تزايد استهداف النشطاء قبل انتخابات مصر الرئاسية
دائما ما تكون الانتقادات الحقوقية -ضد الحكومة المصرية- من خارج البلاد الصادرة عن النشطاء والمعارضين -الذين يعيشون في المهجر- ذات صدى كبير مقارنة بالانتقادات الخجولة داخل البلاد نظرا لحملات القمع ضد الناشطين السياسيين في الداخل.
وبسبب هذا الزخم في الخارج تشير تقارير إلى أن أسر الناشطين والناشطات الذين يعيشون في الخارج تكون عرضة للاستهداف من قبل السلطات المصرية.
فقد جرى في 18 أغسطس/ آب المنصرم 2023 اعتقال علاء العادلي (59 عاما) والد الناشطة السياسة فجر العادلي -التي تعيش في ألمانيا- بعد وصوله مطار القاهرة قادما من مدينة فرانكفورت الألمانية.
وفي مقابلة مع دويتشه فيله، قالت فجر العادلي إن والدها لم يوجَّهْ ضدَّهُ أي "اتهام محدد ولا يوجد سبب رسمي لاعتقاله"، مضيفة أن الأمر برمته يتعلق بنشاطها السياسي في ألمانيا، بما في ذلك انتقاداتها للحكومة المصرية.
وحظيت فجر باهتمام إعلامي كبير عام 2015 عندما وصفت الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بـِ "القاتل" خلال مؤتمر صحافي في برلين مع المستشارة الألمانية آنذاك أنغيلا ميركل.
وقررت السلطات المصرية حبس علاء العادلي لمدة 15 يوما فيما تؤكد فجر أن والدها ليس له نشاط سياسي وكان يسافر إلى مصر بشكل متكرر وبدون أية مشاكل منذ 33 عاما.
وحول ذلك قال عمرو مجدي -الباحث الأول في قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في منظمة هيومن رايتس ووتش- إن "اعتقال علاء العادلي كان يمكن أن يؤدي إلى مشكلة دبلوماسية بين مصر وألمانيا" لو كان يحمل الجنسية الألمانية، مضيفا "لكن والدها مصري فقط".
وفي مقابلة مع دي دبليو أضاف: "ظل اعتقال أفراد عائلات المعارضين الذين يعيشون في الخارج نمطا ممنهجا استخدمته الحكومة المصرية لإسكات المنتقدين في السنوات الماضية، ويبدو أن الوقت الراهن يشهد موجة جديدة من هذا النهج".
وعلى وقع اعتقاله أعلنت فجر العادلي الخميس (31 أغسطس / آب 2023) البدء في إضراب عن الطعام أمام السفارة الألمانية بالقاهرة.
وقالت في مقابلتها مع دويتشه فيله إنه "من المخزي وغير الأخلاقي معاقبة الأقارب. وإذا كانت لديك مشكلة مع شخص، فيتعين عليك أن تقدم على حلها مع هذا الشخص نفسه".
وقال متحدث باسم وزارة الخارجية الألمانية إن السفارة الألمانية في القاهرة "على علم بالقضية وعلى اتصال وثيق مع أقارب العادلي حيث أثارت القضية مع الجانب المصري".
لكن نظرا لأن علاء العادلي ليس لديه جواز سفر ألماني فإن جهود الجانب الألماني ستظل محدودة.
زيادة المضايقات
ولم تكن حالة علاء العادلي الوحيدة إذ شهد شهر أغسطس/ آب المنصرم 2023 إلقاء القبض على جمال عبد الحميد زيادة، حيث جرى استجوابه بشأن نشاط نجله الناشط السياسي أحمد الذي يعيش في بلجيكا.
بدوره قال وديع الأسمر -رئيس الشبكة الأورومتوسطية لحقوق الإنسان- وهي منظمة غير حكومية تضم 68 منظمة حقوقية تعمل في 30 دولة، إن "الضابط ادعى أن نجل زيادة يحرض ضد الدولة ووصفه بأنه صحفي هارب".
