تونس تجربة فريدة ودرس للتأمل في زمن الربيع العربي
يطرح الكاتب الأمريكي من أصل أردني صفوان مصري تجربة تونس في كتاب ”تونس: فرادة عربية“، الذي يسبح في بحور ثورات عربية منطلقا من مينائها الأول في تونس متقصياً مسار إصلاحاتها وبانيا على نظرية أن أسس التغيير قد تم زرعها في القرن التاسع عشر ونبتت بعد حين.
ومن بذور الزرع هذا ما أنجزته تونس من ثورة تعليمية وحرية المرأة والدولة العلمانية والدينية في آن، لكن الكاتب يرجم بين سطور كتابه تاريخا عربيا عاش على أمجاد الماضي.
ويقع الكتاب في 416 صفحة من القطع المتوسط وهو صادر حديثا باللغة الانجليزية عن مطابع جامعة كولومبيا الامريكية ويتسند إلى عشرات المقابلات مع أكاديميين وباحثين في المنطقة العربية.
يبدأ الكتاب بالحديث عن الثورة في عام 2010 وما تلاها عارضا العوامل التي ساهمت بالتجربة. ومن ثم ينتقل إلى التاريخ حيث ملكة قرطاج ديدون، التي اشتهرت بحكمتها والتاريخ المشترك مع صور في جنوب لبنان ووصول العرب والإسلام إلى تونس مركزا على منتصف القرن التاسع عشر وحركة الاصلاح ودور الزيتونة، التي حصلت فيها الكثير من الإصلاحات وسبقت الأزهر في القاهرة بمئتي سنة.
ويؤكد من خلال الدراسات أن الثورة التونسية كانت عملية داخلية بحتة ولم تبدأ في ديسمبر كانون الأول عام 2010 بل كانت الملامح موجودة منذ فترة.
ويقول مصري في كتابه: "يتباكى العرب على أطلال العصر الذهبي للإسلام عندما كان منتشرا في كل الأنحاء، من الصين في الشرق حتى مراكش (المغرب) في الغرب مؤسسا سلالات مجيدة حاكمة في دمشق وبغداد والأندلس، ومقدما إسهامات عظيمة في المعرفة من الفن إلى الحرف ومختلف العلوم ... إنهم يندبون إضمحلال الحضارة الإسلامية التي بلغت ذروة الدمار على أيدي الغزاة المغول في القرن الثالث عشر".
ويكمل:
”يعيشون على أمجادٍ انقضت وأصبحت من التراث الشعبي تستعمل في دروس الشجاعة والبلاغة والفصاحة وفي المناهج المدرسية. رموا بلائمة فشلهم بالنهوض وعجزهم عن الخروج من كهوف الجهل والظلام على الأتراك، ومن ثم على الغرب وإسرائيل“.
ورغم هذه النظرة القاتمة يتلمس الكاتب محاولات عرضية في نهضة عربية فكرية تقدمية ظهرت أقوى دلالاتها في القرن التاسع عشر واستمرت حتى العقود الأولى من القرن العشرين إذ يقول إن “الحركة الفكرية التي برزت في القاهرة وبيروت وعرفت بـ (النهضة) كانت حركة فكرية تنموية استثنائية من الحداثة الإسلامية وهدفت لإحياء الفكر الإسلامي من خلال إعادة تفسير أو تأويل النصوص المقدسة".
"وقد تمرّد علماء بارزون في وجه التشدد الإسلامي بحثا عن تماهٍ إيديولوجي مع أوروبا نتيجة تأثيرات التطور الغربي. ولكن في نهاية المطاف كانت هذه الصحوة قصيرة للغاية، خُطِفت وعُطِّلت وشُتت وبعثرت بالقوة".
