تهجير الفلسطينيين إلى مصر؟
السيِّد شير هيفر، نظرًا إلى الحرب في الشرق الأوسط فإنَّ الكثير من المراقبين يتساءلون عن الهدف الذي تسعى إسرائيل إلى تحقيقه على المدى الطويل من خلال غزوها قطاع غزة. لقد نشر "معهد مسغاف" الإسرائيلي اليميني تقريرًا مثيرًا للجدل يدور فيه الحديث حول "تطهير عرقي" لقطاع غزة. فما الذي حدَّدته هذه الخطة المسرَّبة بالضبط؟
شير هيفر: لقد وضع معهد مسغاف خطةً شاملة لنقل كافة سكَّان قطاع غزة إلى شبه جزيرة سيناء المصرية. والهدف المعلن هو: تطهير قطاع غزة تطهيرًا عرقيًا من سكَّانه الفلسطينيين. وتشير هذه الورقة الاستراتيجية إلى أنَّ الأزمة المالية في مصر توفِّر فرصة للضغط على الحكومة المصرية من أجل قبول اللاجئين الفلسطينيين. ويُفترض أن تقوم الحكومات الغربية بإعفاء مصر من ديونها مقابل تعاونها في تنفيذ هذه الخطة.
وستتم تغطية الاستثمارات في بناء أماكن سكن للاجئين والبنية التحتية من خلال المساعدات الإنسانية الدولية. وبهذا ستتدفَّق إلى الاقتصاد المصري أموال بحجم يُعتقد أنَّه سيكون كافيًا من أجل إقناع الرئيس عبد الفتاح السيسي بالتنازل والموافقة على توطين أهالي قطاع غزة.
إلى أي مدى يجب أخذ هذه الخطط على محمل الجد؟
حاليًا ما تزال هذه الخطة مقترحة من قِبَل معهد أبحاث فقط. ولكن ما مدى واقعية تبنيها من قِبَل الحكومة الإسرائيلية؟
شير هيفر: توجد روابط وثيقة بين معهد مسغاف والحكومة الإسرائيلية. وهذا المعهد هو خليفة معهد بحوث الأمن القومي والاستراتيجية الصهيونية، الذي كان جهازًا دعائيًا تموُّله الدولة. ومعهد مسغاف جديد جدًا وقد تم تأسيسه في نيسان/أبريل من هذا العام 2023 من قِبَل الرئيس السابق لمجلس الأمن القومي الإسرائيلي مئير بن شبات.
ومسغاف نشيط في وسائل الإعلام الإسرائيلية ويرتبط بمركز الأبحاث الأكثر نفوذا في إسرائيل، أي مركز كوهيليت الذي خطط الإصلاح القضائي الذي يهز الدولة منذ كانون الثاني/يناير من هذا العام 2023. ومؤلف هذا التقرير حول التطهير العرقي هو أمير ويتمان، وهو عضو بارز في حزب الليكود الحاكم في إسرائيل.
وفي هذا الصدد يمكننا وبكلِّ تأكيد القول إنَّ معهد مسغاف يمكنه الوصول إلى صنَّاع القرار في إسرائيل وهو يُمثِّل رغبات كبار السياسيين. وإنَّ: خطة إخلاء قطاع غزة تمامًا من خلال تهجير مليونين وثلاثمائة ألف شخص قد تم قبولها من قِبَل وزارة المخابرات الإسرائيلية! ولكن ليس من قِبَل الوزارات الأخرى؛ فوزارة المالية على سبيل المثال تخطط بدلًا عن ذلك لبناء مستوطنات يهودية في غزة.
