"نحن خائفون على حياتنا فليس أمامنا إلا التضرع لله"
منذ أشهر ظلت الحكومة الإسرائيلية تطلب من المدنيين في قطاع غزة الانتقال جنوبا، فيما قالت منظمات الإغاثة إن عدد سكان مدينة رفح في أقصى جنوب القطاع قرب حدود مصر بلغ حوالي 1,5 مليون نسمة. وقبل السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي 2023 كان يقطن مدينة رفح حوالي 300 ألف شخص فقط، وبعد أن قصدها الكثير من النازحين أصبحت الظروف المعيشية في المدينة الحدودية كارثية.
ويعاني النازحون من ظروف معيشية صعبة وسط نقص في الغذاء ومياه الشرب والأدوية، فيما اضطر الكثير منهم إلى العيش في خيام رغم برودة الطقس.
وقد يتفاقم الوضع قريبا في حالة مضي رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قدما في خططه لشن هجوم بري على رفح لاستهداف عناصر حماس.
وقال نتنياهو يوم السبت (17 فبراير/ شباط 2024) إنَّ إسرائيل ستشن هجوما عسكريا في رفح بجنوب قطاع غزة، "لكن بعد أن نتيح للمدنيين الخروج من مناطق القتال والانتقال إلى مناطق آمنة".
بيد أن هذه الخطط قوبلت بانتقادات دولية كبيرة حيث دعت الولايات المتحدة -الحليف القوي لإسرائيل- إلى توخي الحذر فيما حذرت وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك من وقوع "كارثة إنسانية" ودعت إلى إنشاء مناطق آمنة على المدى الطويل.
وبدأ الصراع في غزة بعد الهجوم الذي شنته حركة حماس -وهي مجموعة مسلحة فلسطينية إسلامية تصنفها ألمانيا والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة ودول أخرى على أنها منظمة إرهابية- على إسرائيل في 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي 2023 الذي أسفر عن مقتل حوالي 1200 شخص. وتلا ذلك إعلان إسرائيل الحرب على حماس فيما أسفرت العمليات الإسرائيلية العسكرية في غزة إلى مقتل أكثر من 29 ألف شخص حتى الآن، بحسب السلطات الصحية في غزة.
تزامنت التطورات المقلقة مع انعقاد مؤتمر ميونيخ للأمن، وقد تصدرت الحرب في غزة المناقشات، إذ دعا رئيس وزراء السلطة الفلسطينية محمد اشتية خلال مشاركته في المؤتمر إلى السماح للسكان المتجمعين في جنوب قطاع غزة بالعودة إلى منازلهم في شمال القطاع. ووجه اشتيه تحذيرا لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو من محاولة إجبار الفلسطينيين في غزة على عبور الحدود إلى مصر.
دعوة لاجتماع فلسطيني في موسكو
من جهة أخرى أفاد اشتية بأن روسيا دعت جميع الفصائل الفلسطينية إلى اجتماع في موسكو يوم 26 فبراير/ شباط الجاري 2024، قائلا: "سنرى إنْ كانت حماس مستعدة لتقديم الدعم لنا. نحن مستعدون للتعامل. إذا لم تكن حماس مستعدة فهذه قصة مختلفة.. نحن بحاجة إلى الوحدة الفلسطينية تحت أي ظرف من الظروف".
وفي نهاية الأسبوع الماضي، نقلت وكالة الأنباء الفلسطينية (وفا) عن الرئيس الفلسطيني محمود عباس قوله إن الحكومة الإسرائيلية تصر على استمرار العمليات العسكرية "في مختلف مدن قطاع غزة وخاصة مدينة رفح بهدف فرض التهجير القسري على المواطنين".
دوليا أعرب وزراء خارجية مجموعة السبع عن قلقهم إزاء العواقب المحتملة لشن عملية عسكرية إسرائيلية في رفح.
وقالت إيطاليا -التي تتولى حاليا رئاسة مجموعة السبع- في بيان إن وزراء خارجية السبع قد دعوا "إلى اتخاذ إجراءات عاجلة لمواجهة الأزمة الإنسانية الكارثية في غزة، لا سيما معاناة 1,5 مليون مدني لجأوا إلى رفح، وعبروا عن قلقهم العميق إزاء العواقب المدمرة المحتملة على السكان المدنيين جراء عملية عسكرية إسرائيلية شاملة أخرى في تلك المنطقة".
"تعطل أجهزة استشعار الأخلاق الألمانية فجأة حين يتعلق الأمر بإسرائيل"
كانت ألمانيا مثالا نموذجيا للعالم العربي ولكن هذا تغير منذ لم يُسمَع أي احتجاج للسياسيين الألمان على قتل جيش إسرائيل لآلاف المدنيين الفلسطينيين بقطاع غزة في حربه ضد حماس. تعليق الباحث عمرو علي لموقع قنطرة.
