إخراج الأطفال من مخيمات داعش حتى دون أمهاتهم؟
في مايو / أيار الماضي 2022 غرق صبي يبلغ من العمر ثمانية أعوام في خندق صرف صحي بمخيم الهول في شمال شرق سوريا الذي يعد أكبر معسكر اعتقال لمقاتلي داعش المشتبه بهم وعائلاتهم. وبعد هذه الواقعة بشهور وتحديدا في نوفمبر / تشرين الثاني 2022، عُثر على فتاتين ما بين 12 و15 عاما في خندق آخر للصرف الصحي فيما ذكرت تقارير أنه جرى قطع رأسيهما بعد أن تعرضتا لاعتداء جنسي.
وفي سياق متصل، قال خبير في الجماعات المتطرفة في مقابلة مع دي دبليو إنه جرى رصد ومشاهدة أطفال في مخيم الهول يتدربون على قطع رؤوس القطط والكلاب لتمهيد الطريق أمام تجنيدهم في صفوف تنظيم داعش المتطرف. ويقيم في مخيم الهول أكثر من 53 ألف شخص ودائما ما يُوصف بكونه "أخطر مخيم في العالم".
وعلى الرغم من أن ساكني المخيم لا يدعمون داعش جميعهم، إلا أنهم يُطلق عليهم النازحين من مناطق سيطرة تنظيم داعش سابقا في سوريا والعراق. ينحدر معظم سكان المخيم من العراق وسوريا، لكن هناك ما بين 10 آلاف إلى 11 ألف شخص من دول أجنبية بما في ذلك جنسيات أوروبية وأمريكية وكندية، فيما يشكل الأطفال والنساء غالبية سكان المخيم. وبحسب تقديرات من منظمات إغاثة أن ما بين 60 و64 بالمائة من سكان المخيم هم من الأطفال ومعظمهم دون سن الثانية عشرة.
موجة قياسية من العنف
تعد الحياة بالنسبة لقاطني المخيم المكتظ من الأطفال في غاية الصعوبة نظرا للبيئة في الداخل، فضلا عن نقص الرعاية الطبية والخدمات الأساسية وحتى فرص التعليم، بيد أنه خلال العام 2021 أصبح الوضع داخل المخيم شديد الصعوبة أكثر من أي وقت مضى، فيما يعود ذلك إلى تسجيل 126 جريمة قتل و41 محاولة قتل.
وفي ضوء ذلك، قالت منظمات إغاثة إن العام 2021 كان أكثر الأعوام عنفا داخل المخيم وسط توقعات أن يكون عام 2022 الأسوأ على الإطلاق.
تزامن هذا مع تكثيف تركيا غاراتها الجوية في شمال شرق سوريا وتحديدا في مناطق الأكراد منذ تفجير إسطنبول في 13 نوفمبر / تشرين الثاني 2022.
وعلى وقع ذلك، فإن بعض الأمهات في مخيم الهول أصبحن لا يرغبن في استمرار عيش فلذات أكبادهم في هذا المخيم.
وقد أفادت منظمة هيومن رايتس ووتش في تقرير أصدرته في نوفمبر/ تشرين الثاني 2022 بأن أكثر من 30 دولة بما في ذلك دول أوروبية عملت على إعادة مواطنيها من المخيم فيما وصل عدد من جرى ترحيلهم من المخيم إلى 1464 امرأة وطفل منذ عام 2019.
وقالت منظمة "أنقذوا الأطفال" إنه جرى تسجيل زيادة بنسبة 60 بالمائة في عمليات إعادة الأجانب المحتجزين في المخيم خلال عام 2022.
لكن بعض النساء فضلن البقاء في المخيم إذ رفضن عروضا قدمتها حكوماتهن للترحيل من سوريا فيما أفادت الخارجية الألمانية لِـ دويتشه فيله بأن آخر سيدة رغبت في العودة برفقة أطفالها الأربعة قد وصلت ألمانيا في نوفمبر/ تشرين الثاني 2022.
