مدى لجوء شباب أكراد للتطرف أو الهجرة
شعر شباب في كردستان العراق بالإحباط لدرجة أن الكثيرين منهم حاولوا مغادرة البلاد بأي طريقة ممكنة. ويخشى البعض من أن شعور عدم الرضا المنتشر على نطاق واسع يمكن أن يدفع الناس نحو التطرف الديني، الذي يمكن أن يكون خطيرا.
قبيل حلول آخر شهر من عام 2021 كان هناك مؤشر آخر على مدى استياء شعب إقليم كردستان العراق من قادته.
فقد نزل آلاف المتظاهرين، كثيرون طلاب، إلى الشوارع في الإقليم شبه المستقل للمطالبة باستعادة الرواتب المالية التي توقفت السلطات المحلية عن دفعها منذ عام 2014 تقريبا.
وخلال الاحتجاجات، استخدمت قوات الأمن خراطيم المياه وأطلقت الغاز المسيل للدموع ثم الرصاص الحي لتفريق الحشود الغاضبة على نحو متزايد.
ليس هذا هو المؤشر الوحيد من هذا النوع. فالعناوين الرئيسية الأخرى تضمنت غرق 27 شخصًا في القنال الإنجليزي (بحر المانش) ويبدو أن معظمهم من أكراد العراق، وفقًا لما ذكرته وسائل إعلام بريطانية.
بالإضافة إلى ذلك، فإن العديد من طالبي اللجوء المحاصرين على الحدود بين بيلاروسيا وبولندا هم أيضًا أكراد عراقيون.
وهذا ما دفع إلى التساؤل عن سبب استماتة الكثير من الأكراد العراقيين لمغادرة وطنهم لدرجة أنهم يخاطرون بحياتهم في مثل هذه الرحلة المحفوفة بالمخاطر.
الانقسام الاجتماعي وعدم المساواة والظلم
إقليم كردستان العراق، الذي يعمل بشكل مستقل عن الحكومة العراقية المركزية في نواح كثيرة، كان يوصف في وقت ما بأنه "دبي الجديدة"، حيث بدا حينها مزدهرا ومستقرا وجاذبا للاستثمار، خاصة بالمقارنة مع بقية أنحاء العراق.
"لكن وراء هذه الدعاية، كان المجتمع الكردي ينهار. حيث انقسم إلى طبقتين اجتماعيتين اقتصاديتين: واحدة من النخبة السياسية، ورعاتها وعملائها، والأخرى تتكون من عموم الشعب"، بحسب ما كتب كمال شوماني، الطالب الكردي المقيم في ألمانيا، لـ"مجلة نيو لاينز".
وقد بدأت الأمور تتغير بشكل خطير في عام 2014 تقريبا، وهو وقت ازداد فيه الشعور بانعدام الأمن بسبب صعود تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، وكذلك بسبب الصراع السياسي المتزايد مع الحكومة الفيدرالية في بغداد والأزمة المالية.
فما يقرب من ثلثي الأسر الكردية كانت وما تزال مسجلة في كشوف المرتبات العامة، وأعلنت الحكومة نفاد أموالها وعدم قدرتها على الدفع لبعض القطاعات، بمن فيها العاملون في قطاعي التعليم والصحة.
انكشفت أوضاع الديمقراطية على حقيقتها في المنطقة شبه المتمتعة بالحكم الذاتي من خلال العديد من الاستحقاقات الانتخابية، حيث اتضح للناخبين أن الحزبين صاحبي أكبر سلطة في المنطقة وهما: الاتحاد الوطني الكردستاني (PUK) والحزب الديمقراطي الكردستاني (KDP) لم يكن في نيتهما التخلي عن أي شيء.
وتضاءل الحلم ببناء وطن كردي، وهي الفكرة الموحدة التي كانت في السابق لها الأولوية أمام كل الانقسامات الأخرى.
