عشتُ غريبًا - مثل قصيدة مترجمة

حسين بن حمزة شاعر سوري يعيش في ألمانيا منذ 2017. مجموعته الشعرية المكتوبة منذ ذلك الحين صدرت في نسخة عربية ألمانية: قصائد عن المنفى والوحدة وقوة القصيدة. الناقد الأدبي الألماني غريت فوستمان قرأها لموقع قنطرة.

الكاتبة ، الكاتب: غيريت فوستمان

"عشت غريبًا / مثل قصيدة مترجمة". وضع الشاعر حسين بن حمزة - المولود في مدينة الحسكة السورية في عام 1963 - هاذين البيتين في مُقدِّمة مجموعته الشعرية "أتحدَّث عن الزُّرقة لا البحر". وهي قصائد من المنفى، نصوص كتبها حسين بن حمزة منذ وصوله إلى ألمانيا في عام 2017. وفي هذه القصائد أربعةُ موضوعات رئيسية: المنفى والوحدة والحبّ واللغة.

عندما يتعلق الأمر في شعر حسين بن حمزة بلغة قصائده، فإنَّ ذلك من دون ريب بمثابة لعبة مَرِحة مع شعر التصوير الذاتي (الميتاليريك). وحسين بن حمزة أستاذٌ في الاختصارات، نجح في فتح عوالم كاملة باستعارات مناسبة، نقلها المترجم غونتَر أورْت بدقة وحساسية إلى الألمانية، مثلما هي الحال هنا: "بالطريقةِ التي تُحَرِّكين بها يدَكِ / وأنتِ تتحدَّثين / لا يحتاج الشعر إلى كتابة".

وهو فَنٌّ يُقوِّضه بغمزة عين في قصيدته الثلاثية السطور "ما يبقى":

 

"لا أكتبُ قصيدةً قصيرة / بل أُحاول أن أكتب / ما يبقى من قصيدةٍ طويلة". وبعد ذلك، بعد صفحة واحدة فقط، يُلحِقها بقصيدة أطول حول كتابة قصائد قصيرة جدًا.

 

غلاف النسخة المترجمة إلى الألمانية – "أتحدَّث عن الزُّرقة لا البحر" مجموعة شعرية للشاعر حسين بن حمزة الشعرية.  Foto: Copyright Edition Converso 2020
Nach einer jahrelangen Schreibkrise hat der aus al-Hasaka in Nordsyrien stammende Lyriker Hussein Bin Hamza die Gedichte für diesen Band geschrieben. Seine Sprache vermeidet jede orientalische „Blumigkeit“. Stattdessen besteht sie aus lakonischen, knappen Worten, mit denen er die Themen Flucht, Exil, Liebe und Einsamkeit anspricht.

ولكن هذه الدعابة تتوقَّف بسرعة حينما يقول في موضع آخر (في قصيدة جَوْدة) إنَّه كان فيما مضى يتأكَّد من أنَّ القصيدة التي كتبها جيِّدة إذا تهدَّج صوته أو أوشَكَ على البكاء، وهو يقرأها أمام المرآة. ولكنه يقول في النصف الثاني من هذه القصيدة: "الآن أبكي كلَّ يوم أمامَ المرايا / وقد تركتُ الشعر!". وفي قصيدة أخرى (قصيرة عنوانها كنتُ طائرًا) يتحوَّل جناحا الطائر -اللذان يرمزان إلى الشاعر- إلى عكَّازين.

وهذه صورة غالبًا ما يمكن العثور عليها في صيغ مختلفة لدى الشاعرات والشعراء العرب في المنفى.

وحسين بن حمزة هو مؤلف "بات فجأة من دون عمل" في ألمانيا - مثلما يقول المؤلف والناشر ميشائيل كروغَر في خاتمة المجموعة الشعرية.

فقد كان حسين بن حمزة في بيروت -التي عاش فيها منذ عام 1995- كاتبًا مرموقًا يكتب حول الأدب والفنّ لصحف ومجلات لبنانية ويُقدِّم المؤلفين العرب ويدير دار النشر التابعة لمعهد الدراسات العراقية.

ولكن هذا ليس عملًا يمكنه الاعتماد عليه بمنفاه في ألمانيا. إذ إنَّ الأدب العربي، وخاصة الشعر العربي، لا يزال يُقابَل هنا في ألمانيا بأكبر قدر ممكن من التجاهل.

كلمات هدوء كئيب

إذَنْ فهو يُعيد اختراع نفسه كشاعر. ويكتب حول موضوعات جديدة لا تؤثِّر فقط في نفسه منذ فترة طويلة، بل باتت أيضًا تُؤثِّر في الكثيرين خلال السنوات الأخيرة: الغربة والوحدة وفراغ أيَّامه كلاجئ يحاول ملؤه بقصائد ويكافح ضدَّ كلّ هذه الظروف المعاكسة.

ونصوصه مهمة لجمهور ألماني يُحبُّ الحديث حول اللاجئين في ألمانيا، ولكنه في الواقع نادرًا ما يتحدَّث معهم.

