عودة السلام إلى نقطة البداية وطفوح الكيل بالشباب الفلسطيني
قال المتحدث باسم الحكومة الإسرائيلية، مارك ريجيف إن "إسرائيل توسع علاقاتها الدولية كل يوم والأهم هو أن العلاقات مع العالم العربي تتزايد باستمرار"، مضيفاً أن "إسرائيل حصلت هذا العام على نحو 20 في المائة من كافة الاستثمارات العالمية في مجال أمن الإنترنت".
لكن على النقيض من ذلك، تعترف ديانا بوتو، المحللة السياسية في رام الله، بأنها "قلقة". وتقول المستشارة السابقة لمنظمة التحرير الفلسطينية: "لقد طفح الكيل بشبابنا، إذ لا توجد لديهم آفاق مستقبلية. كما أنهم لا يرون أن ثمة شيء ما سيتغير في الجيل القادم".
عملية السلام فشلت إذاً، وتصاعد العنف من جديد. فمنذ منتصف سبتمبر/ أيلول 2015، قام فلسطينيون بقتل 20 إسرائيلياً من خلال عمليات طعن بالسكاكين أو إطلاق نيران، بينما قتل إسرائيليون 129 فلسطينياً على الأقل، بينهم 81 بزعم أنهم قاموا بعمليات طعن أو حاولوا القيام بها. وتتهم إسرائيل القيادة الفلسطينية بالتحريض على العنف، بينما يعتبر الفلسطينيون أن سبب الهجمات هو اليأس والرغبة في التخلص من السيطرة العسكرية الإسرائيلية.
في عام 2015، شددت إسرائيل سيطرتها على الضفة الغربية. وفي انتخابات أجريت في مارس/ آذار تمكن حزب الليكود الحاكم من إلحاق هزيمة ساحقة بالمعارضة والفوز بـ30 مقعداً في البرلمان الإسرائيلي (الكنيست). وفي ولايته الرابعة، قام رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بتشكيل ائتلاف حاكم من أحزاب أقصى اليمين، مدعوماً من قبل أنصار المستوطنين وغلاة المتشددين الدينيين. وواصلت حكومته بناء المستوطنات في الأراضي الفلسطينية المحتلة. وفي منتصف ديسمبر/ كانون الأول، وافقت إدارة بلدية القدس على بناء 891 وحدة سكنية جديدة في مستوطنة "جيلو" بالقدس الشرقية.
المشروع ينمو، بحسب ما تؤكد ميري ماعوز عوفاديا، المتحدثة باسم "مجلس يشا"، وهي عبارة عن منظمة مظلة للإدارة الذاتية للمستوطنات الإسرائيلية. ويعيش حاليا 600 ألف مستوطن في مناطق بالضفة الغربية والقدس الشرقية، التي احتلتها إسرائيل عام 1967، والتي يريد الفلسطينيون أن يجعلوها عاصمة لدولتهم المستقبلية. وتقول ميري ماعوز عوفاديا: "مجتمعنا لا ينمو بشكل أسرع فقط، وإنما عائلاتنا أيضاً لديها معدل ولادة أعلى ... الاسرائيليون يعيشون هنا منذ أجيال، وهذا لا رجعة فيه".
"حاجة إلى معجزة إلهية"
يوجد لدى الفلسطينيين شعور بالإحباط إزاء الاحتلال الإسرائيلي، يختلط بغضب تجاه قيادتهم. فمحمود عباس، رئيس السلطة الفلسطينية ورئيس منظمة التحرير الفلسطينية، لم يغادر منصبه على الرغم من أن ولايته انتهت عام 2009. وتوجه ديانا بوتو انتقادات إلى عباس بأنه، بدلاً من أن يسعى للإتيان بمن يخلفه، فإنه يتعامل بشدة مع معارضيه ومنافسيه. وبذلك يكون عباس، البالغ من العمر 81 عاماً، قد جهز تقريباً لاندلاع الفوضى بعد رحيله، بحسب رأي المستشارة السابقة بمنظمة التحرير الفلسطينية.
ويرى 65 في المائة من الفلسطينيين أن على عباس أن يقدم استقالته، وذلك في استطلاع للرأي أجراه مؤخراً المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية.
لكن بالمقارنة مع سنوات أخرى، فقد كان عام 2015 في الحقيقة عاماً جيداً، بحسب مخيمر أبو سعدة، أستاذ العلوم السياسية في جامعة الأزهر بغزة، إذ لم تكن هناك حروب، وكانت هناك فترة راحة بعد 50 يوماً كاملة من الحرب بين إسرائيل وحماس في صيف عام 2014. ويقول أبو سعدة إنه استطاع خلال عام 2015 مغادرة غزة مرتين متوجهاً إلى أوروبا، ولكن هذه مسألة نادرة بالنسبة لمعظم سكان القطاع، المحاصر من قبل إسرائيل منذ تسع سنوات تقريباً.
