مفاجأة نتنياهو...المستوطن يتحول إلى ضحية
ادعى نتنياهو أن مطالبة إسرائيل بإخلاء المستوطنين من مستوطناتهم يرقى إلى مرتبة التطهير العرقي. بذلك يكون رئيس الوزراء الإسرائيلي قد اتهم ضمنياً حليفه وداعمه الرئيسي – الولايات المتحدة – والاتحاد الأوروبي، الذين لم يعترفا قط بقانونية المستوطنات، بالترويج للتطهير العرقي. هذا أمر مشين.
بالطبع، فإن إسرائيل تعلم ما تعلمه عن التطهير العرقي، ورئيس الوزراء بنيامين نتنياهو يعلم ما يعمله عن البروباغاندا. ورسالة الفيديو هذه تثبت كلتا النقطتين. فالحقيقة – وهذه قمة جديدة في الوقاحة الإسرائيلية – هي أن إخلاء الضفة الغربية من المستوطنين (والذي لم وعلى الأرجح لن يحدث) يعتبر تطهيراً عرقياً.
نعم، فالدولة التي قامت بتطهير عرقي كبير عام 1948 والتي لم تتخلَّ، في أعماقها، عن حلم التطهير وما تزال تمارس حملات تطهير مصغرة وممنهجة في وادي نهر الأردن وتلال جنوب الخليل ومنطقة معاليه أدوميم، ناهيك عن النقب. هذه الدولة تطلق على إخلاء المستوطنات من المستوطنين تطهيراً عرقياً. هذه الدولة تقارن غزاة الأراضي المحتلة بأبناء البلد الذي تمسكوا بأراضيهم ومنازلهم.
العالم طبقاً لرؤية نتنياهو
لقد أثبت نتنياهو مرة أخرى أنه – بحق – أصدق ممثلي "الإسرائيلوية" – تلك التي تختلق واقعها الخاص بها؛ فتحول الليل إلى نهار بكل صفاقة ودون أي شعور بالذنب ودون أي رادع.
[embed:render:embedded:node:23232]
في إسرائيل، يصدق الكثير من الناس، وربما الأغلبية، ذلك. فمستوطنو قطاع غزة أصبحوا "مطرودين"، وإزالتهم "ترحيل". بذلك لم يصبح الاستيطان – وهو عمل هجومي وعنيف – شرعياً، بل وأصبح منفذوه ضحايا.
اليهود كضحايا. إنهم اليهود دوماً، واليهود فقط. إن رئيس وزراء أقل صفاقة وعجرفة من نتنياهو لم يكن ليجرؤ على استخدام مصطلح "تطهير عرقي"، بالنظر إلى تاريخه وتاريخ دولته. حتى إن بعض حملات البروباغاندا لم تكن لتتجرأ على قول ذلك. لكن في بعض الأحيان، يتدخل الواقع.
وهذا الواقع حادّ للغاية، فالتطهير العرقي الشامل الوحيد وقع عام 1948، عندما أجبر نحو 700 ألف فلسطيني، وهم الأغلبية، على ترك منازلهم وأمتعتهم وقراهم والأرض التي كانت ملكهم لقرون. بعضهم طردوا بالقوة ووضعوا في شاحنات أبعدتهم، بينما تعرض البعض الآخر لتخويف متعمد دفعهم إلى الفرار. كما فرّ آخرون ربما لم يكونوا مضطرين لذلك. لكن لم يسمح لأي منهم، باستثناء قلة قليلة، بالعودة حتى لاستعادة متعلقاتهم الشخصية.
إنكار حق العودة كان أسوأ من الطرد نفسه، وهذا ما يثبت بأن التطهير كان متعمداً. فلم يتبقَّ أي تجمع عربي بين يافا وغزة، بينما ظلت بقية المناطق تحمل ندبات الماضي، التي تتجلى في صورة بقايا قرى ومناحي حياة. هذا هو التطهير العرقي، ولا مجال لوصفه بكلمة أخرى. لقد تم مسح نحو 400 قرية وبلدة من وجه الأرض، وما تبقى منها غطته تجمعات يهودية وغابات وأكاذيب. لقد أخفيت الحقيقة عن اليهود الإسرائيليين. كما منع سليلو المطرودين من تذكرهم، دون نصب تذكارية أو شواهد قبور، إذا أردنا اقتباس يفغيني يفتوشتكو بتصرّف.
مخالفة صريحة للقانون
عدد المستوطنين الآن يفوق عدد المطرودين. لقد غزا هؤلاء أرضاً لم تكن لهم، بدعم من الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة ومعارضة العالم بأسره، وهم يعلمون يقيناً أن مشروعهم هذا مبني على جليد هشّ. فالمستوطنون والحكومة الإسرائيلية لا يخالفان القانون الدولي وحسب، وهو ما يفقد إسرائيل احترامها، بل يخالفان أيضاً القانون الإسرائيلي، وذلك بدعم من السلطة القضائية المطوَّعة.
إن سرقة الأرض تعتبر مخالفة صريحة للقانون المعمول به في إسرائيل والمناطق المحتلة. وبمجرد أن بدأ الإسرائيليون والعالم بالاعتياد على هذا الوضع وتقبله كأمر لا مفرّ منه، بادر رئيس الوزراء بالتصعيد: فالمستوطنون أصبحوا الآن ضحايا، وليس من طُردوا على أيديهم أو حرموا من إرثهم بسببهم. في هذا العالم بحسب نظرة نتنياهو، فإن المستوطنات، التي بنيت بهدف إعاقة التوصل إلى حل مع الفلسطينيين، لم تعد عائقاً. إنه (نتنياهو) يساوي المستوطنين بأولئك الفلسطينيين الذي بقُوا في إسرائيل، أي ما يُعرف بالعبرية بـ"شئيرة هالبليتاه"، أو "الثلة الناجية"، إذا ما أردنا استعارة هذا المصطلح من مرحلة ما بعد الهولوكوست.
يمكن تطويع اللغة لاستخدامها في أي شيء، سواء للبروباغاندا أو لأي انمساخ أخلاقي. وداعاً أيها الواقع، لأنك لم تعد ضرورياً. إذاً، ما سبب ذلك؟ القليلون في إسرائيل وغيرها يملكون الإجابة. لكن بعد أيام قليلة من نشر هذه الرسالة المصورة، وقعت الولايات المتحدة مع إسرائيل اتفاقية تدفع بموجبها 38 مليار دولار على شكل مساعدات عسكرية لمدة عشر سنوات. نصيب الأسد من هذا المبلغ ستنفق على الدفاع عن وتحصين المستوطنات في الضفة الغربية.
تطهير عرقي أم لا، يبدو أن المستوطنات باقية، وأمريكا تدفع الفاتورة.
جدعون ليفي
ترجمة: ياسر أبو معيلق
حقوق النشر: قنطرة 2016
جدعون ليفي صحفي وكاتب إسرائيلي. يكتب ليفي مقالات رأي وعموداً أسبوعياً في صحيفة "هآرتس"، وعادة ما يركز في مقالاته على الاحتلال الإسرائيلي للمناطق الفلسطينية.