هل يبدو لك أنَّ مصر يمكن أن توافق على مثل هذه الخطة بسبب ضائقتها الاقتصادية؟
شير هيفر: مصر تعاني في الواقع من أزمة مالية، ومعهد مسغاف يعتقد أنَّ الدولة المصرية لن يكون أمامها خيار آخر سوى قبول أية خطة مقابل إعفائها من ديونها. ولكن الولايات المتحدة الأمريكية لن تنفق بهذه السرعة هذا القدر الكبير من المال على تمويل خطط التوسُّع الإسرائيلية، وإسرائيل نفسها لا تستطيع تحمُّل مثل هذه النفقات.
وعلاوة على ذلك فإنَّ الأمر لا يتعلق بالمال فقط بل يتعلق أيضًا بشرعية نظام السيسي واستقراره. الرأي العام في مصر يعارض دعم أي "تطهير عرقي" في قطاع غزة معارضة شديدة للغاية.
أوضح وزيرُ الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن بشكل لا لبس فيه خلال اجتماع وزراء خارجية مجموعة السبع أنَّ "التهجير القسري للفلسطينيين من قطاع غزة مرفوض الآن وبعد الحرب". هل يمكن لهذه الكلمات الواضحة الصادرة من الولايات المتحدة الأمريكية أن تجعلك مطمئنًا؟
شير هيفر: تتم حاليًا في إسرائيل الإشادة بالولايات المتحدة الأمريكية باعتبارها حليفًا عظيمًا ولكن يتم تجاهل الدعوات الأمريكية لاحترام حياة الناس. ويوجد شيء واحد يمكن للولايات المتحدة الأمريكية أن تفعله وهو أن تتوقَّف عن إمدادها إسرائيل بالأسلحة. في عام 2014 أوقف الرئيس باراك أوباما شحنة صواريخ هيلفاير إلى إسرائيل أثناء غزوها غزة وعلى الفور أعلنت إسرائيل وقف إطلاق النار. أمَّا أنتوني بلينكن فهو يتحدَّث بكلمات فارغة فقط.
كيف يدور الحديث في إسرائيل حول خطط معهد مسغاف وإمكانية تنفيذها؟
شير هيفر: هذه الخطط معروفة وتتم مناقشتها إلى جانب أفكار أخرى مثل قتل جميع أهالي غزة أو احتلال أجزاء كبيرة من غزة. وفي وسائل الإعلام الإسرائيلية تتم مناقشة هذه الخطط على المستوى العملي مع طرح أسئلة مثل "هل سيقبل المجتمع الدولي بذلك؟". ولا يجري أي نقاش على المستوى الأدبي والأخلاقي. أنا مصدوم من ذلك ولم أسمع قطّ هذا النوع من اللغة في الصحف الإسرائيلية الكبرى.
هل ستحدث نكبة ثانية؟
يُحذِّر العديد من خبراء الأمم المتحدة رفيعي المستوى من تهجير شعب بأكمله. فهل يغمض سياسيو أوروبا أعينهم عن مثل هذا السيناريو؟
شير هيفر: السياسيون الأوروبيون يشاركون في تحمُّل المسؤولية عن الجرائم الإسرائيلية. فهم يبيعون الأسلحة لإسرائيل مع علمهم بأنَّها تُستخدم في ارتكاب جرائم حرب ضد المدنيين العزَّل. وفي المقابل الأمم المتحدة أكثر وضوحًا بكثير من أوروبا؛ فنحن نسمع أصواتًا أكثر وضوحًا من الأمم المتحدة -أصوات الضمير والإنسانية- وكذلك من جنوب إفريقيا وكولومبيا والبرازيل ودول أخرى.
هل يوجد تهديد بحدوث نكبة ثانية، أي تشريد الفلسطينيين على نطاق غير مسبوق؟
شير هيفر: كثيرًا ما يُساء فهم مصطلح "النكبة"؛ فالنكبة بالنسبة للفلسطينيين والفلسطينيات لم تنتهِ قطّ. وستبقى مستمرة طالما لم يُسمح للاجئين الفلسطينيين بالعودة إلى وطنهم.