ويضيف الكاتب أن بورقيبة "وفي مسعى لإخراج بلاده من الركود وتحريرها من معوقات التنمية ومن أجل تقدم المجتمع التونسي اتخذ من نور العلم شعارا ودليلا لمسيرته النهضوية وكان يشير باستمرار إلى المسائل الرمادية بالمعنى الفكري إذ أنه ليست لدينا موارد طبيعية لكن لدينا مسألة رمادية هنا يكمن نجاحنا.“
كما يرى الكاتب أن بورقيبة تحسر على موت النهضة الفكرية الإسلامية التي حدثت في الشرق، كما أنه أدرك أن عموم العرب قد علقوا أسرى لأحلامهم ولحنينهم إلى أمجاد عفى عليها الزمن. فقد فهم الرجل نظرية محمد عبده أن الإسلام لا يكون ولا يسود إلا من خلال التعليم.
هذه الأسس يعتبرها صفوان مصري مدماكا أساسيا أهّل الشعب التونسي لاستيعاب نموذج ديمقراطي ناجح وتقبله، فالتونسيون وفي غضون أربع سنوات من الثورة تمكنوا من سن دستور تقدمي جديد وأجروا انتخابات نيابية واختاروا رئيسا للبلاد منتخباً على الطريقة الديمقراطية.
ويرى مصري في كتابه أن حزب النهضة الإسلامي التونسي قد أجبر على اتباع المسار الديمقراطي حيث أن مؤسسه راشد الغنوشي "ساهم في تقديم إسلام أكثر تسامحا، إذ كان على الإسلام في تونس أن يتوافق مع تقاليد ما قبله. فعندما تأسست القيروان كمركز لدراسات الإسلام السني في القرن السابع أصبحت أيضا مكانا لتعليم مؤمنين من مشارب مختلفة".
هل تكون تونس نموذجاً للتغيير في العالم العربي؟
وفي مقابلة مع رويترز خلال توقيع الكتاب في أكتوبر تشرين الأول الماضي قال صفوان مصري: "خلال العشر سنوات الماضية خرجت من عالم الأعمال، الذي كنت فيه وصرت منشغلا أكثر بالقضايا العالمية والثقافية.“
وأضاف: "في الفترة التي قضيتها في عمان تعرضت كثيرا لموضوع العلم والتعليم في العالم العربي واكتشفت كم الموضوع عاطل وبنفس الوقت عندما عشت في عمان أحسست كم هو العالم العربي، الذي تربيت فيه وأعرفه في الستينات والسبعينات راح، لم أعد أعرف العالم الذي حولي، عالم جاهل. عالم متطرف وحيث طغى الدين على الحياة".
ويكمل: "بدأت أتطلع إلى دور التعليم، وصار عندي الكثير من الاهتمام بالتقاطع بين الدين والتعليم وكيف دخل الدين بالتعليم والجهل الذي أصبح عندنا بالعالم العربي. وبعد ذلك صار الربيع العربي وطبعا بدأ في تونس“.
وبعد الربيع العربي "بدأت أذهب إلى تونس ونظريتي كانت أن هناك شيئا خاصا في هذا البلد، الذي استطاع أن يمر بهذه المرحلة. والنظرية الثانية كانت أنه معروفة تونس أن حقوق المرأة كانت متفوقة والتعليم فيها جيد."
ويستنتج الكاتب أن "هناك الكثير من العوامل، التي تمنع أن تكون تونس نموذجا للعالم العربي منها التاريخي والذي يعود إلى قرون مضت. هذه العوامل أربعة وكلها متعلقة ببعض وكلها تتعلق بالإصلاح. حركة الاصلاح، التي بدأت في تونس في القرن التاسع عشر كانت مبنية على تاريخ وعراقة وهوية.“
وأضاف: "هذا كتاب شخصي وأقول فيه أنا لست مؤرخا ولا باحثا اجتماعيا ولكن أحكي الذي رأيته وعشته وبدأت أدخل في الموضوع وأفهم ما الذي أوصل تونس إلى هناك".
يذكر أن مصري مصري حاليا نائبا لرئيس جامعة كولومبيا، كما يشغل فيها موقع رئيس المراكز العالمية والتنمية الدولية حيث يشرف ويوجه المبادرات العالمية للجامعة فضلا عن تطوير شبكة المراكز العالمية لها في العديد من العواصم. كما عمل رئيساً لمجلس أمناء "كينغز أكاديمي"، ورئيسا لمجلس إدارة أكاديمية الملكة الأردنية رانيا لتدريب المعلمين. (المصدر رويترز)