تدمير كنوز السودان الثقافية

الدخان يتصاعد فوق المباني أثناء النزاع في السودان.
الدخان يتصاعد فوق المباني أثناء النزاع في السودان.

بسبب احتدام القتال بين الجيش وقوات الدعم السريع شبه العسكرية دُمِّرَت ممتلكات ثقافية مهمة في السودان: من مكتبات لا تُقدَّرُ بثمن وحتى المومياوات. استعلام فيليب يديكه.

الكاتبة ، الكاتب: Philipp Jedicke

تسبّبت شهورُ القتالِ في السودان بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع شبه العسكرية في كارثة إنسانية. ومنذ بدء النزاعِ في نيسان/أبريل 2023، قُتِل الآلاف وجُرِحَ الآلاف، وفقاً لتأكيدات أممية.

ويؤكد رضوان نويصر، خبير الأمم المتحدة بشأن حالة حقوق الإنسان في السودان وجود حالات نهب وقتل واغتصاب كل يوم. ويفرُّ مئات الآلافِ من الناس من الهجمات العنيفةِ للجنود.

قال نويصر في بيان أدلى به: "هذا تدميرٌ لبلدٍ بطريقةٍ مهينة للناس. وما يحدث هو أسوأ من أي شيء رأيته في مناطق الصراعات على مدار مسيرتي المهنية الطويلة. إنه أمر مرعب ومأساوي ووحشي وغير ضروري تماماً".

 

 

وفقاً للأممِ المتحدةِ، فشل طرفا النزاعِ بشكل فظيع في الوفاء بالتزاماتهما تجاه القانونِ الإنساني الدولي. وفي الوقتِ ذاته يفتقرُ الأطباءُ والمستشفيات إلى كل شيء؛ فالفوضى عارمةٌ على الحدودِ والجثثُ مُتناثرةٌ في الشوارعٍ. كما يتعرّضُ الناس لخطر إطلاق النار عليهم عند محاولتهم انتشال الموتى.

تدميرُ معالم ثقافية ووثائق لا تُقدّرُ بثمن

والكنوز الثقافية للبلاد في خطر كبير. إذ دمّرت قوات الدعم السريع بالفعل مواقع مهمة. كما ذكرت مجلة ذا كونتينِتْ The Continent أنّ "الحرب في السودان لا تُدمِّرُ مستقبلَ البلاد فحسب، بل تُدمِّرُ ماضي البلاد كذلك".

قارن مراقبون الدمارَ الذي لحق بالمكتبات والمتاحف ودور العبادة بتدمير طالبان للكنوز الثقافية في أفغانستان.

ووفقاً للتقرير في مجلة ذا كونتينِتْ حُرِقت مواقع تاريخية مهمة مثل سوق أم درمان القديم بسبب القتال في مدينة أم درمان التي تقع على ضفة نهر النيل. كما دُمِّرت مكتبة مركز محمد عمر بشير للدراسات السودانية في جامعة أم درمان الأهلية. وبكل بساطة لم تعد المخطوطات المكتوبة بخط اليد والمؤلفات النادرة موجودة.

 

رضوان نويصر خبير الأمم المتحدة بشأن حالة حقوق الإنسان في السودان  Radhouane Nouicer, the UN expert on the situation of human rights in Sudan (photo: Ashraf Shazly/AFP)
"This is the destruction of a country in a way that is dehumanizing its people," Nouicer said in a recent statement. "What is going on is as bad as anything I have seen in conflict zones over the course of my long career. It is horrifying, tragic, brutal, and completely unnecessary."

 

وأوضح عضو اتحاد الكتّاب السودانيين، الشاعر حميد بخيت، أهمية مركز محمد بشير للدراسات المُدمَّر: "كان واحداً من أهم مصادر التراث المكتوب لاحتوائه على مراجع مهمة في تاريخ السودان".

بقايا بشرية مُحنّطة في قائمة المسروقات

اقتُحِم أيضاً متحف السودان القومي في الخرطوم، وتعرّضت المعروضات، بما فيها مومياوات قديمة، للتدميرِ أو التلفِ.

وبحسب تقرير ذا كونتينِتْ يوجد مقطع فيديو لأحد مقاتلي قوات الدعم السريع يعرضُ مومياوات عمرها آلاف السنين بوصفها ضحايا للدكتاتور السوداني السابق عمر البشير، الذي أُطيح به في عام 2019، ويتعهّدُ بالانتقامِ لمقتلها.

كما تحدّث حميد بخيت عن تدمير معروضاتٍ مهمةٍ، مثل أنواعٍ حيوانيةٍ نادرةٍ محفوظة في متحف التاريخ الطبيعي، إضافة إلى الهجمات على المكتبات والناشرين، مثل دار مدارك للنشر، ودار الكنداكة للطباعة والنشر والتوزيع و"مجمّع بائعي الكتب" في ميدان الخليفة.

 

متحف السودان القومي في الخرطوم. Two men walk towards the entrance to the Sudan National Museum in Khartoum (photo: Ashraf Shazly/AFP)
According to Philipp Jedicke, the National Museum in Khartoum was also stormed, and exhibits – including ancient mummies – were destroyed or damaged.

 

ولكن لماذا تُدمِّرُ قوات الدعم السريع تراث بلادها؟ كثيراً ما يُتَّهَمُ المقاتلون بالجهل، بيد أنّ بخيت يعتقدُ أنّ "الدمار يحدثُ عن عمد، في محاولة لطمسِ الحقائقِ التاريخية. يريدون خلق حقبة جديدة تبدأ معهم".

يتابعُ: "وإضافة إلى ذلك، هناك كراهية. كراهية للتعليم والمتعلّمين بشكل عام. يبدو وكأنّهم يريدون إعادة تشكيلِ المجتمع إلى مجتمعٍ جاهلٍ من دون ذاكرة".

ووفقاً لبخيت، فإنّ حماية ما تبقّى من كنوز السودان الثقافية أمر في غاية الصعوبةِ، إن لم يكن مستحيلاً، لأنّ الجنود لا يحترمون أية أعراف. "لعلّه يمكن للمثقفين إطلاق حملة لجمع المراجع والكتب التاريخية النادرة، لاستعادة المكتوب من هذه الذاكرة، أما بالنسبة لمحتويات المتاحف، فلا سبيل لاستعادتها، وهنا تكمنُ الكارثة".

 

 

فيليب يديكه

ترجمة: يسرى مرعي

حقوق النشر: موقع قنطرة 2023

ar.Qantara.de