هل يخسر حزب إردوغان السلطة بعد زلزال 2023؟
ضرب تركيا زلزالان مميتان في 6 شباط/فبراير (2023)، وكل منهما بقوة أكبر من 7.6، مما أسفر عن مقتل أكثر من 47 ألف شخص في جنوب وجنوب شرق تركيا. ويتساءل الكثيرون الآن عن مدى مسؤولية الحكومة والسلطات عن الكارثة، وإنْ كان من الممكن منع العديد من الوفيات.
وقبل الزلازل في بداية الشهر، كانت تركيا تناقش موعد إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، وكانت رغبة الحكومة أن تُجرى الانتخابات في 14 أيار/مايو، أي قبل شهر تقريباً من الموعد النهائي القانوني في 18 حزيران/يونيو. ولكن في أعقاب 3 أسابيع من الزلازل، ليس من الواضح كيف ستُجري تركيا انتخابات آمنة ونزيهة. ومن المرجّح أن تعيد عواقبُ الكارثة تشكيل المشهد السياس التركي، إذ ستترسّخ المأساة في ذاكرة الملايين من الشعب التركي لسنوات وعقود قادمة.
لم يُجرَ أي استطلاع للرأي لمعرفة التأثير السياسي للزلازل حتى الآن، لكن حزب العدالة والتنمية الحاكم الذي يتزعمه الرئيس رجب طيب إردوغان وحليفه حزب الحركة القومية، يواجهان انتقادات شديدة من الجمهور والمعارضة. فهم يلومون الحكومة بسبب استجابتها القاصرة والبطيئة للزلازل، وبسبب عدم الاستعداد للكوارث في بلد معرّض للزلازل وبسبب سوء إدارة الأزمة.
"كارثة القرن"
وصفت الحكومة التركية الزلزالين القويين بـ"كارثة القرن"، مشيرة إلى أنّ مستوى الدمار لا يمكن تجنّبه. وقد اعترف إردوغان بحدوث بعض التأخير في الاستجابة في اليوم الأول للكارثة، بيد أنّه يقول إنّه تمَّت السيطرة على الوضع لاحقاً. لكن هذا ليس ما يقوله الناس على أرض الواقع. إذ أكّد الضحايا وفرق الإنقاذ، المحلية منها والأجنبية، أنّ ضعف التنسيق قد أدّى لإعاقة جهود إنقاذ الكثير من الناس.
وقد ألقت زعيمة المعارضة ميرال أكشينار من الحزب الجيد "الحزب الصالح" باللوم على النظام الرئاسي التنفيذي في موضوع فشل التنسيق. وقالت خلال زيارتها لمنطقة الزلزال: "مرة أخرى، نرى كم أصبحت بيروقراطيتنا بطيئة. في نظام الوحش الواحد هذا، حيث القرار لدى شخص واحد فحسب، للأسف، لا يمكن لأي من موظفي الدولة اتخاذ قرارات أو تحمّل المسؤولية أو القيام بالمبادرة".
كما ألقى رئيس حزب الشعب الجمهوري المعارض، كمال كيليتشدار أوغلو، باللوم بشدة على إردوغان، قائلاً أنّ "نظام الرجل الواحد" خاصته هو كارثة القرن. قال: "نظام الرجل الواحد هذا لا يمكنه اتخاذ قرارات. لم ينسقوا جهود الإنقاذ على الإطلاق، لقد تأخروا. أيدي الحكومة ملطخة بدماء مواطنينا".
كارثة الاتصالات
كما شبّه كمال كيليتشدار أوغلو رئيس دائرة الاتصالات في الرئاسة التركية فخر الدين ألتون بالدعائي النازي جوزيف غوبلز. وكانت مقارنته هذه رداً على فيديو نُشِر على حساب تويتر يحمل الاسم "كارثة القرن/Asrın Felaketi"، والذي يروّج لسردية أنّه لا يمكن لأي حكومة أن تمنع مثل هذه الكارثة الضخمة. ويُعتقد أنّ دائرة الاتصالات في الرئاسة التركية كانت وراء الفيديو. أُغلِق الحساب بعد موجة غضب واسعة على وسائل التواصل الاجتماعي.
