صراع مرير على عتبات الحرم القدسي
سيربط نفق بين المتحف الجديد والموقع الأثري الإسرائيلي المجاور المسمى "مدينة داود"، وسيخدم هذا المتحف كمدخل للموقع، إضافة إلى كونه مركزاً للزوار ومقراً إدارياً، علاوة على إلحاق موقف للسيارات به. كما أن شارعاً قديماً تحت الأرض من زمن الملك هيرودس سيشكل رابطاً لنظام الأنفاق الواقع تحت حائط المبكى.
عمليات التنقيب والأدلة المقدمة في "مدينة داود"، التي تشرف عليها وتموّلها مؤسسة "إلعاد" القريبة من قوى الاستيطان اليمينية، تثير جدلاً كبيراً منذ سنوات، إذ يتهم علماء آثار إسرائيليون المؤسسة بأن عمليات التنقيب التي تقوم بها لا ترقى إلى المعايير العلمية المتعارف عليها. بالإضافة إلى ذلك، فإن تفسير الآثار التي يتم العثور عليها يتبع بشكل كبير روايات التوراه وتحركه دوافع سياسية.
إلى ذلك، فإن عمليات التنقيب هذه تشكل خطراً على منازل السكان الفلسطينيين المجاورة، الذين لا يستطيعون إلا بشقّ الأنفس الحصول على أي إذن بالبناء هناك، في الوقت الذي استغلت فيه المؤسسة نفوذها من أجل توطين المزيد من اليهود المتطرفين في المنطقة.
مؤسسة "إلعاد" تقف أيضاً وراء المتحف المزمع إقامته، والذي سيتم بناؤه على مساحة تقدر بستة عشر ألف متر مربع وستُعرض فيه الآثار التي تم العثور عليها. في هذه المنطقة، التي كانت موقفاً للسيارات في السابق، تم إجراء عمليات إنقاذ أثرية سنة 2005 بتمويل من "إلعاد". وتم تبرير عمليات التنقيب هذه بأنها تهدف لإنقاذ الآثار من مشروع لإنشاء موقف تحت الأرض للسيارات.
غياب الأدلة
الثروة الأثرية التي تم العثور عليها هناك ساهمت في نجاح خطة تحويل المكان إلى مزار سياحي، إذ تم العثور على آثار من العصور البيزنطية والرومانية والإسلامية المبكرة. ومن بقايا العصر الإسلامي المبكر، تم استخراج قطعة من الفخار تحمل شظاياها بعض الكتابات بالعبرية، والتي لم يتمكن العلماء من فك رموزها وبالتالي إثبات النظرية القائلة بأن اليهود كانوا قد استوطنوا المنطقة إبان حكم الخليفة عمر بن الخطاب (634 - 644 ميلادية).
وحتى الفرضية القائلة بأن بئراً من العهد الروماني يمكن أن يكون مخبئاً لثوار يهود كان ينقصها الأدلة. ولا يزال أصل بقايا مبان من العصر الحديدي غير محدد، وبالتالي لا يمكن تصنيفه على أنه يهودي. لكن أهم الاستنتاجات من عمليات التنقيب هذه تتعلق بالعصر الروماني، إذ تؤكد بقايا فيلا كبيرة وغير مألوفة ذات فناء محاط بالأعمدة أن الرومان استوطنوا هذه المنطقة، مما يعني مراجعة الصورة الراهنة عن توسع المستوطنة الرومانية "إيليا كابيتولينا".
كما أن خطة بناء المتحف الجديد لا تحدد بالضبط كيفية دمج الموقع الأثري بالمتحف، الذي سيُبنى معظمه تحت الأرض وسيخصص الطابقان السفليان منه كصالات عرض. هذه فقط إحدى نقاط النقد التي وجهتها ثلاث مبادرات إسرائيلية ومبادرة فلسطينية، التي قدمت اعتراضات على المشروع لدى هيئة منح تراخيص البناء. وتقف وراء المبادرة الأكثر نفوذاً مجموعة من 35 مؤرخاً وعالم اجتماع وفناناً ومؤلفاً إسرائيلياً، من بينهم المؤلف دافيد غروسمان ومؤرخ أساليب العمارة دافيد كرويانكر.
