طارق رمضان- مصلح عصري أم ذئب في ثياب حمل؟

ثمة جدل كبير حول شخصية طارق رمضان؛ فهناك من يرى فيه صاحب أفكار أصولية ولكن يخفي وجهه الحقيقي تحت غطاء الليبرالية، بينما يرى فيه آخرون أنه صاحب رؤية تقدمية جديدة للإسلام المعاصر. نينا زو فورزتنبرغ حاولت في كتابها الجديد وضع "ظاهرة طارق رمضان" تحت المجهر. كتاجون أميربور في عرض لهذا الكتاب.

Von كتاجون أمير بور

​​ الرجل ظاهرة سياسية: لقد وصفته مجلة "تايم" بـ"النجم الإسلامي" وبأنه واحد من بين أهم 100 شخصية على مستوى العالم. أما الآخرون يرون أنه ذئب في ثياب حمل أو أصولي في مظهر المعتدل. من الثابت أن طارق رمضان أعظم المفكرين المسلمين في أوروبا، وأنه يجمع بين المستوى الفكري الراقي والجاذبية الشخصية، وأنه يحظى بإعجاب الناس ومثير لدرجة ليس لها مثيل في ألمانيا. وعندما يظهر أمام الجمهور فإنه يحظى باحترامهم، وعلى الأخص الشباب، ويرون في هذا الرجل الأنيق الأبي البليغ في منتصف العقد الخامس من عمره بشير المستقبل.

كما أن تصرفاته وفهمه للإسلام تفتح لهم بابا جديدا لفهم ديانتهم بصورة تسمح لهم أن يكونوا متمسكين بالدين ومواكبين للعصر في الوقت نفسه. وحتى يتسنى للمرء معرفته بصورة أوضح جاء كتاب نينا زو فورزتنبرغ في الوقت المناسب. والمؤلفة التي تعمل صحفية وتقيم في روما وزيورخ، كما أنها تدير جمعية (ريسيت) للحوار بين الحضارات في روما. هذه الجمعية عقدت في السنوات الأخيرة الماضية عدة مؤتمرات وندوات دعت إليها مفكرين مشاهير من العالم الغربي والإسلامي لبحث القضايا التي تتعلق بمستقبل الإسلام في العالم العصري الحديث. ومن خلال هذه اللقاءات استطاعت نينا زو فورزتنبرغ أن تلمّ تماما بالموضوع، وأن تتعرف جيدا على طارق رمضان الذي يتلهف الناس لسماعة أثناء المناقشات عندما يكون الموضوع حول الإسلام في أوروبا.

طارق رمضان تحت المجهر

​​ وتقول نينا زو فورزتنبرغ أنها لم تكن لديها الرغبة في كتابة سيرة ذاتية، ولكن سوف يتبين لنا من خلال تعامل أوروبا مع طارق رمضان "طريقة تعاملنا في أوروبا مع هذا التحدي، أي اندماج الإسلام في أوروبا".

بالنسبة للكثير الذين لا يعرفون عنه سوى اسمه يرون أن طارق رمضان يشكل تهديدا لأنه حفيد لحسن البنا، مؤسس جماعة الإخوان المسلمين. هذه الجماعة تعتبر إلى يومنا هذا محظورة في مصر لأنها أعلنت تأسيس دولة إسلامية، أي دولة تُطبق فيها الشريعة الإسلامية. كان سعيد رمضان، والد طارق رمضان، قد هرب إلى سويسرا ليعيش هناك في المنفى، وقام بتأسيس مركز إسلامي جنيف. ولد طارق بسويسرا عام 1962، ودرس علوم الإسلام ونال درجة الدكتوراه في التخصص ذاته، وذاع صيته في السنوات الأخيرة من خلال محاضراته وحواراته وكتبه العديدة. وفي هذه المناسبات يتحدث باسمه فقط وليس باسم الإخوان المسلمين، كما أنه لا يدافع عن برنامجهم في أوروبا كما يدعي نقّاده دائما.

