بيرة فلسطينية حلال للمسلمين وكوشير لليهود
في ظل ما تشهده الأراضي الفلسطينية من انسداد في الأفق السياسي وارتفاع في تكاليف المعيشة، إلا أن "المواطن يحاول انتهاز أي فرصة تُدخل البَهجة على قلبه"، على حد تعبير نديم خوري، مؤسس أول مصنع بيرة في الأراضي الفلسطينية، ويضيف خوري بأن: "تناول زجاجة من البيرة، سواء كانت خالية من الكحول أو مع كحول، تمنح شاربها فرصة للاسترخاء والفرح والابتعاد لبعض الوقت عن هموم السياسة".
الحلم أصبح حقيقة
على إحدى التلال الجميلة بالقرب من مدينة رام الله، تدور محركات مصنع الطيبة لإنتاج البيرة منذ ساعات الصباح الباكر، يتابع خلالها نديم خوري عن كثب مراحل الإنتاج. يستحضر خوري ذكريات تعود إلى نحو 25 عاما، عندما تعلم صُنع البيرة خلال وجوده في الولايات المتحدة الأمريكية، وقد حرص على تجريب إعدادها في بلدته، وسط فضول وتشجيع عائلته لتحقيق حلمه وكذلك بتشجيع من الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات.
وبعمل لا ينضب مجبول بشغف وحب، اتسعت رقعة أعمال عائلة الخوري وتحولت من مصنع إلى مجموعة تضم في طياتها عدة شركات لإنتاج: البيرة، وزيت الزيتون، والنبيذ، بالإضافة إلى فندق، وفقا لما ذكره خوري.
واتخذ نديم خوري من بلدة الطيبة مقرا لكافة أعماله، تلك البلدة التي تبعد 12 كم عن مدينة رام الله، يقطن بها قرابة 1500نسمة، تلالها مكسوة بأشجار الزيتون، كبيرة بعطائها لما توفره من بَهجة في النفوس ومُتعة النظر عندما يشاهدون كنائسها الثلاث، بأبراجها الثلاثة، مظهرة هويتها المسيحية في مكان مسكون بحكايات قديمة تروي على ألسنة سكانها أن السيد المسيح مر منها أثناء رحلته إلى مدينة الناصرة.
تذوق فلسطين في زجاجة بيرة!
تحظى البيرة على إقبال متزايد في أوساط الشباب، كما حققت نجاحات مدوية في عدد من الدول الأوروبية، ويحرص نديم خوري على إنتاج بيرة طبيعية من أفخر أنواع الشعير البلجيكي والتشيكي، مضافا إليها "زهرات الدينار" الألمانية التي تمنحها مذاقا مميزا تأسر به عشاقها.
ينتجُ مصنع الطيبة 6 أصناف من البيرة بحسب المواصفات والمعايير الألمانية ومنها البيرة الذهبية، والبيرة الداكنة والبيرة الخالية من الكحول. ويستهلك السوق المحلي في الضفة العربية نحو 60 بالمائة، في حين يتم تصدير 10 بالمائة إلى نحو أربع عشرة دولة من بينها ألمانيا والسويد وبلجيكا واليابان والولايات المتحدة الأمريكية وتشيلي، أما السوق الإسرائيلي فيستوعب 30 بالمائة من الإنتاج.
وتحظى بيرة الطيبة بإقبال واسع داخل إسرائيل، سواء من المواطنين العرب أو اليهود، كما أوضح نديم خوري أن لديه رخصة "الكوشير" اللازمة للبيع داخل السوق الإسرائيلي"، مضيفا: "نصدر البيرة إلى إسرائيل منذ 1994، ومحبّو العلامة التجارية الخاصة يشربونها حتى في المحلات غير العربية".
نخبُ السلام
يملك ليونيد ليبكين وشريكه إريك سلاروف حانة في حيفا، الواقعة على الساحل الشرقي للبحر المتوسط على بعد أكثر من 140 كيلومترا من بلدة طيبة، يقول ليونيد إن "البيرة تشكل أرضية مشتركة لتواصل الناس، مثلما يتواصلون الناس مع بعضهم بعض في أماكن العمل أو الدراسة".
وقد حرصت الحانة الاسرائيلية على تقديم البيرة الفلسطينية كي يتذوقها الزبائن، واعتبر ليونيد في أنها "فرصة للتعلم من خلال البيرة إلى أي مدى نشبه بعضنا في مواجهة مشاكل وتحديات مماثلة. إنهم يريدون "طعمًا أفضل لفلسطين" - ونريد طعمًا أفضل لإسرائيل، وهو أمر يمكن الاعتماد عليه بالفعل في قدرتنا على الفهم وإلى أن نكون أصدقاء".
بيرة بنكهة المعاناة
تعتبر المياه المادة الأولية في عملية التخمير، ويحصل مصنع البيرة عليها من ينبوع عين سامية الذي يبعد بنحو ثلاثة كيلومترات فقط عن بلدة الطيبة، وهو خاضع للسيطرة الإسرائيلية. وأشار خوري أن مشكلة المياه تعد من أبرز التحديات التي تواجههم خلال عملية الإنتاج، ولا يمكننا مواصلة عملية التخمير، لصعوبة الحصول على الماء، مضيفا أن "الجدار الفاصل والحواجز تحد من حركة التنقل، وفي إحدى المرات نقلنا البيرة على أظهر الحمير، لكي نرسلها للموردين. ورغم ذلك فقد تعودنا على وجود المشاكل التي لن تتوقف إلا عندما يصبح لدينا دولة".
{"تناول زجاجة من البيرة، سواء كانت خالية من الكحول أو مع كحول، تمنح شاربها فرصة للاسترخاء والفرح والابتعاد لبعض الوقت عن هموم السياسة، في ظل ما تشهده الأراضي الفلسطينية من انسداد في الأفق السياسي." - وفق قول نديم خوري، مؤسس أول مصنع بيرة في الأراضي الفلسطينية}
وكسائر الصادرات الفلسطينية الأخرى، تواجه صادرات بيرة الطيبة مشاكل كثيرة، لا سيما وأنه لا يوجد في الأراضي الفلسطينية موانئ أو مطارات، وهكذا فإن على المنتج الفلسطيني المرور دائما عبر إسرائيل. ويوضح خوري: "يتم نقل بيرة الطيبة إلى الموانئ الإسرائيلية وتستغرق عملية الفحص والتفتيش عدة أيام، وهذا مكلف جدا".
أمام كل هذه المشاكل تحاول عائلة نديم خوري الصمود وتنويع نشاطاتها في هذا المجال، فابنه كنعان الحاصل على شهادة من جامعة هارفارد بدأ الخوض في غمار مغامرة جديدة تتمثل في إنتاج النبيذ.
ولطالما تترك البيرة الفلسطينية ذوقا طيبا في النفس، فهل ستجلب البيرة فسحة من الأمل في منطقة مليئة بالنزاعات؟
جمال سعد
حقوق النشر: دويتشه فيله 2019