ولكن هذه لم تكن أول كارثة اتصالات للحكومة في أعقاب ذلك. ففي اليوم الثاني، قيّدت إمكانية الوصول إلى تويتر، في الوقت الذي كانت فيه منصة التواصل الاجتماعي تلعب دوراً رئيسياً في مساعدة المنظمات على تنسيق جهود الإنقاذ. واستعيدت إمكانية الوصول بعد 10 ساعات. لم تقدّم الحكومة أي أسباب للقيود، لكن عُقِد اجتماع بين المسؤولين الأتراك ومسؤولين في تويتر في خضم الفوضى.
وقال نائب وزير النقل والبنية التحتية عمر فاتح صيان أنّ المسؤولين الحكوميين طالبوا تويتر بالتدخّل لمنع المعلومات المضلّلة. ويعتقد الكثير من النقّاد أنّ حظر تويتر كان قد نُفِّذ لإسكات الانتقادات الموجهة للحكومة. ومنذ ذلك الحين، وصف إردوغان انتقادات كهذه بـِ"الأكاذيب" و"الافتراءات"، ووصف منتقديه بـِ"الأشخاص المخزيين".
ويقول وزير الداخلية سليمان صويلو، الذي تدير وزارتُه إدارةَ الطوارئ والكوارث التركية (أفاد)، أنّ "الأكاذيب" كانت مشكلة أمنية. وأضاف أنّ أفاد، التي يبلغ قوامها 7300 فرد هي مجرد هيئة تنسيقية؛ كما أنّ المنقذين الذين كان من المفترض أن ينسّقوا الجهود على الأرض، قد تأثروا أيضاً بالزلزال، مما أخّر الاستجابة.
كما واجهت أفاد انتقادات كثيرة منذ الزلزال بسبب افتقارها المزعوم للمعدّات وفشلها في تقديم دعم فعّال لإنقاذ المحاصرين تحت الأنقاض، إضافة إلى افتقار إدارتها للخبرة الكافية كما يُقال.
كما تتعرض الحكومة لانتقادات بسبب عدم تجهيز البلاد للزلازل الوشيكة على الرغم من كونها في السلطة لأكثر من 20 عاماً. ومن ضمن الانتقادات، يريد الكثيرون معرفة أين ذهبت مليارات الليرات المتمثّلة في "ضريبة الزلازل"، التي بدأت الحكومة في تحصيلها في أعقاب الزلزال المميت في مرمرة في عام 1999.
وقال الخبير في مجال الضرائب أوزان بينغول إنّ الدولة جمعت حوالي 38.2 مليار دولار من ضريبة الزلزال، مشيرة إلى أنه يجب على تركيا أن تتساءل أين أُنفِقت هذه الضرائب، إضافة إلى التدقيق في القوانين التي تتعلّق بالمناقصات العامة وقانون العفو المتعلق بالبناء.
العفو عن المخالفات في المباني غير الآمنة
سُلِّط الضوء على هذه السياسة الحكومية كثيراً. في السنوات العشرين الماضية، منحت السلطات 9 قرارات عفو، وكان آخرها في عام 2018. وبناء على ذلك، مُنِحت المباني التي تُعتبر "مبانيَ غير قانونية" العفو، إذ طالما يدفع المالك رسوماً، فلن تُهدم المباني. مُنِح العفو على الرغم من أنّ هذه المباني لا تلبي متطلبات قانون وكود السلامة والبناء.
وصادقت هذه الطريقة بشكل روتيني على البناء غير القانوني والافتقار إلى الإشراف، لكن إردوغان دعمها في العديد من المناسبات، بما في ذلك في كهرمان مرعش، مركز الزلازل الأخيرة، وذلك قبل الانتخابات المحلية لعام 2019.