إعلان عن بدء إضرابٍ عن الطعام
يوم الثلاثاء تم تمديد حبس والدي لمدة 15 يومًا، بدون وجود دليل إدانه ضده، وقد سبق أن أعلنا قبل 48 ساعة عن نيتنا الدخول في إضراب عن الطعام، ونعلن عنه من امام السفارة، نجد أنفسنا مضطرين لفعل ذلك من أجل والدي
المُحتَجز بدون وجه حق"#freeAlaaEladly pic.twitter.com/7aG32zta2D— Fagr Eladly (@fagr_eladly) August 31, 2023
وقبل ذلك بشهور وتحديدا في أبريل/ نيسان الماضي 2023 ألقي القبض على نعمة هشام -زوجة الحقوقي محمد الباقر- حيث جرى إجبارها على حذف منشورات على وسائل التواصل الاجتماعي انتقدت فيها سوء معاملة زوجها في السجن.
يُضاف إلى ذلك إلقاء القبض على عدد من أفراد عائلة السياسي أحمد طنطاوي، عقب إعلانه عن عزمه منافسة السيسي خلال الانتخابات الرئاسية المقبلة 2024.
وعن ذلك قال الأسمر: "نرصد زيادة وتيرة ما تقوم به السلطات المصرية من حملات مضايقة واعتقالات ضد أقارب النشطاء المصريين المثيرين للجدل والصحافيين وغيرهم من المعارضين داخل البلاد وخارجها".
ويتفق في هذا الرأي شتيفان رول -رئيس قسم أفريقيا والشرق الأوسط بالمعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية- قائلا: "اعتقال الأقارب يعد وسيلة واضحة للضغط على النشطاء والمعارضين لإسكات أصوتهم وأيضا لنشر الخوف بين النشطاء الذين يعيشون خارج البلاد".
There is no way I do not want to pursue for my father who is detained in #Egypt unjustly
So please sign this #petition #freeAlaaEladly #freemydad@ABaerbock @Bundeskanzler https://t.co/WmAZCOoNGZ pic.twitter.com/HWtZdDE7Qd— Fagr Eladly (@fagr_eladly) August 26, 2023
وشددت على أن الأمر يحمل في طياته بعدا سياسيا في الوقت الراهن، وأضاف: "في مرحلة ما قبل -الانتخابات الرئاسية التي ستجرى مطلع العام المقبل 2024- سوف يتم قمع أي شكل احتجاجي أو أي حملة -تستهدف السلطات المصرية- في مهدها".
الإنكار لم يعد الخيار
وتقدر منظمات حقوقية أن عدد السجناء السياسيين في مصر يتراوح بين 65 ألفا إلى 70 ألفا.
وفي مقابلة مع دي دبليو قالت ماري جورجيس -الباحثة في الشأن المصري في منظمة العفو الدولية- إن العام الماضي 2022 شهد اعتقال حوالي 2500 معارض في القاهرة وحدها، حيث جرى نقلهم إلى نيابة أمن الدولة العليا لمجرد ممارستهم حقوقهم الإنسانية".
ورغم هذه الأرقام الكبيرة إلا أن الحكومة المصرية ما زلت تُصِرُّ على عدم وجود سجناء سياسيين بشكل عام.
وفي هذا السياق، قال شتيفان رول إن "القيادة المصرية قامت بتغيير استراتيجيتها في الوقت الراهن حيث أفرجت عن عدد من السجناء السياسيين من أجل بعث رسالة إلى الدول الغربية مفادها أن وضع حقوق الإنسان في البلاد آخذ في التحسن".
ورغم الإفراج عن نشطاء بارزين في مصر مثل باتريك زكي وأحمد دومة إلا أن قائمة السجناء السياسيين شملت انضمام شخصيات جديدة بما في ذلك الصحافي والناشط السياسي هشام قاسم الذي جرى اعتقاله.
ونقلت وكالة رويترز عن محاميه قوله إن "السلطات المصرية نقلت موكله إلى السجن رهن المحاكمة في تهمتي السب والقذف وإهانة ضباط وأمناء شرطة".