وهذه بطبيعة الحال أيضًا نصوصٌ لرفاق مصيره، ولهذا السبب فقد صدرت مجموعته هذه الجديرة بالتقدير باللغتين الألمانية والعربية. ففي قصيدته "الماضي" يقول: "ماضينا الثَّقيل / أَغرَقَنا قبل أنْ نصل إلى السواحل / نحن السُّوريين". اللاجئون الذين يتمكَّنون من الوصول يلتقطون في قصائده "صورَ سيلفي عاجلة / بثياب لا تزال مرطّبة بالبحر الذي ابتلعَ أقرباءَ لنا"، ويتمنى قائلًا: "ليتنا بقينا لاجئين داخل أحلامنا القديمة".

والموضوعات الكبيرة هي: اللجوء والهجرة والمنفى وبؤس البحر الأبيض المتوسط، الذي يموت فيه كلَّ عام آلافٌ مؤلّفة من الناس، وليس فقط منذ عام 2015.

لقد كانت الحال هكذا أيضًا في عام 2005 وفي عام 2008 - عندما كان يقوم حرس الحدود التابعين للوكالة الأوروبية لحرس الحدود والساحل (فرونتكس) بدوريات من أجل إبعاد اللاجئين عن السواحل الأوروبية، ولكن في تلك الفترة معظم الناس في أوروبا كانوا ببساطة يغضُّون النظر.

وفي قصيدة "ضيف ألماني"، يقلب حسين بن حمزة الأدوار: يستضيف الشاعر وقصائده شخصًا ألمانيًا، "غريبًا"، ولكن "نسمحُ له بأن ينتهكَ وحدتنا الثمينة".

يراقب حسين بن حمزة جاره الألماني الوحيد الغريب الأطوار على شكل أبيات شعرية: كيف يحافظ على حديقته نظيفةً ويُزيل منها الحصى أو قصاصات الورق المتطايرة إليها، أي يخلِّصها من المواد والأشياء الغريبة.

لقد نجح في تناول كلّ النقاش الدائر حول الهجرة واللاجئين، حول كراهية الأجانب والوطن، في بضعة أبيات شعر مختصرة ومقتضبة وهادئة. نجح في مواجهة كلِّ الانفعالات والقلق بهدوء كئيب يسحب الريح حتمًا من أشرعة كلِّ غوائي.

وهو يفعل ذلك بمهارة لدرجة أنَّه يتناول هذه الموضوعات من دون أن يذكرها بشكل مباشر حتى ولو مرة واحدة فقط. ولكنه يصبح مباشرًا جدًا - في قصيدة "لغة مجروحة":

 

 

بالكردية أو بالعربية

بالصومالية أو الأفغانية

كلماتٌ ثقيلة وغامضة

تتطاير كالقذائف فوق الرؤوس في القطارات والباصات

الألمانُ يُخفضون رؤوسهم

يتبادلون نظراتِ الاستهجان

أو يكملون قراءة الروايات

متظاهرين بأنَّهم لا يرون الدّم

يسيل من لغتهم التي تجرحها الكلماتُ الأجنبية.

 

عندما وصل حسين بن حمزة إلى ألمانيا، تذكَّر أيَّامَ دراسته الثانوية في حلب: في تلك الفترة كانت توجد كُتيِّبات تعليمية صغيرة تحمل عنوان "تعلم اللغات الأجنبية خلال خمسة أيَّام من دون معلم!"، مثلما يقول. ويضيف أنَّها كانت "للمبتدئين، ذوي التوجُّه السياحي" مع أمثلة حوارية.

وفي حين أنَّ معظم زملائه في الفصل الدراسي قد اختاروا الإنكليزية أو الفرنسية، أخذ هو الكُتيِّب الخاص بتعلم اللغة الألمانية. "وها أنا هنا!"، مثلما كتب. هو - الذي نشأ في أسرة صوفية لغتها الأُمّ هي الكردية وكان يستمع وهو طفل إلى والده وهو يقرأ الأساطير الدينية، وتكوَّنت لديه في سنّ مبكِّرة "رهبةٌ من الكلمات" جعلته يصبح في نهاية المطاف شاعرًا.

 

وها هو الآن هنا. ويجب علينا الاستماع إليه.

 

 

غريت فوستمان

ترجمة: رائد الباش

حقوق النشر: موقع قنطرة 2020

ar.Qantara.de

 

مجموعة حسين بن حمزة الشعرية "أتحدَّث عن الزُّرقة لا البحر"، ich spreche von Blau nicht vom Meer، عن العربية إلى الألمانية ترجمها غونتر أورت Günther Orth، صدرت عن دار نشر كونفيرسو، سنة 2020.

 

............

طالع أيضا

كاتب كردي اللغة العربية موطنه ومفتاحها في جيبه - الأديب السوري "سليمو": سليم بركات

............

 

[embed:render:embedded:node:22731]