عاطل عن العمل مدى الحياة
كل هذه الأوضاع أنتجت شبانا فقدوا الأمل في تحقيق تغيير سياسي أو أمن اقتصادي شخصي، علما بأن نحو ربع السكان الأكراد العراقيين، الذين يُعتقد أنهم أكثر من 5 ملايين، تتراوح أعمارهم بين 18 و 34 عامًا.
وبحلول عام 2018 أفادت بعثة الأمم المتحدة في العراق أن أكثر من خُمسهم اعتقدوا أنهم لن يحصلوا على وظيفة أبدًا.
والآن، أعرب البعض عن مخاوفه من أن هؤلاء الشباب المحبطين قد يتحولون في مكان ما إلى الأصولية الدينية.
غالبية المسلمين الأكراد هم من السنة، وهناك بين رجال الدين السنة في الإقليم متشددون معروفون باسم السلفيين، وهم ينشطون في المنطقة منذ الخمسينيات.
وكلمة "سلف" تعني الأسلاف أو الأجداد، والسلفيون يدعون إلى التمسك بما يدعون أنها القواعد الأصلية للإسلام.
وغالبًا ما يكون رجال الدين السلفيون قد درسوا في المملكة العربية السعودية أو دول الخليج الأخرى، حيث تسود نزعة محافظة مماثلة.
وعندما عادوا إلى كردستان العراق، بدأوا في إنشاء المدارس والمساجد السلفية بتمويل من تلك الدول.
وغالبًا ما يكون للسلفيين الأكراد حضور كبير على وسائل التواصل الاجتماعي، ولبعضهم أيضًا قنوات تلفزيونية فضائية دينية خاصة بهم.
الدعم السياسي
في الماضي كانت هناك مجموعات سلفية تقف وراء هجمات إرهابية أو تزويد التنظيمات المتطرفة بمتطوعين.
لكن في الآونة الأخيرة، ووفقا لتقرير يعود لعام 2019 أجراه مركز الدراسات الكردية فإن "السلفية الجهادية المتشددة تفتقر إلى الدعم الجماعي في كردستان". ولفت التقرير إلى أنه "مع ذلك، هناك عدد متزايد من أشكال السلفية غير المتشددة في كردستان"، مضيفا أن "السلفية آخذة في الصعود في [كردستان العراق] بأشكال متعددة".
وقال خبراء إن هذا يرجع جزئيًا إلى أن الحزبين السياسيين الحاكمين، الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني، كانا أكثر تسامحًا مع رجال الدين السلفيين الأكراد، إذ أن معظمهم لا يتبنى سياسة العنف.
ولكنهم بدلاً من ذلك، يؤكدون على طاعة القيادة السياسية، وهذا على عكس الأحزاب السياسية الإسلامية المحلية، التي تشكل جزءًا من المعارضة في برلمان الإقليم والتي غالبًا ما تتحدى القيادة الحالية.
إبراهيم صادق ملا زاده، المحاضر في علم الاجتماع بجامعة سوران في كردستان العراق، والذي أجرى أبحاثًا حول مستويات التدين بين الشباب المحلي، قال في حوار مع دي دبليو إن: "السلطات في المنطقة تدعم السلفية لإضعاف الأحزاب الإسلامية. لكن هذا خطأ".
ويضيف أنه يعتقد أن التيار الديني المحافظ "دمر الثقافة الكردية المتسامحة والمنفتحة" وأن رجال الدين المحافظين يستخدمون أزمات المنطقة المختلفة والشباب المحليين لتحقيق مآربهم الخاصة.
أمَّا مصلح إرواني، عالم الاجتماع ورئيس معهد السياسة العامة، وهو مؤسسة بحثية في مدينة أربيل، فقال في تصريحات لـ دويتشه فيله إنه يرى في ذلك "موجة جديدة من العودة إلى الإسلام" بين جيل الشباب.
وأوضح إرواني في حديثه بأن هناك نوعين من هذا النهج. أحدهما تقليدي ومحايد سياسياً. بينما، والقول له، "النهج الثاني أكثر راديكالية.. ويحظى بشعبية بين هؤلاء الذين دمرهم الوضع السياسي في كردستان العراق".