وقال المتحدث باسم الخارجية "نفترض أن عدد الأمهات والأطفال الألمان الذين ما زالوا في مخيمات روج والهول منخفض – ربما رقم يتألف من رقمين، لكن على حد علمنا، لا ترغب النساء المتبقيات في العودة إلى ألمانيا".
أسباب الإصرار على البقاء
ولا يقتصر هذا الأمر على ألمانيا بل هناك أيضا نساء من بلدان أخرى يرفضن الخروج من المخيم، فيما قالت جو بيكر، مديرة المناصرة لحقوق الطفل في هيومن رايتس ووتش، أن هناك عدة أسباب وراء ذلك.
وقالت "لا ترغب بعض النساء في بعض الحالات في العيش في دولة غير مسلمة أو ربما يخشين من تعرضهن للمحاكمة أو التمييز. وفي حالات أخرى، قد يكون الزوج في السجن، لذا ترغب الزوجة في انتظار الإفراج عنه لأنها لا تريد اتخاذ مثل هذا القرار بدون استشارته. وبشكل آخر، قد لا يصب ذلك بالضرورة في مصلحة الطفل".
اقتراح مثير للجدل
وعلى وقع ذلك، طرح بعض الخبراء على الدول الأجنبية اقتراحا يدعو لإعادة الأطفال مع ترك أمهاتهم في مخيم الهول إذا رغبن في البقاء.
وعن ذلك، قالت آن سبيكهارد، مديرة المركز الدولي لدراسة التطرف العنيف ومقره الولايات المتحدة، إن بقاء الطفل مع أفراد أسرته "عادة ما يكون في مصلحة الطفل الفضلى".
وأضافت "لكن هذا الأمر قد لا يكون صحيحا بالضرورة في كل الظروف خاصة إذا كنا نتحدث عن أفراد من عائلة داعشية ممن يرغبون ربما في البقاء بالمخيم خوفا من تعرضهم لملاحقة قضائية عند العودة إلى بلادهم أو يعتقدون أن داعش ستُخرجهم في نهاية المطاف."
وقالت "إذا كان هناك طفلا في عامه السابع وتسيء أمه معاملته أو تعطيه مخدرات أو ترغمه على أفلام ومواد ترويجية لداعش، أليس على دولته في هذه الحالة الالتزام بالتدخل لإخراج الطفل من هذه البيئة؟"
وأشارت إلى أن الأطفال لا يُجرى اعتقالهم في العادة مع الآباء لفترات طويلة، مضيفة "في الوقت الذي نصف فيه قانونيا مخيم الهول و ومخيم روج باعتبارهما مخيمين، لكنهما في حقيقة الأمر سجنان".
الأطفال وتبني الأفكار المتطرفة
وفي مقال رأي بصحيفة نيويورك تايمز هذا العام، سلط الدبلوماسي الأمريكي والأممي السابق ومستشار الحكومة الكردية، بيتر غالبريث، الضوء على هذه القضية حيث قال إن معظم الأمهات لا يرغبن في انفصال أطفالهن عنهن.
وأضاف في مقاله "سيكون هذا بالتأكيد أمرا قاسيا ومؤلما للأطفال. لكنني أعتقد أن ما هو أشد قسوة وألماً من ذلك هو أن تحكم على طفل بالسجن مدى الحياة لأن أحد الوالدين اتخذ قرار الذهاب إلى سوريا للانضمام إلى منظمة إرهابية". وحذر غالبريث مثل العديد من الخبراء من خطورة تبني الأطفال أفكارا متطرفة وتحولهم إلى متطرفين في حالة استمرار بقائهم في المخيم. وخلال إيجاز عام 2021 بشأن الحرب على داعش، أشار مجلس الأمن الدولي إلى "حالات عديدة لحدوث أعمال تطرف وجمع الأموال وتدريب وتحريض داخل مخيم الهول".
اقترح غالبريث أنه يمكن نقل الأطفال -الذين ترفض أمهاتهم مغادرة المخيم أو لا يستطيعن ذلك- إلى قرى مخصصة للأطفال يديرها الأكراد، مضيفا أن العديد من الأطفال لديهم أقارب في دولهم الأجنبية يهتمون بأمرهم وبهذه الطريقة سيكون إخراجهم من سوريا سهلا".
