هل أصبح الشرع نموذجًا لتحوّل الجهاد العالمي؟

الرئيس السوري الشرع جالس بين علمين سوريين على كرسي فاخر.
قدوة أم خائن؟ آراء الجهاديين منقسمة حول الشرع. (Photo: Picture Alliance / Zumapress | SANA)

تراقب الجماعات الجهادية حول العالم عن كثب الحكومة الانتقالية في سوريا، إذ بدأ بعض الفاعلين الجهاديين باتباع نهج أحمد الشرع البراغماتي سعيًا للوصول إلى السلطة، في حين يعتبره آخرون تفريطًا بمبادئهم ويواصلون الرهان على العنف.

الكاتبة ، الكاتب: عاصم الدفراوي

يقود وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني، حراكًا دبلوماسيًا مكثفًا وماهرًا؛ لإرساء هيئة تحرير الشام والحكومة السورية الانتقالية المكونة من أعضائها على الصعيد الدولي. 

يبدو أن هذا الحراك يؤتي ثماره؛ ففي مايو/أيار المنصرم، صافح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الرئيس السوري أحمد الشرع بحضور ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، وأعلن تعليق العقوبات المفروضة على سوريا - وهو ما حدث لاحقًا في 30 يونيو/حزيران. 

لم يكن من الممكن تصور كل هذا على الإطلاق قبل بضع سنوات فقط، حين كان الشرع قياديًا سابقًا في تنظيم الدولة الإسلامية والقاعدة - منذ فترة طويلة باسم أبو محمد الجولاني، وقد رُصدت مكافأة قدرها 10 ملايين دولار على رأسه.

واليوم، جرى حلّ هيئة تحرير الشام رسميًا على الأقل ودمجها في الجيش السوري المعاد هيكلته، لكن مدى إمكانية الوثوق بتحوّل الجهاديين السابقين، وقدرتهم على تأسيس دولة متسامحة ومتعددة الأعراق والأديان، يظل موضع شك—لا سيما في السياق السوري. 

ويُغذي هذا الشك تصاعد عدم اليقين منذ الهجمات الدموية التي وقعت في مارس/آذار الماضي ضد العلويين في منطقة الساحل، التي يُشتبه بتورط جماعات جهادية مجهولة فيها، إلى جانب عناصر من هيئة تحرير الشام نفسها، وهي بدورها ائتلاف يضم مجموعات متباينة. 

وعلى مدى سنوات جرى تجريد العلويين على مدى سنوات من إنسانيتهم في الهتافات الجهادية الدعائية؛ حيث يشار إليهم بالكفار أو المرتدين عن الإسلام.

هل هناك ما يسمى بـ"الجهادية السياسية"؟

غير أن ما هو واضح، أن وصول الشرع للسلطة في سوريا ترك أثرًا لافتًا للجماعات الجهادية في جميع أنحاء العالم - ربما أكثر من تأثير حركة طالبان في أفغانستان، حيث أن الأخيرة هي جماعة إقليمية بحتة. ومن ناحية أخرى، انبثقت هيئة تحرير الشام من تنظيم القاعدة —المنظمة ذات الأهداف العالمية. 

وبالتالي، تُظهر الحكومة السورية الجديدة أنه من الممكن الاستيلاء على السلطة من خلال العمل السياسي الماهر؛ حتى بعد عشر أو خمس عشرة سنة من التأني، وهو حدث رئيسي يمكن أن يُقنع الجهاديين بتبني البراغماتية المعتدلة. 

وبالتالي فإن تغيير النظام في سوريا يمثل تطورًا "إيجابيًا" داخل الجهاديين، بالنظر إلى نجاح زعيم الميليشيا الجولاني في تأسيس شكل من أشكال الشرعية غير الدينية، الذي يطلق عليها الباحث الأمريكي آرون ي. زيلي، اسم "الجهادية السياسية".

فقد ساهمت درجة معينة من التسامح، وإنشاء هياكل إدارية فعالة ومراعاة اهتمامات واحتياجات السكان المحليين في نجاحه. علاوة على ذلك، بدا أن استعادة اسمه المدني أحمد الشرع عندما تولى السلطة جزءًا من هذه الاستراتيجية. 

 هيئة تحرير الشام ليست أول جماعة جهادية تشارك في الحياة السياسية، ففي أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، نأى الجهاديون الليبيون بأنفسهم رسميًا عن أيديولوجية تنظيم القاعدة وأدانوا الهجمات الانتحارية والعنف ضد المدنيين، بما في ذلك هجمات 11 سبتمبر/أيلول. وقد ساهموا في سقوط القذافي، وهم الآن يشكلون جزءًا واحدًا من التركيبة السياسية المعقدة في البلاد، إذ رغم سيطرة تنظيم داعش على سرت لبعض الوقت، إلا أن ليبيا لم تعد بؤرة مركزية للجهاديين. ومع ذلك، فإن الحالة السورية أكثر أهمية بكثير لأن سوريا، الدولة ذات الأهمية التاريخية والجيوسياسة، تخضع لحكم هيئة تحرير الشام الآن. 

جاذبية الشرع في منطقة الساحل

يعيش أكثر من نصف مليار شخص في منطقة الساحل الأفريقي، وهو ما يعادل تقريبًا حجم جميع دول الاتحاد الأوروبي مجتمعة، وهي من بين أفقر المناطق في العالم.  

وتضم منطقة الساحل موريتانيا والسنغال بدءًا من المحيط الأطلسي، تليها مالي وشمال بوركينا فاسو وأقصى جنوب الجزائر والنيجر وشمال نيجيريا وتشاد في الوسط، وأخيرًا السودان وإريتريا وكذلك إثيوبيا على البحر الأحمر، كما يضم بعض الجغرافيين إليها جيبوتي وأجزاء من الصومال.  

