استحضار آلاف الإيزيديين ماضي الرعب الداعشي مع اقتراب الترحيل
منذ عام مضى -وبعد أن صنَّفت الحكومة الألمانية هجوم داعش عام 2014 على الإيزيديين العراقيين والسوريين بوصفه إبادة جماعية- بدأ 150 ألف إيزيدي -استقروا في ألمانيا منذ ذلك الحين- بالشعور بأنهم عثروا على وطن أخيراً.
بيد أنَّ ذلك كله قد تغير بالنسبة لفهيمة إيفدي درويس -وهي أم لثلاثة أطفال في برلين تبلغ من العمر 32 عاماً- حين تسلَّمت هي وعائلتها أوامر ترحيل في نهاية العام الماضي 2023. تقول لموقع قنطرة -معبِّرةً عن خوفها من إعادتها قسرياً- إلى العراق: "وصفَنَا الجيران بالكفار وعبدة الشياطين".
وكانت أنواع الاضطهاد هذه تذكيراً يومياً بالإرهاب الذي عانى منه الإيزيديون منذ ما يقرب من عقد من الزمن. وهم شعب شرق أوسطي قديم يتَّبعون عقيدة تمزج بين عناصر من المسيحية واليهودية والإسلام والزرادشتية. وقد كان تنظيم الدولة الإسلامية يعتبر الإيزيديين عبدة شياطين وثنيين.
حين استولى التنظيم الإرهابي على مساحات شاسعة من سوريا والعراق في عام 2014 ارتكب مجازر في حق الإيزيديين وأجبر آلاف النساء والفتاة الإيزيديات على العبودية الجنسية.
الإيزيديون النازحون...بين الخوف والحطام
فرَّ نصف مليون إيزيدي من وطنهم التاريخي وانتهى الأمر بمئات الآلاف منهم في أوروبا. افتقرت فهيمة وزوجها إلى الموارد اللازمة للرحلة الشاقة. عاشوا في مخيم للنازحين في العراق، ولم يتمكنوا من العثور على عمل، وعانوا خلال أربع سنوات صعبة.
في نهاية المطاف -في عام 2018- تمكنوا من الوصول إلى ألمانيا حيث تضاءل -إلى حد كبير بحلول ذلك الوقت- الكرم والانفتاح الذي ألهم الحكومة للترحيب بمليون طالب لجوء.
ومنذ ذلك الحين تفاقم الوضع بعد حدوث تغيير كبير في المشهد السياسي. وتتزايد المشاعر المعادية للمهاجرين مع وصول نسبة دعم حزب البديل من أجل ألمانيا اليميني المتطرِّف حالياً إلى نحو 20 بالمئة.
في تشرين الثاني/نوفمبر 2023 تعهَّد المستشار الألماني أولاف شولتس بتكثيف عمليات ترحيل طالبي اللجوء الذيم لم تُقبل طلبات لجوئهم. وبعد فترة وجيزة كشف تقرير صحفي ألماني عن توقيع بغداد وألمانيا اتفاقية ترحيل سرية تقضي بإعادة "المواطنين الذين لا يستوفون، أو لم يعودوا يستوفون، الشروط المطلوبة للدخول أو الوجود أو الإقامة في أي من الأراضي" إلى العراق.
الترحيل بمثابة إعادة الصدمة
يواجه الآن ما يزيد عن 10 آلاف إيزيدي خطر الترحيل إلى العراق، وفقاً لخبير الهجرة كريم الواسطي من مجلس شؤون اللاجئين في ولاية سكسونيا السفلى. ومعظم الذين يواجهون الترحيل وصلوا إلى ألمانيا بعد عام 2017 حين قضت ألمانيا بأن الإيزيديين لم يعودوا يواجهون اضطهاداً جماعياً في العراق، بعد الهزيمة الإقليمية لتنظيم داعش. لم يُمنحوا حق اللجوء في ألمانيا، بل مُنِحوا حالة "التسامح" -"دولدونغ"- الأضعف بكثير من الناحية القانونية.
تقول دوزين تيكال مؤسِّسة منظمة هاوار غير الحكومية الألمانية التي تدعم اللاجئين العراقيين: "لقد نجوا من الإبادة الجماعية، والآن فإنَّ سبل عيشهم على المحك من جديد. بالنسبة للعديد منهم، فإنَّ الترحيل إلى العراق بمثابة إعادة الصدمة".
