هل استبدال القيادة العسكرية المصرية ''ثورة تصحيحية''؟
استبدال القيادة العسكرية في مصر وتغيير دستور الفترة الانتقالية المؤقت من قِبَل الرئيس محمد مرسي لا يَدُلان على فقدان العسكر لسلطتهم، بقدرما يدلان بالأحرى على ترتيب تقاسم السلطة بين الرئيس والقادة العسكريين. تنحِيَة كل من وزير الدفاع محمد حسين طنطاوي، البالغ من العمر 77 عاما، ورئيس أركانه سامي عنان، الذي يعاني من مشاكل صحية، عن موقعيهما: كان من الواضح أنه تمّ بالتوافُق مع هيئة القيادة العسكرية العليا فى البلاد، وهو المجلس الأعلى للقوات المسلحة ("SCAF").
لم يتم تسريح كِلا العسكريَّيْن من الخدمة، ولكن جرى تعيينهما كمستشارَين لرئيس الجمهورية وتشريفهما بتكريم مرموق. وإلى جانب طنطاوي وعنان، تمَّت أيضا إحالة اثنين، من أعلى الجنرالات رُتبةً في البلاد، إلى التقاعُد؛ وهما: قائد القوات الجوية رضا حافظ، وقائد القوات البحرية مهاب مميش. جرى تعيين حافظ وزيراً للدولة للإنتاج الحربي، وتم تعيين مميش رئيساً لهيئة قناة السويس - وكِلاهما مَنصِبان يُدِرّان معاشاً مالياً وفيراً لصاحبيهما في جهاز الدولة المصرية.
إعادة توجيه قوات الجيش
منذ بداية السنة، أيْ قبل تولّي محمد مرسي الرئاسة، كانت هناك شائعات في الأوساط الأمنية حول تغييرات في الأفراد داخل القيادة العسكرية الطاعنة كُلّيّاً في السِّن. تم تعيين الجنرالات الأصغر سناً، بِمَن في ذلك خَلَف حسين طنطاوي: وهو عبد الفتاح السيسي، البالغ من العمر 57 عاماً. وبحكم أن السيسي كان مديراً للمخابرات العسكرية فإنه كان من أقرب المقربين إلى طنطاوي. وبهذا، فإن الشائعات بأنه كان "رجُل جماعة الإخوان المسلمون" داخل القيادة العسكرية لا تبدو معقولة تماماً في هذا السياق.
جرى تعيين رئيس الأركان الجديد صدقي صبحي، الذي يكون بعمر 56 عاماً أصغر عضو في المجلس العسكري الأعلى. وتمت ترقية اللواء محمد العَصّار، مساعد وزير الدفاع السابق لشؤون التسليح، ونظراً لظهوره المتكرر في وسائل الإعلام فإنه يكون أحد أكثر أعضاء القيادة العسكرية شهرةً. ويُقال إن العصّار، الذي سيمثّل في المستقبل وزير الدفاع في مجلس الوزراء، له علاقات ممتازة مع الإدارة الأمريكية.
جيل جديد
وزير الدفاع الجديد، السيسي، ورئيس أركانه الذي يكبره بعام واحد فقط، قد لا يشكّلان إلا طليعة التغيير الأولى في أجيال قيادة الجيش المصري، بل وقد يدفعان بعملية إعادة توجيه القوات المسلحة قُدُماً إلى الأمام أيضاً. وبصرف النظر عن الحالة الرديئة عموماً للقوات المسلحة المصرية، فقد كان حسين طنطاوي والجنرالات القُدَماء المحيطون به أخذوا بعين الاعتبار صورة "الجيش التقليدي" في إطار تَوَجُّههم الاستراتيجي للجيش المصري.
وعلى خلفية خبراتهم القتالية في الحربين ضد إسرائيل، فإن هؤلاء كانوا يشتركون في وجهة نظر قديمة حول التهديدات المُحْدِقة بالبلاد، وكان على الجيش المصري إعداد نفسه وفق وجهة النظر هذه، وخصوصاً لمواجهة حروب واسعة النطاق. والتهديدات غير المتماثلة، كتلك الناشئة عن الوضع الأمني الصعب في حدود مصر الخارجية، تم تجاهلها هنا إلى حد كبير.
مقتل ستة عشر جنديا في هجوم إرهابي في شبه جزيرة سيناء أوائل شهر أغسطس/ آب، من المرجَّح أنه أوضحَ لكثير من صغار الضباط سِنّاً أنه قد آن أوان التغيير في قيادة الجيش، وبالتالي قد حان وقت إعادة توجيه القوات المسلحة في اتجاه استراتيجي.
وعلاوة على ذلك، كان عدم الرّضا كبيراً للغاية، في سِلْك الضباط الأصغر سِنّاً، بسبب الفقدان الدائم لهيبة العسكر ومكانتهم في أوساط المواطنين نظراً إلى الدور السياسي للجيش خلال العملية الانتقالية. إذ تزايد استياء الرأي العام بشكل متواصل من الامتيازات العسكرية وتصاعدت انتقاداته باستمرار لاسيما بسبب انعدام الشفافية فيما يتعلق بالأنشطة الواسعة للجيش في الاقتصاد المصري. وهذا هو السبب الذي جعل الأعضاء الأصغر عُمراً في المجلس العسكري الأعلى يدفعون على نحو متزايد باتجاه الانسحاب، في أسرع وقت ممكن، من المسؤولية السياسية الفاعلة.
اِتفاقات مُلزِمة مع الجنرالات؟
لكن وإلى ذلك الحين، كانت القيادة العسكرية ترى أن نقل السلطة إلى الرئيس الجديد محمد مرسي محفوفة بالمخاطر: فلم يكن من الواضح في وجهة نظر الجنرالات إنْ كان مرسي والإخوان المسلمون سيقبلون في الواقع باستقلالية واسعة للجيش في النظام السياسي للبلاد. وكَوْن أنّ مرسي تمكّن من نقل سلطات القيادة العسكرية، التي منحها المجلس العسكري لنفسه في دستور الفترة الانتقالية، فهذا يشير إلى وجود اتفاقات مُلزِمة بين "الإخوان المسلمون" والجنرالات.
وكان من الواضح لدى تشكيل الحكومة في أوائل أغسطس/ آب أن "الإخوان المسلمون" سيقبلون سلطة الجيش في مجالات الدفاع والسياسة الخارجية والأمن الداخلي. ومن المرجَّح أن جماعة "الإخوان المسلمون" تدعم أيضاً مصلحة الجيش، أثناء عملية إعداد الدستور. فقد يَدفع مرسي، باتجاه تضمين الدستور الجديد مادة بإنشاء "مجلس الأمن القومي"، الذي سيكتسب في هذه الحالة صلاحيات من أهمها حق النقض بشأن القضايا السياسة الخارجية والأمن في النظام السياسي.
مثل هذه الهيئة موجودة مسبقاً في دستور الفترة الانتقالية. وقد اجتمع أعضاؤها لأول مرة على خلفية الأحداث التي شهدتها سيناء. والإعلاء من شأن هذه الهيئة في الدستور الجديد قد يسمح للجنرالات، في النظام السياسي الجديد، بالاحتفاظ بالكثير من سلطتهم، دون أن يكونوا مضطرين بأنفسهم إلى تحمل المسؤولية السياسية.
شتيفان رول
ترجمة: علي المخلافي
مراجعة: هشام العدم
حقوق النشر: المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية/ قنطرة 2012