ويواصل الجهاد الانتشار هناك، كما تراقب الجماعات المحلية الوضع في سوريا عن كثب ويمكن أن تغير مسارها - إما نحو الاعتدال البراغماتي أو نحو مزيد من التطرف. 

Dschihadistische Kämpfer stehen auf und um einen Pick-Up Truck in Timbuktu, Mali.
تنشط الجماعات الجهادية في منطقة الساحل منذ أكثر من عشر سنوات، وهنا مقاتلين لداعش في مالي عام 2012. (Photo: Picture Alliance / AP Photo | Uncredited)

وعلى الرغم من عدم صدور أي بيان رسمي من جماعة نصرة الإسلام والمسلمين، فرع تنظيم القاعدة في الساحل، إلا أن هناك اهتمامًا كبيرًا في سوريا، كما يؤكد وسيم نصر، الخبير في شؤون الساحل وسوريا في مركز صوفان في نيويورك. وينطبق هذا الأمر بشكل خاص على بوركينا فاسو ومالي والنيجر، حيث يمكن للجماعة أن تجتاح المدن الكبرى وتقيم إمارات إسلامية قريبًا. 

ووفقًا لنصر، فإن حلفاء القاعدة يدركون "أن هناك فرصة سياسية ودبلوماسية للخروج من الجهاد العالمي، والحصول على اعتراف ومساعدة دولية". 

كما أنهم لاحظوا عن كثب كيف أدارت هيئة تحرير الشام محافظة إدلب بكفاءة وضمنت حسن نية السكان المحليين، على الأقل في البداية. وفي مالي، وفي خطوة لافتة، عرضت جبهة نصرة الإسلام والمسلمين، تشكيل ائتلاف مع جماعات معارضة أخرى غير جهادية لحكم البلاد معًا.

غير أن منطقة الساحل ليست سوريا، فبلدانها أكثر فقرًا ومستوى التعليم هناك أقل بكثير، وحتى لو بدت فروع تنظيم القاعدة المحلية معجبة بحنكة السوريين في الحكم، إلا أنها متشككة للغاية في سياسة نظام الشرع الداخلية وتسامحه، خاصة فيما يتعلق بحقوق المرأة. 

التطرف كبديل عن هيئة تحرير الشام

ومع ذلك، فإن تغيير السلطة في سوريا يمكن أن يغري الجماعات الجهادية باستخدام المزيد من العنف - مثل تنظيم الدولة الإسلامية في الصحراء الكبرى. ينتقد هذا الفرع الإقليمي لتنظيم الدولة الإسلامية في المنطقة بشدة حكم هيئة تحرير الشام في سوريا. 

ووصف التنظيم في نشرته الرسمية "النبأ"، أعضاء هيئة تحرير الشام بأنهم "جهاديون تحولوا إلى سياسيين"، ويتهمهم بخيانة المبادئ الإسلامية والتحالف مع أعداء الإسلام. إذ يخشى تنظيم داعش من أن يؤدي نموذج هيئة تحرير الشام إلى نزع الشرعية عن حكمه الوحشي للإرهاب، ولذلك يحاول التنظيم تقديم نفسه على أنه الجماعة الجهادية الحقيقية الوحيدة. 

وكما حدث في العراق عام 2003، يعتمد تنظيم داعش مرة أخرى على الفوضى العارمة وتقسيم السكان وفقًا لمقولة الاستراتيجي المؤثر في التنظيم أبو بكر ناجي، مؤلف كتيب "إدارة التوحش"، من أجل الاستيلاء على السلطة لاحقًا. 

وقد عاودت هذه الاستراتيجية الظهور إلى العلن في 22 يونيو/حزيران مع أول هجوم انتحاري كبير على كنيسة في دمشق تحت حكم هيئة تحرير الشام، الذي أسفر عن مقتل 25 شخصًا. ولم يتضح بعد بشكل قاطع ما إذا كان الهجوم الإرهابي جرى تنفيذه من قبل تنظيم داعش نفسه أو من قبل جماعة سرايا أنصار السنة. 

والآن، يتعين على الحكام الجدد في سوريا الاختيار بين سيناريوهات مختلفة؛ هل سيتبعون نسخة "مخففة" من طالبان تتكيف مع المجتمع السوري الأكثر تعليماً؟ هل سوف يؤسسون نموذجًا على غرار دول الخليج - حيث الأجانب مرحب بهم، ولكن الحكم يبقى إسلاميًا واستبداديًا جزئيًا؟ أم أن سوريا ستصبح نموذجًا للتسامح الإسلامي؟ 

من المؤكد أن التطورات في سوريا ستترك أثرًا عميقًا على مستقبل الجهاد العالمي والإسلام السياسي، وهما ظاهرتان، كما يُظهر ماضي أحمد الشرع، لا تشكلان كتلة واحدة متجانسة. فقد نأى العديد من الجهاديين بأنفسهم عن فظائع هجمات 11 سبتمبر/أيلول وعن الخلافة الزائفة التي أعلنها تنظيم داعش في العراق وسوريا، وربما يمكن إقناع بعضهم، على الأقل، بنبذ العنف. 

لكن نجاح هذا التحوّل سيعتمد إلى حد كبير على مدى نجاح التجربة السورية نفسها، وهو ما يرتبط بشكل حاسم بالدعم الذي يقدمه الاتحاد الأوروبي وألمانيا لجهود إعادة الإعمار. 

هذا النص ترجمة محررة من النص الأصلي بالألمانية.

قنطرة ©