جاءت العديد من المنظمات لمساعدة الناجين على الأرض، مع بروز واحدة من هذه المنظمات بشكل خاص: منظمة أحباب AHBAP. إذ اكتسبت منظمة أحباب ثقة كبيرة بين الشعب وتعهّدت بأنها ستعمل مع شركة تدقيق محلية ودولية لضمان الشفافية. لكن دولت بهتشلي، زعيم حزب الحركة القومية، استهدف منظمة أحباب أيضاً، مع تراجع الثقة في أفاد.
كما حاولت الحكومة في مناطق معينة منع جهود المساعدة التي بدأها حزب الشعوب الديمقراطي المناصر للأكراد. فقد استولت الشرطة على شاحنة مساعدات أرسلها حزب الشعوب الديمقراطي إلى محافظة "عثمانية" الجنوبية التي ضربها الزلزال. ودعت الرئيسة المشتركة لحزب الشعوب الديمقراطي، برفين بولدان، إردوغان إلى الاستقالة بسبب الاستجابة الرديئة لحكومته أمام الكارثة. وأضافت: "بينما كنا نساعد الناس، محاولين الوصول إلى الناجين، كانت الحكومة تضع العقبات أمامنا. ومن واجبنا التصويت على خروج حزب العدالة والتنمية وحزب الحركة القومية".
ووسط الانتقادات، دعا حزب العدالة والتنمية إلى عدم تسييس القضية. ففي 15 شباط/فبراير 2023، قال المتحدّث باسم حزب العدالة والتنمية، عمر تشيليك، إنّهم لن يدخلوا في نقاش سياسي: كانت أولويتهم هي الوقوف إلى جانب المواطنين في منطقة الزلزال ومساعدتهم على الشفاء. وكان زعيم المعارضة، كمال كيليتشدار أوغلو، سريعاً في انتقاد الموقف برمته. قال: "هذا ليس إلا أمراً سياسياً. فنحن في هذا الموقف بسبب سياسة إردوغان".
مستقبل الانتخابات
في الأسابيع التي سبقت الزلازل، كانت تركيا تناقش إنْ كان بإمكان تحالف حزب العدالة والتنمية وحزب الحركة القومية تحقيق النصر في انتخابات هذا العام (2023)، وسط أزمة خطيرة في تكاليف المعيشة.
اقترح السياسي المخضرم في حزب العدالة والتنمية، بولنت أرينتش، تأجيل الانتخابات، قائلاً إنها لن تكون آمنة أو نزيهة في أعقاب الكارثة. وإلى الآن، هوّنت الحكومة من شأن هذا الاقتراح. تعارض الأحزاب الأخرى الفكرة بشدة: فالدستور التركي ينصّ بوضوح على أنّه يمكن تأجيل الانتخابات في حالة الحرب فحسب، ولمدة ستة أشهر فقط.
لا تزال مأساة زلزال مرمرة لعام 1999 حاضرة في أذهان العديد من الأتراك. ففي ذلك الوقت، ألقي اللوم على الحكومة أيضاً بسبب عدم كفاءتها، وقبل كل شيء، من قِبل وسائل الإعلام التي كانت أكثر حرية في بث الانتقادات.
أجريت أول انتخابات عامة بعد زلزال عام 1999 في عام 2002، وقد كلّف ذلك الحكومة الائتلافية في ذلك الوقت منصبها. وظهر حزب العدالة والتنمية الجديد بوصفه حزبا قادرا على مداواة الجروح وتقديم نظرة جديدة إلى السياسة. وبعد فوزهم في الانتخابات، استمروا في حكم تركيا على مدى العقدين التاليين.
فهل سيخسر حزب العدالة والتنمية -الذي برز كمنقذ للأمة من رماد الزلزال عام 1999- في أعقاب زلزال عام 2023؟
عائشة كارابات
ترجمة: يسرى مرعي
حقوق النشر: موقع قنطرة 2023