مصلحة الطفل
وحول ذلك، تشدد منظمات عديدة مثل "أطباء بلا حدود" و "أنقذوا الأطفال" و "هيومن رايتس ووتش" على أهمية مواصلة العمل لما يصب في صالح الطفل في ضوء الظروف الرهيبة داخل مخيم الهول، بيد أنه لا توجد منظمة اقترحت بشكل مباشر فصل الأطفال عن أمهاتهم.
وفي مقابلة مع دويتشه فيله، قال موظف يعمل في منظمة غير حكومية داخل سوريا والعراق، إن هذا يعد "سؤالا شائكا وصعبا، لكن سيصبح ذا صلة في المستقبل". وأضاف الموظف، الذي تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته، أنه في "بادي الأمر، سيُجرَى فرز الحالات السهلة نسبيا وتصبح المجموعة المُزْمَع إعادتها أصغر حجما وأكثر تعقيدا".
يشار إلى أن المادة التاسعة من اتفاقية حقوق الطفل الصادرة عن الأمم المتحدة تنص على أنه "لا يجوز فصل الطفل عن والديه على كره منهما، إلا عندما تقرر السلطات المختصة -بوجود إجراء إعادة نظر قضائية وفقا للقوانين والإجراءات المعمول بها- أن هذا الفصل ضروري لصون مصالح الطفل الفضلى".
عملية ذات شفافية
بدورها، قالت جو بيكر، مديرة المناصرة لحقوق الطفل في هيومن رايتس ووتش، إنه في حالة إعادة الأطفال إلى بلدانهم بدون والديهم، فإنه في هذه الحالة سيكون هناك حاجة إلى الشروع في عملية تنطوي على تحديد كل حالة على حدة.
وأضافت أن أي عملية يجب أن تتضمن "التشاور مع الأم للوقوف على خياراتها وما مدى احتمالية تعرضها لملاحقة قضائية عند العودة إلى بلدها وما أنواع الرعاية التي قد يقدمها أفراد أسرتها لأطفالها عند العودة ومدى معرفة الأطفال بهؤلاء الأقارب".
وقالت إنه ينبغى استشارة الأطفال الأكبر سنا مع الاستمرار في نقاش ذلك مع العائلات بشكل منتظم لأن مواقفهم قد تتغير سواء مع تقدم الأطفال في السن أو تغير ظروف المخيم، مؤكدة على ضرورة ان تتم هذه العملية "بطريقة غاية في الشفافية".
من جانبها، قالت أوكي بومان، مدير الاتصالات في مكتب الاستجابة في سوريا التابع في منظمة "أنقذوا الأطفال"، إنه في حالة اتباع عملية من شأنها إعادة الأطفال من مخيم الهول بدون أمهاتهم، "فإن الظروف في المخيم تجعل من الصعب للغاية اتباع أي نوع من الإجراءات القانونية".
وأضافت بومان، التي زارت المخيم، أنه يتعين التأكيد على أن "الأطفال (في الهول) لم يقترفوا أي ذنب، لذا لا ينبغي أن يدفعوا ثمن جرائم ارتكبها والديهم. ونحن نؤكد على ضرورة مساءلة الآباء الذين ارتكبوا جرائم. وهذان الأمران ليسا متعارضين".
ترجمة: م ع
حقوق النشر/ دويتشه فيله 2022
المزيد من المقالات التحليلية من موقع قنطرة:
البحث المضني عن ضحايا داعش في المقابر الجماعية - مفقودون في العراق
تكريم لمسلحي الأكراد - كتاب "جئنا من النار - كفاح كردستان المسلح ضد داعش"
نهاية مشروع الحكم الذاتي الكردي..."لا أصدقاء للأكراد إلا الجبال والريح"
تركيا في شرق الفرات: نبع للسلام أم بؤرة جديدة لصراعات مستقبلية؟
مشروع "الإدارة الذاتية" شرقي الفرات... تراجع أم بداية انهيار؟
استياء غالبية الأتراك من الانتقادات الغربية لعملية "نبع السلام" في شمال سوريا