أول كاتبة أمريكية سمراء من أصل إفريقي
اشترتها عائلة وهي بنت السابعة: على الرغم من عدم توثيق تاريخ ومكان ولادتها، يعتقد المؤرخون أن فيليس ويتلي ولدت عام 1753 في غرب إفريقيا، وعلى الأرجح في غامبيا أو السنغال الحالية. تم بيعها من قبل زعيم محلي لتاجر زائر من البيض، الذي أخذها على متين سفينته إلى بوسطن، التي وقعت بها حينئذ مستعمرة ماساتشوستس البريطانية.
وكان ذلك في 11 يوليو / تموز 1761، عندما حملتها سفينة عبيد تسمى فيليس، كانت مملوكة لشخص يدعى تيموثي فيتش ورباناها يدعى بيتر جوين. فور وصولها إلى بوسطن، عُرضت البضاعة بسوق الرقيق، حيث اشتراها تاجر من تجار بوسطن الأثرياء، وكان يمتهن الخياطة حرفة، هو جون ويتلي، استحوذ عليها كعبدة، هدية لزوجته سوزانا.
ومنذ قدومها أطلق عليها جون وسوزانا ويتلي اسم Phillis ، تيمنا باسم السفينة التي نقلتها إلى أمريكا. وكما كانت العادة الشائعة أعطيت كنية العائلة ويتلى، حيث جرت العادة بين المستعبدين من الزنوج الذي جُلبوا من إفريقيا، إذ كانوا يحملون أسماء أسرهم.
كانت تلك الانطلاقة مُرّة وقاسية للطفلة، بكل ما تحمل الكلمة من معانٍ حيث أُتي بها وبآخرين من بني جلدتها، على أيدي مهربين كان يطلق عليهم مهربي اللحم الحي. أتوا بها إلى بوسطن، حيث طرحهم تجار الرقيق للبيع بمزادات علنيه، ندهوا عليها كما يفعلون عندما يبيعون الماشية أو الكلاب، منادين "عمرها سبع سنوات فقط! ستكون مهرة نشطة وخادمة جيدة!". على أيّة حال، تم بيعها ومن ثمّة امتلاكها من قبل العديد من تجار الرقيق، حتى انتهي بها المطاف إلى عائلة ويتلي.
تلك الطفلة التي سماها من اشتروها فيليس ويتلي، وهكذا يكتب الاسم بالإنجليزية: Phillis Wheatley جُلبت وهي في سنّ الطفولة المبكرة من بلدها من شواطئ القارة السمراء. يا تُرى ما كان اسمها من قبل، قبيل أن تسمى بهذا الاسم الانكليزي وقبيل أن تغير ديانتها، التي ربما كانت الإسلام أو الوثنية، وأن يُغيَّر اسم الإنسان بعد أن سلق عليه، ليس بالأمر السهل، والاسم مثل الجلدة، إن انسلخ عنها، ضاع.
ذاقت مذ أن أبصرت عيناها على العالم الجديد مرارة الغربة واضطهاد التغرّب، بيد أنها وبملكاتها الذهنية والعقلية الرهيبة استطاعت أن تحقق طموحاتها، فغدت مع مرور السنين وفي سن يافعة، شاعرة وكاتبة أمريكية يشار إليها بالبنان. عندما استقر بها المقام في مدينة بوسطن هناك تعلمت القراءة والكتابة في بيت العائلة، وانطلقت موهبتها في الشعر والأدب لا تلوي على شيء إلا وتنهم كنوز هذه اللغة الجديدة، وتلك العلوم المتعددة التي تعلمتها على يد ابنة الأسرة. كانت ماري ابنة الأسرة البالغة من العمر 18 عامًا، أول معلمة لفيليس في القراءة والكتابة.
كما كان يساعدها ابن الأسرة ناثانيال في كثير من المرات ونشأت علاقة حميمة بينهما وبين فيليس وهذا الانفتاح يرجع لأن جون ويتلي كان معروفًا بأنه تقدمي في جميع أنحاء نيو إنغلاند. منحت عائلته فيليس تعليما غير مسبوق لشخص مستعبد، وتعليما غير معتاد لأي امرأة مستعبدة، وحين بلغت سن الثانية عشرة، كانت تقرأ الكلاسيكيات اليونانية واللاتينية بلغتها الأصلية، بالإضافة إلى مقاطع صعبة من الكتاب المقدس. وفي سن الرابعة عشرة، كتبت قصيدتها الأولى، "إلى جامعة كامبريدج [هارفارد]، في نيو إنغلاند".