لا يزال ما يقارب 200 ألف إيزيدي نازحين، ويعيش معظمهم في مخيمات تعاني نقص التمويل في كردستان العراق. فالكهرباء والماء نادران، بالإضافة إلى الافتقار إلى الرعاية الطبية والدعم النفسي.
تقول آية جلال، وهي منسِّقة مشاريع في منظمة جيندا غير الحكومية التي تساعد النساء والفتيات ومقرها دهوك: "ترزح النساء في المخيمات تحت خطر متزايد من مواجهة العنف القائم على الجنس، بما في ذلك الاعتداء الجنسي والعنف المنزلي والزواج القسري. ويمكن للخوف من حوادث كهذه أن يترك آثاراً نفسية عميقة على هؤلاء الناس الذين عانوا بالفعل من الكثير".
وسكان المخيمات هم في الغالب من منطقة سنجار المدمرة، وغير قادرين أو راغبين بالعودة إلى ديارهم. فالمقابر الجماعية -والمنازل المدمَّرة والألغام المتناثرة في جميع الأنحاء هناك- تذكير بالدمار الذي خلفه تنظيم الدولة الإسلامية. ومنذ طَرْد تنظيم الدولة الإسلامية في عام 2015 انتقلت إلى هناك جماعات مسلحة بما فيها حزب العمال الكردستاني -وهو هدف الضربات الجوية التركية المتكررة- وكذلك انتقل إلى .هناك الحشد الشعبي المسلَّح المدعوم من قبل إيران.
مناخ حر جديد للإيزيديات
عُرف عن الإيزيديين التحفظ والسرية داخل مجتمعهم العراقي. لكن "المجتمع الإيزيدي انفتح كثيرا ولم يعد لديه ما يخفيه"، فكيف حصل ذلك خصوصا للنساء؟ تقرير كاثرين شير.
ينصُّ اتفاق عام 2020 -الذي وقعته كل من بغداد وأربيل- على إجلاء الجماعات المسلحة وإنشاء قوة أمنية قوامها 2500 فرد في سنجار في العراق، ولم يُنفَّذ بعد. تقول آية جلال: "لدينا العديد من العائلات التي عادت إلى سنجار، لكنها عادت للعيش في المخيمات الآن، إذ لا تزال المناطق غير آمنة وغير مستقرة".
نظام لجوء يشبه اليانصيب
يسمح نظام اللجوء الألماني -الذي يشبه اليانصيب- لكل ولاية باتخاذ قراراتها الخاصة فيما يتعلَّق بالترحيل. حظرت ولاية شمال الراين وستفاليا وولاية تورينغِن (تورينغيا) ترحيل النساء والأطفال الإيزيديين حتى نيسان/أبريل 2024، بيد أنه من الممكن ترحيل الرجال الإيزيديين.
وبرلين -الولاية التي تقيم فيها فهيمة وعائلتها- تملك أيضاً حظراً مؤقتاً ينتهي هذا الشهر (شباط/فبراير 2024)، ولا توجد حتى الآن أي معلومات عما سيحدث بعد ذلك.
اتّبعت ولايات أخرى موقفاً أكتر تشدُّداً. ففي بافاريا -التي يديرها الحزب المسيحي الاجتماعي المحافظ- أُجبِرت مؤخراً عائلة إيزيدية من أربعة أشخاص -بمن فيهم طفلان صغيران- على العودة إلى العراق. بينما سُمِحَ لابنتين أكبر سنّاً تتدربان لتصبحا مساعدَتَيْن لرعاية المرضى بالبقاء في ألمانيا في الوقت الحالي. وهما تحملان أيضاً إقامة التسامح وتخافان من إعادتهما إلى العراق.
تزايدت رحلات الترحيل إلى العراق بشكل كبير منذ الخريف الماضي 2023. ومن دون فرض حظر وطني يواجه الإيزيديون في ألمانيا التهديد المستمر المتمثِّل في عودتهم إلى الجحيم. تقول فهيمة محتضنةً طفلها الذي يبلغ من العمر سنة واحدة: "في العراق لا يوجد مستقبل للإيزيديين ولا مستقبل لأطفالنا. أفضِّل الموت في ألمانيا على العيش في العراق".
حنة والاس
ترجمة: يسرى مرعي
حقوق النشر: موقع قنطرة 2024