انتقاد وتفهم
وفي مقابلة مع دي دبليو قالت نانسي بيلوسي -الرئيسة السابقة لمجلس النواب الأمريكي والعضو البارز في الحزب الديمقراطي- إن "سلوك نتنياهو -في رأيي- غير مبرر من حيث مدى تأثيره على الأطفال والعائلات". وتقول السلطات الصحية في غزة إن معظم القتلى من النساء والأطفال.
وأضافت بيلوسي: "نحن نعترف بحق إسرائيل في حماية نفسها والدفاع عن حدودها وغير ذلك، لكن يحدوني الأمل أن ينصتوا إلى نداء (وزير الخارجية أنتوني) بلينكن، وبالطبع إلى الرئيس جو بايدن وجميع أصدقاء إسرائيل. يتعين عليهم أن يكونوا حذرين بشأن حياة المدنيين".
وفي مقابلة مع دويتشه فيله ناشد فريدريش ميرتس -رئيس الحزب المسيحي الديمقراطي المحافظ في ألمانيا- الحكومة الإسرائيلية، قائلا: "احموا المدنيين ولكن حاربوا الإرهاب في قطاع غزة حتى لا تتكرر هذه المشكلة مرة أخرى". وقال إنه لن يُقدِم على التلويح بإصبعه في وجه إسرائيل على الإطلاق.
أين المفر؟
ومع تصاعد التوتر تزايدت التكهنات حيال الخيارات القليلة المتاحة أمام النازحين في رفح في حالة حدوث هجوم إسرائيلي وشيك، إذ نقلت صحف غربية من بينها صحيفة وول ستريت جورنال الأمريكية -عن مصادر أمنية و"مؤسسة سيناء لحقوق الإنسان" ومقرها لندن- قولها إن مصر تقوم بإعداد مخيمات يمكنها استيعاب ما يصل إلى مئة ألف نازح فلسطيني.
نفي مصري
في المقابل نفت مصر مثل هذه التقارير حيث قال رئيس الهيئة العامة المصرية للاستعلامات -ضياء رشوان- في بيان إن موقف مصر "الحاسم (....) هو الرفض التام والذي لا رجعة فيه لأي تهجير قسري أو طوعي للأشقاء الفلسطينيين من قطاع غزة إلى خارجه، وخصوصا للأراضي المصرية". وأضاف أن "لدى مصر بالفعل، ومنذ فترة طويلة قبل اندلاع الأزمة الحالية، منطقة عازلة وأسوار في هذه المنطقة". ومنذ فترة طويلة تتعاون مصر مع إسرائيل بشكل وثيق بشأن أمن الحدود مع غزة.
وقبل ذلك أكد وزير الخارجية المصري سامح شكري -على هامش مؤتمر ميونيخ للأمن- أن مصر لا تنوي إعداد أي أماكن آمنة لمدنيي غزة، مضيفا: "الحديث عن بناء جدار على حدود مصر مع غزة هو مجرد افتراض، ونحن نجري عمليات صيانة فقط".
العيش بين الأنقاض
وتشير بعض التقارير إلى خطة أخرى أمام النازحين في رفح تتمثل في الانتقال شمالا والعودة إلى مناطقهم التي فروا منها.
وفي ذلك السياق قال مسؤول عسكري إسرائيلي إنه إذا شنت إسرائيل هجوما على رفح فإن الجيش سيحاول نقل السكان المدنيين شمالا، لكن محللين أشاروا إلى أن العمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة أدت إلى تدمير ما يقرب من 70 بالمائة من جميع مباني شمال غزة مع نفاد إمدادات الغذاء والمياه.
وقد ذكرت صحيفة هآرتس الإسرائيلية أن المنطقة -الواقعة شمال رفح مباشرة- لا يمكنها استيعاب مئات الآلاف من الأشخاص في خيام، مضيفة أن العودة إلى مدينة غزة أو خان يونس ستعني "العيش بين الأنقاض دون بنية تحتية".
معبر رفح - تحديات كبيرة أمام شريان حياة سكان غزة الوحيد أثناء حرب إسرائيل وحماس
ووفقا للأمم المتحدة فإن المنطقة "غير صالحة للسكن" عمليا. فيما سيناقش مجلس الأمن الدولي مشروع قرار يدعو إلى "وقف فوري لإطلاق النار لأسباب إنسانية" وإطلاق سراح جميع الرهائن الإسرائيليين.
بيد أن الولايات المتحدة حذرت من أنها ستستخدم حق النقض ضد المشروع الذي قدمته الجزائر، قائلة إن واشنطن تفضل إطلاق سراح الرهائن ووقف القتال لمدة ستة أسابيع وليس وقف فوري لإطلاق النار.
شتيفاني هوبنر
ترجمة: محمد فرحان
حقوق النشر: دويتشه فيله 2024