اعترافًا بقدرتها الأدبية، دعمت عائلة ويتلي تعليم فيليس وتركت العمل المنزلي لعمالها المنزليين المستعبدين الآخرين. غالبًا ما أظهرت عائلة ويتلي قدراتها للأصدقاء وكانوا فخورين بها أيما فخر وأنهم استطاعوا أن يحققوا معجزة، امرأة زنجية ترفل في ترهات العلم والمعرفة، ذلك لم يكن بالأمر المتعارف عليه إذَّاك. تأثرت فيليس بشدة بقراءاتها لأعمال ألكسندر بوب، جون ميلتون، هوميروس، هوراس، وفيرجيل، وبدأت لا تلوي على شيء إلا وتكتب الشعر وتنظم القصائد.
والمدهش أنها وفي تلك السن المبكرة كانت تكتب الشعر بلغة غير لغتها الأم، بدايةً، لم يصدقها أحد، أنها هي من كتبت تلك النصوص الشعرية؛ كانت تكتب قصائد بموضوعات متباينة، كتبت عن الوطن والأخلاق والدين لإنجلترا وللمستعمرات الأمريكية وقد كتبت أيضاً عن جورج واشنطن، كما تعرفت أيضاً على الشاعر الزنجي جوبيتر هامون.
المحكمة: من أين لكِ هذا؟
وهي ترفل في سن العشرين وبعد أن ذاع سيطها في محيطها الاجتماعي وبصالونات الشعر والأدب، جاءت دعوى غير مرتقبة من المحكمة تطعن وتشكك بأن الأشعار التي كتبتها بقلمها وألفتها بفكرها ما هي إلا اقتباسات من أشعار بعض الشعراء البيض. واستكانت للدعوى وجاء يوم الحساب والاستجواب ووقفت ماثلة في قفص الاتهام تُسأل عن الأمر في كل لمحة ونفس. كانت المحكمة يومئذ تتألف من ثمانية عشر قاضيًا يرتدون –كما هو متعارف عليه– الملابس التقليدية التي يلبسها القضاة والمحامون عادةً في جلسات المحكمة وكل منهم يلبس باروكة من الشعر المستعار.
والخبث أتى من الاعتقاد الراسخ آنذاك بين العديد من المستعمرين في صعوبة تصديق أمر كهذا: ليس بالإمكان أن يكتب الزنجي شعرًا ممتازًا"، أو لنقل شعرًا على الإطلاق. فما كان من فيليس ويتلي إلا أن تدافع عن نفسها وعن تأليفها لشعرها أمام المحكمة في عام 1772. وأثناء المرافعة، تم فحص الشاعرة كما الشعر من قبل مجموعة من الشخصيات البارزة في بوسطن، بما في ذلك جون إرفينغ، القس تشارلز تشونسي، جون هانكوك، توماس هاتشينسون، حاكم ولاية ماساتشوستس، وملازمه الحاكم أندرو أوليفر.
وخلصوا إلى أنها كتبت القصائد المنسوبة إليها ووقعت على شهادة، كانت مدرجة في مقدمة كتابها من الأعمال المجمعة: قصائد حول مواضيع مختلفة، دينية وأخلاقية، نُشرت في لندن عام 1773. رفض ناشرون في بوسطن نشر قصائد فيليس، بيد أن مؤلفاتها كانت ذات أهمية كبيرة للأشخاص المؤثرين في لندن.
على كلٍّ في ذلك اليوم المشؤوم وجب عليها أن تلقي على مسامع اللجنة المتكونة من القضاة الأجلاء نصوصًا بحضرة المحكمة، من "فيرجيل" و"ميلتون" وبعض العِبر من الكتاب المقدس وبعض المقاطع الصعبة منه، بطبيعة الحال وهكذا كان يقتضي الامتحان أن تُلقيها عن ظهر قلب، كما توجب عليها أيضًا أن تُقسم قسماً قاطعًا، أن القصائد التي كتبتها لم تكن مقتبسة من دواوين شعريه منسوبه لأدباء آخرين.
لنتخيل كيف كان الامتحان وكيف كانت حال هذه الفتاة اليافعة في ذاك اليوم. طالت ساعاته وطالت إجاباتها من الكرسي الذي خصص لها في قفص الاتهام، في ذاك المكان الذي يجلس فيه عادة المجرمون والقتلة. لكن في نهاية المطاف برّأتها المحكمة بعد أن أثبتت لهم أنها شاعرة، كاتبة وأديبة حتى بلغتهم وحافظة للكثير من آيِ الأناجيل. فيليس، شابة سوداء البشرة، مستعبدة، عاشت بين 1753 – 1784 وكانت هي أول كاتبة أمريكية سمراء البشرة، من أصل إفريقي، قامت بنشر كتاب لها في الولايات المتحدة، لنقل إنها كانت أوّل كاتبة على الإطلاق.