حقوق الإنسان أم الاقتصاد؟
وقد ناشدت فجر العادلي مرة أخرى السلطات الألمانية بضرورة التدخل للإفراج عن والدها حيث اقترحت "ربط الاستثمارات المستقبلية مع مصر بسيادة القانون وحقوق الإنسان".
بدوره قال شتيفان رول إن هذا الطلب "منطقي"، مضيفا أن مصر تشهد في الوقت الراهن "أزمة ديون متزايدة، لذا فسوف تحتاج قريبا إلى موافقة برلين لخصخصة محطة كهرباء، شيدتها شركة سيمنز في بني سويف، والتي تم تمويلها بضمانات ائتمان تصدير ألمانية".
وأضاف: "في ضوء أن خزائن الحكومة المصرية فارغة، فإن بيع محطة توليد الكهرباء يعد أمراً مهماً للغاية بالنسبة لحكومة السيسي".
الضغوطات الدولية
وفي إطار المساعي الرامية إلى الإفراج عن علاء وغيره يحدو كثيرين الأملُ في أن تفضي الضغوطات الدولية إلى نتائج إيجابية.
Freedom for Fajr Al-Adly's father.. How did her story begin with the fight against oppression in #Egypt?#FreeThemAll@fagr_eladly @jannisgrimm @BeateBeller pic.twitter.com/dqcxrm7K1C
— Free Them (@FreeThemAll_) August 29, 2023
وقررت النمساوية إيلينا بيشلر رفع صوتها ومطالبة السفارات ومنظمات حقوق الإنسان بالإفراج عن زوجها السجين السياسي المصري بدر محمد.
وقد وُضِعَ الشاب البالغ من العمر الآن 27 عامًا قيد الحبس الاحتياطي في أغسطس/ آب 2020، وحُكم عليه في النهاية بالسجن لمدة خمس سنوات في يناير/ كانون الثاني 2023، في محاكمة وصفتها منظمة العفو الدولية بأنها "غير عادلة بتاتاً".
وأدان القضاة بدر محمد بتهمة "المشاركة في تجمع غير قانوني" و"إظهار القوة المرتبطة بجريمة القتل العمد مع سبق الإصرار". وكان بدر -عندما كان سنُّهُ 17 عاما- قد شارك -بميدان رمسيس بالقاهرة في أغسطس/آب 2013- في احتجاجات ضد الحكومة التي يقودها الجيش الذي كان على رأسه آنذاك الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي.
وفي مقابلة مع دي دبليو قالت إيلينا بيشلر إنه عند اعتقال زوجها في أغسطس/ آب 2020: "طلب مني أحد المحامين في البداية ألا أثير ضجة لأن القضية ليست ذات أهمية وقد يتم إطلاق سراحه بعد بضعة أشهر".
ومع ذلك بقي بدر محمد في الحبس الاحتياطي، وفي الوقت نفسه رُزقت فيه زوجته إيلينا بطفلة لتعود بها إلى النمسا بمجرد رفع قيود كورونا آنذاك. لكنها قررت العودة إلى مصر في مارس / آذار الماضي 2023 ومعها ابنتها البالغة الآن عامين، للنضال من أجل إطلاق سراح زوجها.
وعن ذلك أضافت المواطنة النمساوية: "النشاط والحراك السياسي والحملات غير مرحب بها في مصر، لذا يساورني القلق دائما من أن تقوم السلطات بالتشديد عليه بسبب ذلك". وتابعت بيشلر لِـ دي دبليو: "حاولنا عدم فعل أي شيء، لكن لم يتغير أي شيء في الأوضاع. وزوجي يثق بي وبقدرتي على اتخاذ القرار الصائب وعدم فعل شيء يجعلنا عاجزين".
وتوجهت دويتشه فيله إلى السفير المصري في ألمانيا من أجل التعليق، لكنها لم تتلقَّ أي رد حتى وقت نشر هذا التقرير.
جنيفر هوليس
حقوق النشر: والترجمة: دويتشه فيله 2023