خطر على الإرث المعماري للقدس
وتشكو هذه المجموعة من أن المشروع يخالف عدداً كبيراً من قواعد البناء في المدينة. فمن خلال حجمه الكبير وموقعه، سيغير بناء هذا المتحف من صورة مدينة القدس بشكل كبير وسيؤدي إلى "ضرر جسيم، لا يمكن إصلاحه، للإرث المعماري الثمين للمدينة".
كما أن وضع هذا المتحف بجانب الجزء الإسلامي من حائط المبكى (حائط البراق) قد يُفهَم كاستفزاز وقد يؤدي، في أسوأ الظروف، إلى "إشعال المنطقة بأسرها". كما تطالب المجموعة بنقاش عام حول كيفية سعي مؤسسة خاصة وراء مصالحها في مكان ذي حساسية كبيرة سياسياً وجغرافياً.
نقطة جدل أخرى تطرحها المبادرة، ألا وهي قرب موقع المتحف، المزمع إقامته، من جدار المدينة القديمة، وهذا يعني خرقاً كبيراً لتقاليد التخطيط العمراني في القدس، التي تعود إلى عهد الانتداب البريطاني، إذ كان مخططو المدينة آنذاك قد أصروا على ترك شريط خال من البناء حول جدار المدينة القديمة. وقد تحول ذلك إلى مبدأ جذّرته إدارة المدينة في قواعد البناء لديها بعد سنة 1967.
ومنذ ذلك الوقت، توجب على كل المباني الجديدة أن تترك مسافة مقدارها 75 متراً بينها وبين الجدار. لذلك، فإنه ليس من المحير فقط، بحسب معارضي بناء المتحف، بل ومن غير المقبول أن يتم تجاهل قانون استخراج تصريح لبناء هذا المتحف.
خرق لقوانين البناء
إضافة إلى ذلك، فإن ارتفاع المبنى بالقبة المسطحة على سقفه، والذي سيكون أقل بثلاثة عشر متراً فقط عن قمة جدار المدينة القديمة، يشكل خرقاً لقوانين البناء في المدينة، لأنه بذلك يحجب رؤية المدينة القديمة في عدد من الأماكن المحيطة به. كما ناشد المثقفون منظمة اليونسكو أن ترفض وبشدة خطة البناء التي تقدمت بها مؤسسة "إلعاد".
ومثل هذه المجموعة، تنتقد منظمة "عر عميم" (مدينة الشعوب) الإسرائيلية غير الحكومية في القدس، إضافة إلى جمعية علماء الآثار في المدينة "عيمك شافيه" (عمق شبيه) ، أنه لم يتم الأخذ برأي أي من السكان الفلسطينيين في سلوان خلال مراحل التخطيط.
هؤلاء السكان الفلسطينيون، في الوقت نفسه، يحتاجون إلى تراخيص ومساعدات عاجلة أكثر من غيرهم من أجل بناء مؤسسات تعليمية واجتماعية تنقصهم بشدة، وهذه هي الحجج التي يجادل بها أكثر من 40 فلسطينياً يسكنون في سلوان، ممن قدموا اعتراضات على بناء المتحف الجديد.
ويرى الناطق باسم هؤلاء السكان، المحامي سامي إرشيد، خطة البناء هذه في سياق سياسي يهدف إلى توسيع دائرة الاستيطان الإسرائيلي في القدس الشرقية، ويصبو إلى فرض حقائق على الأرض على حساب السكان الفلسطينيين الذين يعيشون في سلوان، في منطقة لا يزال مستقبلها السياسي رهن التفاوض حالياً.
وبحسب "عر عميم" و"عيمك شافيه"، هناك تخوف من أن مشروع البناء، الذي تم منحه لقب "ميتخام كيديم" (بالعربية: منطقة أثرية)، قد ينتهي به الأمر لخدمة غرض آخر تماماً، إذ كانت حكومة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، أثناء فترتها البرلمانية السابقة، قد أعلنت في مايو/ أيار 2012 عن نيتها إقامة "مزار للتوراه". ورغم أن مقترح قانون بهذا الشأن نجح في تخطي عتبة التصويت الأولى في البرلمان، إلا أنه مجمد الآن. هذا القانون المقترح لا يحدد بالتفصيل مكان إقامة هذا الضريح في القدس.
جوزيف كرويتورو
ترجمة: ياسر أبو معيلق
تحرير: علي المخلافي
حقوق النشر: قنطرة 2014