"الخوف من الإسلام يُشلّ مستقبلنا"

لقد أصبح رمضان نجما عالميا بعد جدال بينه وبين مثقفين يهود في فرنسا انتقدهم فيه بالدعم المطلق للسياسة الإسرائيلية أي بـ"الانحيازية"، وفيما بعد المناظرة التي أجراها عبر إحدى قنوات التلفزيون في نوفمبر / تشرين الثاني 2003 مع وزير الداخلية آنذاك نيكولا ساركوزي حول الحجاب.

وتوضح نينا زو فورزتنبرغ في كتابها أن الخوف من الإسلام يُشل تفكيرنا ويخلق ردود فعل بالغة، هذا فقط هو تفسيرها لوضع رمضان دائما وعلى الفور في هذه الخانة والعزوف عن السماع له. يعتبر كتاب نينا زو فورزتنبرغ مقدمة جيدة نجحت في عرض أفكار وبراهين هذا المفكر اللامع. وبالتأكيد كان بإمكانها الإسهاب في عرض حجج وبراهين رمضان، ولكن ذلك قد يكون على حساب سهولة القراءة وبالتالي لن يكون الكتاب على مستوى الجمهور العادي ولن يحقق الهدف الرئيسي له، ألا وهو أن يكون مقدمة سهلة الاطلاع. يعرض لنا هذا الكتاب آراء رمضان ويوضح موقفه من بعض المواضيع، مثل التفسير الجديد للقرآن، وأيضا رأيه في القضية الفلسطينية الإسرائيلية ومسألة الرجم، الذي أكسبه اهتماما كبيرا. على عكس كثير من المصلحين المتطرفين الذين يحطون من قدر الشريعة ويجعلون منها قانونا محضا لا يطالب رمضان بإلغاء حد الرجم ولكن بتعطيل العمل به.

لهذا استحق الوصف بأنه ليس مصلحا حقا. بيد أن رمضان كان يوجه كلامه إلى الشباب المسلم في ضواحي ليون وباريس ومارسيليا من ناحية، ومن ناحية أخرى إلى معارضي العولمة اليساريين، وليس آخر إلى الناس في العالم الإسلامي.

هذا التذبذب أظهره كثيرا كمراوغ ومنافق. على الرغم من ذلك فهو ليس بالمسلم الرجعي كما يصفه الكثير حاليا، بل هو أحد المحافظين بكل بساطة. ولكن ماذا بقي من القول، بعد ما كُتب عنه وبعد اهتمام نينا زو فورزتنبرغ بِطارق رمضان عدة سنوات؟ هل من الممكن أن يثق المر به؟ هذا ما لا تستطيع نينا زو فورزتنبرغ الجزم به، وتعلق على ذلك قائلة: "لا أستطيع التأكد من معرفة آخر أفكاره".

لكن ما جمعته من كتاباته يُستنتج منه، أن آراءه "ليست بهذا البعد عن آرائنا الديمقراطية الليبرالية". وحتى إذا كان رمضان يريد أسْلمة أوروبا فإن زو فورزتنبرغ تستبعد ذلك تماما "لأن الآخرين، أي نحن، لنا من الأمر شيء". هذا الموقف بالضبط هو الذي جعل الكتاب شيّقا، وهو موقف لا يُفصح عن كل شيء وليس بالانحيازي وليس بالذي يُرفض أو يُقبل كلية، ولكن من الأجدر لنا محاولة فهم هذا الموقف وعرضه، وإعطاء الفرصة لكل من يريد معالجة الإسلام في العالم الأوروبي العصري للبحث عن حلول للمشكلة. أما كيف تكون طبيعة هذه الحلول فهذا ما ينبغي لنا أن نجتهد من أجله.

 

كتاجون أمير بور

ترجمة: عبد اللطيف شعيب

حقوق الطبع : قنطرة 2009

نينا زو فورزتنبرغ: "من يخاف من طارق رمضان؟" الرجل الذي يريد إصلاح الإسلام وتغيير العالم الغربي، 190 صفحة عن دار نشر هيردر في مدينة فرايبورغ.