"التدين يقل ولا يزيد"
لكن لا يتفق الجميع في المنطقة على أن الشباب الأكراد الساخطين على الأوضاع معرضون لخطر التطرف الديني - على الأقل، ليس الآن.
وعلق سوران أحمد، وهو صحفي محلي غطى الاحتجاجات الطلابية في السليمانية في حديثه لـ دويتشه فيله على الأمر قائلا: "الشباب الكردي غاضب من الحكومة الحالية، وهو غاضب أيضا من أي شخص يدافع عن تلك الحكومة".
وأضاف "السلفيون يدافعون عن الحكومة ويؤكدون على وجوب طاعة الحاكم وحماية الوضع الراهن حفاظا على الاستقرار والأمن".
ولهذا السبب، على حد قوله، فإن الكثيرين من الشباب الأكراد لا يحبون السلفيين.
بالإضافة إلى ذلك، أشار أحمد إلى أن السلوك الهمجي لتنظيم "الدولة الإسلامية" الإرهابي فعل الكثير لإبعاد السكان المحليين عن الدين.
على الرغم من أن الغالبية لا تزال متدينة، إلا أن استطلاعات الرأي التي أجراها الباروميتر العربي في عام 2019 تشير إلى أن الشباب العراقي أصبح في الواقع أقل تدينا.
كاميران بالاني، باحث زميل في معهد أبحاث الشرق الأوسط في أربيل، أجرى أبحاثًا حول احتماليات التطرف العنيف بين الشباب في كردستان العراق، كما أنه على اتصال بالسلفيين المحليين.
وأكد بالاني بأن "السلفية في كردستان العراق ليست جديدة. ولم أشهد تغييرًا جوهريًا مؤخرًا".
وأوضح كذلك أنه لكي يتحول الفرد إلى التطرف في كردستان العراق، يجب أن تكون عوامل "الدفع والجذب" موجودة.
وأضاف المحاضر بجامعة صلاح الدين: "تخيل أنك تبلغ من العمر 22 عامًا وتخرجت حديثًا هنا. ولا يمكنك الحصول على وظيفة، كما أن لديك فرصا محدودة وترى أشخاصًا آخرين يتخرجون من جامعات أوروبية أو خاصة ويعيشون حياة مختلفة ورغيدة جدا. بالطبع، ستصبح أكثر عرضة لتجنيدك".
تنظيم "دولة إسلامية" جديد؟
وأوضح بالاني أن الشعور بالظلم وعدم المساواة واليأس كلها عوامل تدفع (نحو التطرف).
وقال "لكن لحسن الحظ، كردستان العراق ليس لديه بالفعل عامل جذب قوي في الوقت الحالي"، مشيرًا إلى عدم وجود محافظين دينيين يتمتعون بكاريزما أو يوجهون رسائل عنف.
لكن هذا هو السبب أيضًا في مخاوف بالاني بشأن المستقبل، على الرغم من رؤيته لتغيير طفيف في أعداد الشباب المنجذبين إلى المساجد السلفية، ولكن السلطات لا تشاركه هذه المخاوف.
في حوالي عام 2014، يُعتقد أن أكثر من 530 كرديًا عراقيًا قد انضموا إلى تنظيم "الدولة الإسلامية". وأبلغت مصادر أمنية بالاني أنه تم القبض على 800 آخرين أو نحو ذلك قبل أن يتمكنوا من الانضمام للتنظيم.
وأضاف بالاني: "لكن في عام 2014، كان لا يزال هناك بعض المساحة والأمل للشباب هنا. ما يقلقني الآن، في السياق الحالي، أنه إذا تكرر نفس الشيء مرة أخرى، فسيكون لدينا الكثير من الشباب الذين سيحاولون الانضمام إلى تنظيم مثل تنظيم 'الدولة الإسلامية".
كاثرين شير
ترجمة: ص.ش
حقوق النشر: دويتشه فيله