رحلة لندن والبحث عن ناشر
جدير بالذكر أنها بعد أن تعلمت القراءة والكتابة، شجعتها أسرتها -عندما رأوا موهبتها وأنها قادرة على مقارعة الكبار في حلبات الشعر والأدب والمعرفة- أن تسافر إلى ما وراء البحار، فسافرت في عام 1773 في رحلة إلى لندن مع ابن الأسرة سعيًا لنشر أعمالها، صاحبَتْهُ لأنها كانت مريضة بمرض الربو المزمن.
ولكن إلى حد كبير كانت رغبة سوزانا، ربّة الأسرة، فكانت تعتقد أن فيليس سيكون لديها فرصة أفضل لنشر قصائدها هناك. وقد نما لها فيما بعد جمهور يحبّ ما تكتب مثال فريدريك بول، الذي كان عمدة لندن، وأعضاء بارزين آخرين في المجتمع البريطاني.
ومع مرور الأيّام تم ترتيب لقاء مع الملك جورج الثالث، لكن فيليس عادت إلى بوسطن قبل أن يتم ذلك اللقاء الذي انتظرته بفارق الصبر. فيما بعد أصبحت سيلينا هاستينغز -كونتيسةُ هانتينغدون- مهتمةً بالمرأة الإفريقية الشابة الموهوبة ودعمت نشر ديوان قصائد ويتلى، الذي ظهر في لندن في صيف عام 1773.
هناك، عملت سيلينا وكونتيسة هانتينغدون وإيرل دارتموث كرعاة لمساعدة ويتلي في الحصول على تصريحات النشر. ولحسن الحظ فقد قامت مجلة لندن بالتعليق على إحدى قصائدها، ذلك في عام 1773، والتي كانت تحت عنوان "ترنيمة الصباح" كنموذج من أعمالها، حيث كتبت: "لا تظهر هذه القصائد قوة عبقريّة مذهلة؛ لكن عندما نعتبرها هي إنتاجات لشابة أفريقية غير متعلمة، كتبتها بعد ستة أشهر من الدراسة العرضية للغة الإنجليزية، فلا يمكننا أن نكتم إعجابنا بموهبة قوية وعبقرية حيوية ".
كانت رحلتها إلى لندن كما سبق ذكره، مع نَاثانيال، ابن الأسرة، لترعى أيضا أموره وما إلى ذلك من أمور الحياة. التقت فيليس بشخصيات بارزة في مجال النشر والشعر وصارت هذه الشخصيات فيما بعد من ترعى فيليس وتقف بجانبها. نشرت في تلك الفترة قصائد متعددة التيمات، منها الدينية والأخلاقية وذاع صيتها كشاعرة في لندن والمستعمرات الأمريكية وأشادت شخصيات مرموقة مثال جورج واشنطن بأعمالها، كما أشاد بها كشاعرة أمريكية من أصل إفريقي في قصائد له، الشاعر جوبيتر هامون. وقد تم تحرير الشاعرة فيليس من قيود العبودية بعد فترة قصيرة من نشرها لديوانها الأول في سبتمبر 1773.
الحريّة لفيليس
بعد أن نُشر ديوانها بحلول نوفمبر 1773، تم تحريرها فيليس من قيود العبودية وتوفيت بعد قليل من الأشهر ربّة البيت سوزانا في عام 1774، وبعد أربع سنوات ربّ الأسرة جون في عام 1778. بعد فترة وجيزة من وفاة من قاما مقام أبويها أو أسرتها التقت بشاب من بني بشرتها يدعى جون بيترز وهو بقّال من أصول أفريقية، كان يعيش في ظروف قاسية ولقى اثنان من أطفالهما الموت بسبب الفقر والفاقة والعوز.
سُجِنَ زوجها جون بسبب عدم سداده للديون التي تراكمت عليه، ومع قدوم مولود جديد للأسرة تركت فيليس عالم الأدب وصارت ربّة بيت ترعى أمور طفلها وزوجها، صارت خادمة في عقر دارها، ولم تعمل من قبل كذلك. توفيت في 5 ديسمبر / كان الأول 1784 عن عمر يناهز 31 عامًا. ومات ابنها الرضيع بعد فترة وجيزة.