الإسرائيليون ينكرون وجود النكبة منذ فترة طويلة. والحكومة الإسرائيلية الحالية اليمينية المتطرِّفة تنظر إلى النكبة باعتبارها لحظة التطهير العرقي فقط، أي الترحيل الجماعي للفلسطينيين في عام 1948. والآن تهدِّد الحكومة الإسرائيلية بنكبة ثانية. وإذا لم يتم إيقاف هذه الحكومة فسيحدث تهجير جماعي.
كيف تشعر شخصيًا في هذا الوضع عندما تُفكِّر في وطنك السابق إسرائيل والناس هناك؟
شير هيفر: أشعر بأنَّني قد تمت خيانتي من قِبَل صديقاتي وأصدقائي اليهود الذين كانوا يتحدَّثون حول المحرقة وحول الضرورة الأخلاقية التي تنصّ على عدم تكرار حدوث إبادة جماعية أخرى، وباتوا يشاركون الآن في تجريد الفلسطينيين من إنسانيَّتهم وشرعنة قتل مدنيين لا يستطيعون الهروب إلى أي مكان ولا توجد لديهم أي فرصة للاستسلام. وفي الوقت نفسه أنا قلق جدًا على أصدقائي وأقاربي الذين يعارضون هذه المذبحة ولكنهم لا يستطيعون التعبير خوفًا من تعرُّضهم لهجمات من قِبَل إسرائيليين يمينيين.
بصفتك ألمانيًا يهوديًا ماذا تنتظر الآن من الحكومة الألمانية الاتحادية؟
شير هيفر: أنا وبكلّ صراحة لم أعد أنتظر أي شيء من الحكومة الألمانية التي كشف موقفُها الحالي عن أنَّ ثقافة التذكر [تذكر المحرقة والجرائم ضد الإنسانية] في ألمانيا قد فشلت فشلًا تامًا. ففي لحظة الأزمة وفي مواجهة الإبادة الجماعية - يلتزم السياسيون الألمان الصمت. وفي حين يهتف اليهود نساءً ورجالًا من جميع أنحاء العالم: "أوقفوا الإبادة الجماعية" وَ "ليس باسمنا" -في الولايات المتحدة الأمريكية وفي كندا وكذلك في ألمانيا- تغلق الحكومة الألمانية أذنيها ولا تهتم إلَّا ببيعها المزيد من الأسلحة لإسرائيل.
في مراسم التذكير بليلة البلور "مذبحة 9 نوفمبر" [ليلة بدء استباحة محلات اليهود وأملاكهم في التاسع والعاشر من تشرين الأوَّل/نوفمبر 1938] قال المستشار أولاف شولتس بكلِّ وضوح إنَّ مَنْ لم يقبلوا بموقف ألمانيا الخاص بأمن إسرائيل كمصلحة وطنية ألمانية فإنهم ليسوا ألمانًا حقيقيين. وطالما أنَّه لم يعترف بي كمواطن من مواطني هذه الدولة فلماذا يجب عليّ أن آمل أي شيء منه؟
حاورته: إليسا راينهايمر
ترجمة: رائد الباش
حقوق النشر: موقع قنطرة 2023
الدكتور شير هيفر هو خبير في الاقتصاد السياسي، وُلِد عام 1978 في إسرائيل. وبعد دراسته في تل أبيب، حصل على الدكتوراه في العلوم السياسية من جامعة برلين الحرة عن أطروحته حول خصخصة الأمن الإسرائيلي. تركِّز أبحاثه على اقتصاد الاحتلال الإسرائيلي. وهو مدير جمعية "التحالف من أجل العدالة بين الإسرائيليين والفلسطينيين" وعضو مجلس إدارة جمعية "الصوت اليهودي من أجل سلام عادل في الشرق الأوسط". ويعمل بالإضافة إلى ذلك في "مركز المعلومات البديل"، وهو منظمة فلسطينية إسرائيلية في القدس وبيت ساحور. وهو مؤلف للعديد من الأوراق العلمية وكتابين.