وعموماً، فإن سيطرة حركة حماس على السلطة في غزة عام 2007، والقطيعة بينها وبين حركة فتح الأكثر اعتدالاً، والتي يتزعمها عباس، تزيد من حدة مشاكل قطاع غزة، طبقاً لأبو سعدة. كما أن مصر لا تفتح معابرها الحدودية مع غزة إلا عندما تتولى قوات الأمن الوطني الفلسطيني، التي تسيطر عليها فتح، حراسة تلك المعابر، وهذا لا يعقل ما دامت فتح وحماس على طرفي نقيض.
ويتابع الأستاذ بجامعة الأزهر قائلاً: "إسرائيل ترفض رفع الحصار المفروض على قطاع غزة ما دامت حماس في السلطة هناك. والنتيجة هي تحول القطاع إلى جيب فقير ومعزول، معظم سكانه من الشباب، مع معدل بطالة يبلغ 43 في المائة، بحسب تقرير نشره البنك الدولي في مايو/ أيار 2015". ويقول مخيمر أبوسعدة إن "ثمة حاجة إلى معجزة إلهية لاكتشاف شيء جيد في قطاع غزة في عام 2016".
تزايد التطرف بين الإسرائيليين
من جانبها، ترى المراقبة السياسية الإسرائيلية تال شنايدر، والتي تقطن في تل أبيب، أن صدمتها لهذا العام كانت في جريمتي قتل: في بداية يوليو/ تموز 2015 قام يهودي متطرف بطعن شيرا بنكي، البالغة من العمر 16 عاماً، خلال مسيرة للمثليين جنسياً في القدس. وفي وقت لاحق، قامت مجموعة يشتبه بأنها من المتطرفين اليهود بإضرام النار في منزل بقرية دوما، مما أسفر عن مقتل ثلاثة أفراد من عائلة دوابشة الفلسطينية، من بينهم طفل رضيع. وتوضح شنايدر: "نحن نشهد المزيد من النشاط السياسي السري في إسرائيل"، محذرة من أن "على الجانبين متطرفين يتحكمون بنا".
هذا ويصيب وصول المفاوضات إلى طريق مسدود الليبراليين الإسرائيليين بالقلق. ففي بداية ديسمبر/ كانون الأول 2015، أثار وزير الخارجية الأمريكية جون كيري غضباً عندما علق قائلاً بأن إسرائيل ستصبح، من خلال الاحتلال المستمر للضفة الغربية، "دولة ثنائية القومية".
لذلك، تعهد رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو بأن إسرائيل لن تصبح دولة ثنائية القومية. كما اتهم المتحدث باسم الخارجية مارك ريجيف الفلسطينيين بالمسؤولية عن توقف المفاوضات، بينما يقول الفلسطينيون إنهم لن يتفاوضوا ما دامت إسرائيل تواصل توسيع المستوطنات.
من يغِبْ عن المشهد يسهل نسيانه
لكن الإسرائيليين والفلسطينيين يتفقون على أن الالتزام الدولي لا يكاد يؤثر في الواقع على الشرق الأوسط. وبينما تقترب الحرب في سوريا من إنهاء عامها الخامس، وتستقبل أوروبا أكثر من مليون لاجئ، وترى نفسها مهددة من قبل تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، يفقد الصراع الإسرائيلي الفلسطيني مكانته كأولوية من أولويات السياسة الخارجية لأوروبا والولايات المتحدة.
ففي نوفمبر/ تشرين الثاني، قرر الاتحاد الأوروبي وضع ملصقات لتمييز البضائع القادمة من المستوطنات الإسرائيلية. ووصفت ميري ماعوز عوفاديا، المتحدثة باسم "مجلس يشا" ذلك القرار بأنه "شعبوي" وقالت إن آثاره ستكون ضعيفة على الاقتصاد الإسرائيلي في الضفة الغربية.
أما ديانا بوتو، المستشارة السابقة بمنظمة التحرير الفلسطينية، فتشير إلى أن اقتراب الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة سيغري حتماً الساسة الأمريكيين بالحديث بشكل "مثير للشفقة" عن الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، معتبرة أن "بالنسبة للانتفاضة الحالية، من المرجح أن يستمر (الحديث عنها) بهذا المستوى الضعيف جداً، لاسيما أن الفلسطينيين هم من يموتون أثناء ذلك".
دانييلا تشيسلو - تل أبيب
ترجمة: ص.ش