كانت الحرية من أهم الأعمدة التي توطدت بدواخلها وهذا ما دعاها لأن تكتب رسالة إلى القس سامسون أوكوم، تثني على أفكاره ومعتقداته التي تنص على أن الأشخاص المستعبدين يجب أن يحصلوا على حقوقهم الطبيعية في أمريكا. كما تبادلت ويتلي الرسائل مع المحسن البريطاني جون ثورنتون، الذي ناقش ويتلي وشعرها في المراسلات مع جون نيوتن. إلى جانب شعرها، كانت قادرة على التعبير عن أفكارها وتعليقاتها واهتماماتها للآخرين.
في عام 1775، أرسلت نسخة من قصيدة بعنوان "إلى صاحب السعادة، جورج واشنطن" الذي عمل كجنرال عسكري آنذاك. في العام التالي، دعا واشنطن ويتلي لزيارته في مقره في كامبريدج، ماساتشوستس، وهو ما قامت به في مارس / آذار 1776. أعاد توماس باين نشر القصيدة في جريدة بنسلفانيا الجريدة في أبريل / نيسان 1776، وفي عام 1779 أصدرت ويتلي مقترحًا لمجلد ثانٍ من القصائد لكنها لم تتمكن من نشره لأنها فقدت رعاتها بعد تحريرها. غالبًا ما كان نشر الكتب يعتمد على اكتساب اشتراكات للمبيعات المضمونة مسبقًا. كانت الحرب الثورية الأمريكية (1775-1783) عاملاً أيضًا. ومع ذلك، فإن بعض قصائدها التي كان من المقرر تضمينها في المجلد الثاني تم نشرها لاحقًا في كتيبات وصحف.
نموذج من شِعر فيليس
في عام 1770 كتب ويتلي إشادة شعرية للإنجيلي جورج وايتفيلد، عبّر شعرها فيها عن موضوعات دينيّة مسيحية، وخصصت العديد من القصائد لشخصيات مشهورة، وكان أكثر من ثلثها يتكون من مرثيات، والبقية الباقية تنطوي عن مواضيع دينية وكلاسيكية وتجريدية. نادرا ما أشارت في قصائدها إلى حياتها الخاصة سواء في الغربة أو في إفريقيا قبل الهجرة إلى عالم العبودية.
أحد الأمثلة عن قصيدة عن العبودية هو "عند إحضارهم من إفريقيا إلى أمريكا، كتب جون سي شيلدز، مشيرًا إلى أن شعرها لم يعكس الأدب الذي قرأته فحسب، بل كان مبنيًا على أفكارها ومعتقداتها الشخصية، تعتقد ويتلي أن قوة الشعر لا تقاس".
كان لدى ويتلي ما هو أكثر من مجرد التوافق البسيط، وظهر لاحقًا أن تلميحاتها إلى إله الشمس وإلهة الصباح، والتي تظهر دائمًا كما تظهر هنا في ارتباط وثيق مع سعيها للإلهام الشعري، لها أهمية مركزية لا يمكن أن نتجاهلها".
لقد جلبتني الرحمة من أرض بلادي الوثنية،
علمت روحي الفاسدة أن أفهم
أن هناك إلهًا، وأن هناك مخلصًا أيضًا:
ذات مرة لم أسع للخلاص ولا أعلم.
ينظر البعض إلى عرق السمور لدينا بعين الازدراء،
"لونهم صبغة شيطانية".
الضربات القاضية من قبل العنصريين
لم يكن توماس جيفرسون، في كتابه ملامح حول ولاية فرجينيا، راغبًا في الاعتراف بقيمة عملها أو عمل أي شاعر زنجي، فكتب ما يلي: غالبًا ما يكون البؤس أصل أكثر اللمسات تأثيراً في الشعر، يكفي ذاك البؤس بين السود أن يكون الدافع، والله أعلم، ولكن لا يوجد شعر أو شاعر بينهم، يوجد إحساس غريب بالحب، شيء من الحماس، لكنه يخاطب ويؤجج الحواس فقط وليس الخيال. لقد أنتج الدين والإنجيل بالفعل شخصية تدعى فيليس، لكنه مهما كان الأمر، فلن يستطيع أن ينتج شاعرًا بأي حال من الأحوال. المؤلفات المنشورة باسمها سلمت من النقد اللاذع بسبب كرام النقاد.
محمد بدوي مصطفى
حقوق النشر: محمد بدوي مصطفى