الصورة التي يحاول البعض ترويجها بشأن وجود انقسام إيديولوجي بين علمانيين وإسلاميين. والاستقطاب الحقيقي يوجد بين من يريدون التغيير الديمقراطي والذين يريدون العودة بالبلاد للنظام الدكتاتوري، أي مع الثورة أو ضد الثورة. أما رابطات الثورة فقد ساهمت أطراف كثيرة في تأسيسها بما فيها الاتحاد العام التونسي للشغل، وقد أحدثت إبان الثورة عندما غابت الدولة وأصبحت أموال الناس وأعراضهم وأرواحهم في خطر، وانطلقت من أمن الأحياء وصولا إلى دورها في تظاهرات القصبة واحد واثنين، التي أطاحت بحكومات، وأصبحت لها شرعية، فمن يستطيع أن يتهمها باللاشرعية، ثم هي ليست مسلحة فهي مدنية وتتكون من شباب ثوري، وتعمل في إطار القانون.
في بلادنا ليس هنالك من يحمل السلاح إلا الأمن والجيش، وكل سلاح آخر هو سلاح غير مشروع، وهو غير موجود.
ولكن لماذا لم يحسم ملف العدالة الانتقالية الذي يتولاه وزير من حزب النهضة، لماذا تتأخر تعويضات ضحايا النظام السابق ومحاسبة المتورطين في الفساد وفي عمليات قتل خلال الثورة؟
نحن لسنا راضين عن وتيرة سير هذا الملف، لكنها طبائع الأمور، فهذه وزارة جديدة وقد ذهبت تجمع تجارب في العدالة الانتقالية للاستفادة منها، من أنحاء مختلفة مثل الشيلي وجنوب افريقيا، وجمعت ملفات، وأعدت قانونا لتقديمه للمجلس التأسيسي وسيناقش قريبا. كنا نتمنى أن يكون السير أسرع، لكن الأمور تسير بتدرج إلى حين الوصول إلى هذه اللحظة، الأمر الذي أخَر موضوع المحاسبة وأعطى انطباعات ليست جيدة عند الناس، لأنهم يرون مجرمين يسرحون ويمرحون في البلاد بدون أن يحاسبهم أحد.
صحيح ثورتنا سلمية، ولكن المعتقلين حاليا على ذمة التحقيقات هم عشرة أو اثنى عشر شخصا، فأين هم الذين قامت ضدهم الثورة ونهبوا وقمعوا وزيفوا الانتخابات، هؤلاء طلقاء ، لأن الشعب التونسي مسالم، ولم يذهب الضحايا للانتقام من جلاديهم، فبقي الجميع ينتظر أن تقوم العدالة بمسؤوليتها في محاسبة الذين عذبوا الناس ومن نهبوهم.
أجرى الحوار: منصف السليمي
تحرير: حسن زنيند
حقوق النشر: دويتشه فيله 2012